المقاهي تعزف الموسيقي، والعشاق يتواعدون فى الأماكن العامة دون مضايقة أو خوف، وغياب تام لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هكذا رصدت صحيفة “فايننشال تايمز” البربطانية ما يجري هذه الأيام فى المملكة من عمليات تحرر وتمدن وصفتها بـ”الأولية”، والتي على حد قولها تلقى الدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، وشرائح كبيرة من الشباب.

مشهد غير معتاد

ونقلت الصحيفة عن نجلاء عبد الرحمن شهادتها على عمليات التغير المجتمعي التي تشهدها المملكة حاليا، قائلة إن نجلاء دخلت هي وصديقتها إلى أحد المقاهي الموجودة فى الرياض الأسبوع الماضي، واستوقفهما مشهد غير معتاد، فى أحد أركان المقهى الهاديء.

سعوديات في مكان عام

وروت نجلاء تفاصيل هذا المشهد للصحيفة البريطانية قائلة: “رأينا شابا وفتاة، بدا واضحا أنهما كانا فى موعد عاطفي، ولم يكونا أشقاء، وهذا مشهد لم أره من قبل فى المملكة”.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن الظهور فى الأماكن العامة مع الجنس الآخر من غير أفراد العائلة فى المملكة، كان من الممكن أن يعرض صاحبه لخطر الاعتقال من قبل أعضاء هيئة الأمر والمعروف والنهي عن المنكر التي كانت لها رهبة كبيرة في المملكة.

وأشارت الصحيفة إلى أن تهديد الهيئة اختفى فعليا فى المملكة؛ بسبب توجهات ولي العهد الرامية لزيادة مساحة الحرية الاجتماعية، وتعزيز الدعم -لاسيما فى أوساط الشباب- لخطط التحول الوطني لإصلاح الاقتصاد المتعمد على النفط، وكان آخر هذه القرارات المجتمعية قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة الذي تم الإعلان عنه الشهر الماضي.

سعوديات يحتفلن بيوم العيد الوطني للمملكة

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن واقعة مقهى الرياض، تأتي بعد أيام من إصابة السعوديين بالدهشة جراء واقعة تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي وكان أبطالها شاب وفتاة يرقصان تحت أضواء خضراء على أنغام مقطوعة موسيقية أثناء الاحتفال بيوم العيد الوطني للبلاد، والذي لم تبدأ المملكة الاحتفال به بشكل رسمي حتى 2005 لكن وجود احتفالات بهذا الشكل كان يعد أمرا نادرا ومحظورا في المملكة.

ووفقا لنجلاء عبد الرحمن فهي أصبحت على اقتناع أن التغيرات الاجتماعية ستساعد على “تطبيع” المملكة أو جعلها مدنية مثل باقي الدول الأخرى.

سنكون مثل أي مكان آخر فى العالم، نحن لا نعيش على المريخ، فى حين يعيش بقية العالم على الأرض.. الماضي ولى ولى، ولن نعود إليه مرة أخرى، وهذا واضح جدا.

عقبات

ولكن – بحسب الصحيفة – فإن هناك العديد من العقبات أمام مساعي ولي العهد التحررية لتحديث المملكة وشرعنتها، أبرزها هو التحالف -المستمر لعقود- بين العائلة المالكة وعائلة محمد بن الوهاب التي تسيطر على المؤسسات الدينية والتي تتبع المنهج المتشدد، بجانب المخاطر المتمثلة فى غضب المحافظين الآخرين من غير أسرة آل شيخ والذين يمثلون شريحة كبيرة فى المجتمع السعودي.

وأوضحت الصحيفة أن جهود الحكومة السعودية التي تبذلها منذ 32 عاما للسيطرة على الهيئة تعد مثالا على خشية المملكة من هؤلاء المحافظين، مشيرة إلى أن العديد من أعضاء الهيئة رفضوا الذهاب إلى العمل احتجاجا على إعلان الحكومة العام الماضي تجريدهم من سلطة مساءلة المشتبه فيهم واعتقالهم.

“عبد الرحمن السند” رئيس هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

وفى هذا السياق، قال أحمد الغامدي مسؤول فرع سابق للهيئة بمكة، للصحيفة البريطانية، إن العديد من أعضاء الهيئة صدم بعد هذا القرار وهذه التغيرات.

وأضاف الغامدي أن الحكومة سعت إلى تغيير دور الهيئة، وحصرته فى تقديم المشورة والتوجيه، بدلا من المواجهة المباشرة.

وتابع: “كان العديد من أعضاء الهيئة حريصين على ضبط الانتهاكات، وهذا كان يعتبر دورا ثانويا للأعضاء، بينما كان يجب رفع الوعي للمجتمع، فى المقام الأول وليس التركيز على اعتقال المخالفين”.

من جانبهم عبر سكان مدينة الرياض وغيرها من المدن عن سعادتهم بهذه التغيرات مشيرين إلى أن الحياة اليومية أصبحت أكثر متعة بعد الحد من نفوذ أعضاء الهيئة، حيث أصبحت المطاعم والمقاهي تعزف الموسيقى التي كانت محرمة قبل عامين فقط، وأصبح الناس لديهم شعور أقل من رصدهم واعتقالهم من قبل أعضاء الهيئة ذوي اللحى الطويلة واللباس القصير.

هواجس

وعلى الرغم من ذلك لايزال البعض تنتابه بعض الهواجس من تجاربهم السابقة مع الهيئة حيث نقلت الصحيفة عن إحدى الكاتبات قولها إنها لا تشعر حتى الآن بالأمان عند مقابلة أصدقائها الذكور فى الأماكن العامة فى المملكة.

وتابعت: “لا تزال نوبات الذعر تنتابني حتى الآن رغم أن إمكانية حدوث ذلك أمر غير مرجح بشكل كبير الآن”.

وكانت النساء على وجه الخصوص يواجهن، رقابة صارمة على مظهرن من قبل أعضاء الهيئة، ورصد مقطع فيديو خلال السنوات الماضية قيام أعضاء هيئة بطرد إحدى السيدات من أحد المولات التجارية بسبب وضعها طلاء أظافر.

وأشارت الصحيفة إلى أنه فى الوقت الذي تثير فيه تلك التغيرات، القلق فى أوساط كبار السن والمحافظين، تلقى تأييدا ودعما من الشباب من الجنسين.

وقالت عبير العرجاني (32 عاما) إن مخاوف المتشددين وكبار السن من التغيرات المجتمعية الجديدة غير صحيحة، مضيفة أن الغالبية العظمى من سكان المملكة من الشباب يريدون التغيير وينبغي على المعارضين التكيف مع الأوضاع الجديدة التي لا يتمكنون من تجنبها.