العدسة – معتز أشرف
قصة شديدة الحساسية في مصر بطلتها موظفة بمركز حقوقي محسوب على اليسار المصري، تحولت إعلاميا إلى أيقونة حكاية تحت مسمى فتاة “الإيميل”، بعد أن أرسلت إلى منظمات نسوية حقوقية قصة تضم اتهامات بالتحرش بها والاغتصاب ضد المرشح الرئاسي اليساري خالد علي ومحامٍ آخر زميل له بالمركز الحقوقي الشهير بوسط القاهرة، لتخرج القصة بعد مداولات وتحقيقات من السر إلى العلن، لتلتقطها أبواق النظام المصري بتربص وتشهير، ولكن كان لليسار المصري طريقة أخرى للتعامل مع أزمة أخلاقية هددته بضراوة في مجتمع مازال يوصف بأنه محافظ، استطاع بها أن يواجه ساعات حرجة كانت كفيلة بالعصف به في أوقات أخرى.
تحقيق متأخر
كانت لحظات عصيبة بحسب وصف مصادر مقربة من الأزمة لـ”العدسة”، مرت بالمرشح الرئاسي السابق خالد علي وفريق حملته وحزب العيش والحرية اليساري، ومجموعات اليسار، خاصة أن القصة انفجرت في وجه الجميع بالتزامن مع الترشح لجولة الرئاسة التي لم تكتمل، وكانت الانتقادات حادة والاستنكار كبيرا، لكن اليسار حافظ على تماسكه في وجه الأزمة واستطاع أن يكتم أصداءها حتى انسحاب “خالد علي ” من الانتخابات، خاصة وأن الكتل اليسارية في الإعلام الخاص مازالت في ود مع تيارها رغم علاقتها بالنظام الحالي.
“حزب العيش والحرية ” كان واضحا عندما أصدر بيانه في الوقعة، حينما قال: “لم نكن نستطيع إرسال هذه الرسالة قبل الآن، رغم كل المطالبات من أطراف حليفة لنا وأخرى متربصة بنا، قبل أن نكون قد قمنا بواجبنا بقدر الإمكان” موضحا أنه قد نما إلى علم الحزب منذ فترة ادعاءات منسوبة لسيدة مصرية ضد وكيل مؤسسينا، ومرشحنا للرئاسة بأنه بدر منه سلوك غير منضبط في عام 2015؛ وادعاءات أكثر خطورة ضد عضو آخر غير نشط عام 2014، ولكن لم تصل بشكل مباشر من صاحبتها الأصلية، ولم يكن الحزب طرفا في الأمر حيث جرت الوقائع خارجه، ولم تذكره السيدة كطرف، ولكن بعد أن علم وكيل مؤسسينا بهذا الإيميل وفحواه وتناقش مع قيادات الحزب والحملة، طلب منهم فتح تحقيق فى شأن الوقائع المزعوم نسبتها إليه، واتخاذ كافة الإجراءات الواجب اتخاذها حيال هذا الأمر، فقام الحزب بالتعاون مع الحملة بتشكيل لجنة تحقيق مستقله مكونة من (امرأتين ورجل) من الشخصيات المستقلة المعروفة بنزاهتها وانحيازها الأصيل لحقوق الإنسان وفي القلب منها حقوق النساء، وراعينا أن تتوافر فيها الخبرات النسوية والطبية والقانونية، على أن تقدم هذه اللجنة ما توصلت إليه الأطراف المعنية ألا وهي الحزب والحملة والمدعية والمدعي عليهم والشهود الذين قبلوا التعاون مع هذه اللجنة.
رحلة الأزمة كانت ومازالت شديدة للغاية علي ائتلافات اليسار، ولكن في تأكيد لما كشفته مصادرنا قال الحزب في بيانه: ” حرصت قيادات الحملة والحزب على عدم التورط فى معارك، أو ملاسنات أو تسريب لأي معلومات قد تنال من السيدة المدعية، أو تؤثر على عمل لجنة التحقيق، أو الدفاع عن أنفسنا إزاء الضغوط أو الإساءات والأثمان التي تكبدناها من سمعتنا وصورتنا، والتي جاءت جميعها بعد اختيارنا البدء في التحقيق بوقت طويل انحيازًا منا للقيم التي تشاركناها منذ أن شرعنا في تأسيس الحزب، وفي مقدمتها مبادئ المساءلة والمحاسبة وضرورة محاربة العنف والتمييز ضد النساء في المجالين العام والخاص، وهي القضية التي تبنيناها فى خطابنا وبرنامجنا وقواعدنا التنظيمية وممارساتنا منذ بدء مشروعنا الوليد. ولم نتذرع يوما بادعاءات المواءمة ولم ننجر لمعارك جانبية أو نلتفت لمحاولات البعض تصفية الحسابات، فكل ذلك ليس من شأنه نصرة قضية مناهضة العنف وإرساء مبادئ المحاسبة والمساواة”.
الصعوبات التي واجهت اللجنة في عملها كانت محبطة خاصة مع اعتذار المدعية وامتناع عدد من الشهود عن تناول الوقائع محل التحقيق، وهو ما دعا حزب العيش والحرية إلى الاعتذار قائلا : ” نعتذر لجميع الأطراف المعنية عن تأخر هذه العملية للتحديات التي واجهت لجنة التحقيق، ولأسباب أغلبها لم نكن طرفا فيها، ونعتذر لكل حلفائنا الذين رأوا في فترة ما أننا لم نكن على مستوى توقعاتهم لأسباب أغلبها لم تكن تتعلق بنا، وبعضها لكوننا كيانا لم تنضج آلياته وتقاليده بعد، كيان قد كَبُر دوره السياسي قبل أن تنضج تجربته التنظيمية ومع حلفائنا وأنصارنا شركاء النضال نتعلم ونطور من أنفسنا”، مؤكدا أن اللجنة لم تجد وكيل مؤسسي الحزب مُدانا بأي انتهاك جنسي باللفظ أو بالفعل، أما بالنسبة للعضو الآخر غير النشط، فقد وجدت اللجنة أنه قام بسلوك مشين وأوصت الحزب بعدد من الإجراءات حياله، لكن هذا العضو استقال فور صدور النتيجة.
استقالة بعد صمت
وفي المقابل، كان الألم شديدا على “خالد علي” الذي رأى في القصة طعنة في ظهره في وقت حرج، ولكنه فاجأ الجميع بقرار حاسم وحاد في الأزمة حيث أعلن استقالته من عضوية حزب العيش والحرية، ومن عمله كمستشار للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محل الواقعة، مناشدا الجميع بمساندة الكيانين فى ظل السيناريوهات المعدة للنيل منهما من قبل أجهزة الدولة، كما ناشد الذين استقالوا من الحزب أو جمدوا عضويتهم به، بالعدول عن هذه القرارات.
وأعرب “علي ” عن أسفه عما أسماه ” تعمد ” بعض المواقع الصحفية والصحف والبرامج التليفزيونية نسبة أفعال له ونسج حكايات وروايات لم ترد حتى بالإميل الخاص بالفتاة المتضررة، مشيرا إلى أن رغم ما حدث وتم تبرأته منه فإنه مدينا بالاعتذار لكل النساء الذين تعامل معهم من خلال عمله المهني أو السياسي والعام؛ لأن اسمه ذكر فى هذه الوقائع على هذا النحو وعلى هذه الصورة التى لا يرتضيها لنفسه.
فتاة الإيميل ترد
وفي المقابل كان رد “فتاة الإيميل” حادا، حيث طالبت حزب “العيش والحرية ” بالاعتذار الرسمي عن بيانه الذي وصفته بـ”المشين” حول نتيجة التحقيق، كما رفضت الفتاة، في بيان وقّع عليه تضامنًا 59 اسما ما قالوا إن ” الادعاءات التي وردت في بيان الحزب، والتي حوّلت الأمر لمعركة وهمية يهتم أطرافها بتصفية الحسابات والتلاسن والسماح للصحافة الصفراء باستغلال الموقف، حيث إن ما سبق لم يكن إلا تداعيات نتجت عن تجاهل الحزب والقائمين عليه مبادئ الحق في المعرفة والشفافية وسرعة الاستجابة للبلاغات، وكذلك أسس إدارة الأزمات ككيان سياسي يطرح نفسه كبديل ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان”.
بين المحاكم والتشهير
ولم يستطع النظام الحاكم الصمت كثيرا فاتجه الي جرجرة المحاكم كآلية معروفة في التشهير بمعارضيه، حيث قدم أحد المحامين المعروفين بعلاقته الأمنية والذي قدم معظم البلاغات في الفترة الأخيرة ضد رموز المعارضة، قدم بلاغا، ضد “خالد علي” للتحقيق معه في واقعة فتاة الإيميل، وقال المحامي المحسوب على النظام المتهم بقمع المرأة: الواقعة أدت إلى إهدار حقوق المرأة وكرامتها وكبريائها التي كفلها الدستور، وأصبحت بمجملها وصمة عار على جبين السياسيين المصريين، وأساءت إساءة بالغة للحياة السياسية في مصر، والذي زاد الطين بلة جريمة الفعل العلني الفاضح التي اقترفها المبلغ ضده والتي صدر حكم بحبسه ثلاثة شهور والمطعون عليه بالاستئناف لجلسة 7/3/2018 “.
وسارعت صحف مؤيدة للرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي إلى التشهير بالحقوقي والمرشح الرئاسي السابق “خالد علي”، ونشرت صحيفة الدستور المقربة من الأجهزة الأمنية تقريرا سلبيا بعنوان “الحقوقى التحرش”.. مشهد جديد فى مسلسل اتهامات خالد علي”، كالت له فيه الاتهامات المرسلة، وأعادت البحث عن اتهامات جديدة له فلم تجد غير اتهامه ضمن الاتهامات المشينة بتهديد أمن الدولة!، فيما نشر موقع مبتدأ المحسوب علي جهاز الأمن الوطني تقريرا شرسا ضد “خالد علي” تحت عنوان “فتاة الإيميل تكتب نهاية خالد علي السياسية”، وقال في تقريره المليء بالسب والقذف: “(إنها) واقعة تكشف النضال المزيف لمن يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان ويمارسون السياسة تحت ستار “العيش والحرية”.
ورغم التربص حاول اليسار المصري بنسبة نجاح قد لا تعجب حتى أعضاءه، تلافي نيران صديقة جاءت من عقر داره في ساعات حرجة، واضعا نصائح مؤسسه نصب أعين الجميع حين قال “خالد على” في بيان المغادرة من بيته: ” رسالتى لكل المهتمين بالشأن العام، استمعوا للنقد بإنصات، وبعين تنظر للمستقبل الذى يجب أن يعيشه النساء والرجال معاً، وابذلوا المجهود اللازم لخلق مدونات سلوك وأنشطة ترفع الوعي بهذه الجرائم وبمشاعر الأنثى التى قد لا يفهمها أو يعيها كثير من الرجال”.!
اضف تعليقا