اعتقالات في أرض الحرمين طالت النساء قبل الرجال، وفزع وخوف يترقبه الجميع مع فشل الأسرة الحاكمة للسعودية في كبت الأصوات الساخطة عبر القوة الأمنية، ودعوات هنا وهناك لعصيان مدني أو تظاهرات غاضبة، ومشهد كئيب يسيطر على منطلق الإسراء، وثكالي ومعذبين إلى جوار الحرم الآمن.. فمن الذي يهين مقام كعبة الله الآن يا طويل العمر؟

قبل أسابيع، نشر حساب الأمير عبدالعزيز، نجل الملك السعودي الراحل (فهد) تغريدة على حسابه الموثق: “الحمد لله الذي تفضل علينا بالحج، بروح بودع عمي سلمان وأسافر إن شاء الله، إن ماسافرت فاعلموا أني قتلت”.. ظل النشطاء يتداولون تصريحات الأمير، والتساؤل الأكبر: من الذي يستهدف اغتياله؟ لم يدم السؤال طويلا، فسرعان ما جاء الجواب في وكالات الأنباء مؤكدة وضع نجل الملك السعودي الراحل قيد الإقامة الجبرية.

بدا واضحا منذ فترة أن أمرا ما غريبا يدور في المملكة، فمحمد بن سلمان، الملك الجديد الوشيك للبلاد، يطلق قوات أمنه ضد كل من يتوسم فيه صلاحية لمعارضته يوما ما، حتى لو كان الآن من أكثر مؤيديه.

لاحقا، ذكر حساب “مجتهد” السعودي المعارض، أن ابن فهد اعتقل من قصره في جدة يوم الأربعاء الماضي على يد قوة تابعة لابن سلمان، وهو في مكان غير معروف حتى الآن.

كوريا الشمالية “العربية “

يقول مجتهد إن خطة ابن سلمان لتثبيت أركان حكمه، تقوم على قاعدة “لا حصانة لأحد من الاعتقال، حتى لو كانوا ممن تبقى من أبناء عبدالعزيز”، وذلك في إطار نصائح دوائر الحكم في الإمارات، فالفتي الجديد تجمعه بولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد علاقة “تزيد عن الصداقة”.
ولأن الاعتقالات لن تستثن أحدا، فإن الدعاة بعد الأمراء في أولوياتها، لذا فقد شن نظام آل سعود حملات اعتقال شملت عددا من الدعاة البارزين، من بينهم: سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، فضلا على اعتقال عدد آخر من النساء.

لماذا هذا الجنون؟

من المؤكد أن طريق إعلان توريث محمد بن سلمان لعرش السعودية ليس مفروشا بالورود، لذا فقد ربط بعض المراقبين بين تلك الاعتقالات ونظيرتها المصرية في سبعينيات القرن الماضي في عهد السادات، حين اعتقل الرجل معارضيه كلهم تقريبا، لكنه لم ينتبه إلى أن ذلك كان المسمار الأخير في نعش حكمه، فتم اغتياله من قِبل عناصر عسكرية وفي وسط قوات جيشه.. فالقاعدة أن من يحارب الجميع، يخسر!

على أية حال، توالى اعتقال عدد من العلماء والدعاة في المملكة بتواتر ملحوظ خلال الأيام القليلة الماضية، وسط توقعات بزيادة وتيرتها واتساع قاعدتها، وأسماء المعتقلين شملت رموزا كبيرة كسلمان العودة وعوض القرني، ويوسف الأحمد، وإبراهيم الفارس، وإبراهيم الناصر، ومحمد الهبدان، وغرم البيشي، ومحمد الخضيري.

ويربط بعض المراقبين هذه الاعتقالات بـ 3 احتمالات قد تقف خلف هذه الحملات غير المسبوقة من التوقيف والإخفاء القسري، وهي الأزمة القطرية وانتقال العرش وحراك سبتمبر.

فعدد من المصادر الإعلامية سبق وأن تحدثت عن أن حملة الاعتقالات جاءت بناء على رفض هؤلاء الدعاة توجيهات من الديوان الملكي بمهاجمة قطر، بعدما تلقوا اتصالات من سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي، يطلب منهم مهاجمة قطر فورا، لكنهم رفضوا.

سبب آخر محتمل لتلك الاعتقالات، يتمثل في قرب إعلان توريث ابن سلمان للعرش، لكن “سبب التأخير هو الخلافات الداخلية والتردد من جانب الذين عُرضت عليهم ولاية العهد”، بحسب ما تحدثت عنه تقارير إعلامية.

هذا الخلاف داخل العائلة الحاكمة سرعان ما ارتد إلى حرب بينهم من أجل وأد أدوات كل جناح، لا سيما وأن الجناح الديني السعودي يرى في محمد بن سلمان استنساخا إماراتيا لا يليق بالمملكة، وسط تكهنات إلى ارتياح أغلب الدعاة لإزاحة بن سلمان عن العرش.

الاحتمال الأخير، وهو الأقل حضورا، هو اتهام عدد من هؤلاء الدعاة بقيادة حراك “15 سبتمبر”، الذي يهدف إلى “معالجة الفقر والبطالة، وأزمة السكن، وإزالة أسباب الجريمة، والتفكك الأسري، ورفع الظلم عن المرأة، والضعوف، وتحسين مستوى الخدمات”.

الحراك مجهول القيادة، أو على الأقل، يحتاج قائدا، والدعاة كلهم مشاريع محتملة لتمثيل تلك القيادة.. الآن فكّر بعقلية ضابط أمن: ما الحل الآمن لمواجهة تلك المخاوف حول هؤلاء المشايخ والعلماء؟ بالضبط، اعتقالهم جميعا.. وهذا ما حدث!