أصدرت الأحزاب البريطانية تقريرًا مشتركًا حول الوضع المأساوي والكارثي الذي يسيطر على السودان الآن بفعل الحرب الأخيرة المتورط فيها الجيش وقوات الدعم السريع سيئة السمعة، والتي تسببت في مئات الوفيات والجرحى فضلًا عن تعطيل الحياة في البلاد التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية.
التقرير الصادر صباح الأربعاء شدد على ضرورة فرض المملكة المتحدة عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان من القيادات العسكرية السودانية العليا وكذلك تصنيف مجموعة فاغنر على أنها جماعة إرهابية بسبب الجرائم الوحشية التي ترتكبها إبان الحرب الحالية.
وحسب التقرير الذي وقع عليه عدد كبير من ممثلي الأحزاب، مثل وزيرة أفريقيا السابقة من حزب المحافظين فيكي فورد، إن فإن الغرب سمح بأن يصبح الإفلات من العقاب هو القاعدة، وأن الإخفاق في تقديم العديد من المسؤولين عن الإبادة الجماعية في دارفور إلى العدالة قبل 20 عامًا هو ما سمح للميليشيا نفسها بإعادة تجميع صفوفها وتعطيل الديمقراطية في البلاد.
كما حذر التقرير من أن اندلاع القتال بشكل كبير إلى جانب عمليات النزوح في دارفور سيعني أن المزيد من اللاجئين “سيأتون حتمًا في طريق المملكة المتحدة من السودان”، مشيرًا أن عمليات النزوح واللجوء إلى المملكة المتحدة بدأت بالفعل.
الدافع العام للتقرير، برئاسة النظير المستقل اللورد ألتون، هو فشل المجتمع الدولي على المدى الطويل في اتخاذ ما يكفي من اجراءات لدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية لتقديم مرتكبي الإبادة الجماعية للعدالة في السودان، مما شجع الجناة ارتكاب العنف الحالي.
يُذكر أن اللورد ألتون كان قد زار دارفور عام 2004 لتسليط الضوء على بشاعة الجرائم المرتكبة آنذاك لكن تُرك الجناة بلا عقاب، كما أن تصاعد أعمال القتل في دارفور في العامين الماضيين قد ترك أيضًا دون عقاب.
الجدير بالذكر أن المحكمة الجنائية كانت قد أجرت تحقيقًا في الجرائم التي ارتكبت في دارفور قبل 20 عامًا ليصبح الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير أول رئيس حالي تُتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأول شخص تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وأشرف على هذا التحقيق المحامي الأرجنتيني لويس أوكامبو.
من جانبه، أخبر أوكامبو المجموعة الحزبية بأنه لم تكن هناك إرادة سياسية لاعتقال البشير، الموجود حاليًا في مستشفى عسكري في الخرطوم، وإذا كان قد تم القبض عليه، فربما يكون ذلك بمثابة ردع لارتكاب فلاديمير بوتين جرائم حرب في أوكرانيا.
نُقل البشير من السجن مع ما لا يقل عن خمسة أعضاء سابقين في نظامه، من بينهم عبد الرحيم محمد حسين، المطلوب أيضًا لارتكاب جرائم حرب.
وجد التقرير أن وجود مجموعة فاجنر في السودان خبيث تمامًا، ومصمم لتأمين ثلاثة أهداف رئيسية – نزع الديمقراطية، وتصدير الذهب السوداني إلى آلة الحرب الروسية، وبناء ميناء بحري تسيطر عليه روسيا.
قال ألتون: “لقد قوبلت الإبادة الجماعية في دارفور منذ 20 عامًا بإفلات مخز من العقاب، وهو إفلات من العقاب أصبح الآن من بين العديد من العوامل التي تسبب ودفعت إلى المزيد من الفظائع والمزيد من النزوح… بدون عدالة لا يمكن أن يكون هناك سلام، بدون سلام لا يمكن أن تكون هناك تنمية أو تقدم.”
وأضاف ألتون “في النصف الأول من العام الماضي، انضم ما يقرب من نصف مليون شخص إضافي في دارفور إلى صفوف 100 مليون نازح على مستوى العالم… لكن للأسف هذا العنف المستمر في دارفور حتى الآن لم يلق الصدى الإعلامي والتفاعل الدولي المناسبين”.
وأضاف: “بدا للحظة محيرة، أن هناك بصيص أمل في السودان، وهو احتمال أن أمراء الحرب سيتراجعون إلى الثكنات ويسمحون لشباب التكنوقراط والأطباء والمهندسين وغيرهم لمساعدة الديمقراطية على الازدهار في البلاد، لكن هذه الآمال تبددت في الأسابيع الأخيرة”.
وقال: “الجيش السوداني يقاتل ضد قوات الدعم السريع، لكنه أيضًا تعرض للتلوث في الماضي بدعم أيديولوجية متطرفة مما دفعهم للعب دور كبير جدًا في قتل ملايين المدنيين”، لافتًا “تعايش القائدان اللذان يقودان الجيش وقوات الدعم السريع في شراكة لأكثر من ثلاث سنوات بسبب مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على السلطة وإبطاء انتقال السودان إلى حكومة مدنية، لكن الأمر تغير الآن”.
من جانبها، تساءلت الدكتورة روزاليند مارسدن، سفيرة المملكة المتحدة السابقة في السودان، عما إذا كانت المملكة المتحدة قد تصرفت بصورة صحيحة بما يكفي في اللحظة الحاسمة لردع التهديد للجدول الزمني للانتقال الديمقراطي الجديد المحدد في اتفاقية ديسمبر/كانون الأول 2022 التي وقعها القادة العسكريون والمجموعات المدنية.
وقالت للجنة المختارة للشؤون الخارجية “ما نراه في الوقت الحالي هو بالطبع صراع على السلطة بين جنرالين، لكنه أيضًا محاولة لعرقلة الانتقال الديمقراطي في السودان وإعادة السودان إلى الديكتاتورية السابقة… هذه هي النقطة التي كانت تخيف القيادة المدنية المؤيدة للديمقراطية في السودان… لقد حذروا المجتمع الدولي من أن عناصر النظام القديم كانت تحاول توسيع الصدع بين الجيش وقوات الدعم السريع لزعزعة استقرار العملية الانتقالية… على الحكومات الدولية بما في ذلك المملكة المتحدة أن يدركوا هذه النقطة جيدًا “.
وأضافت أن أعضاء الحزب الحاكم السابق خلال شهر رمضان طالبوا بالإفراج عن الرئيس البشير من السجن وقاموا بتعبئة أعضائهم، مشيرة أنه ربما كان ينبغي على الحكومة البريطانية وشركائها أن يأخذوا هذه التحذيرات بجدية أكبر، لافتة أنه كما هو الحال دائمًا مع هذا النوع من العملية السياسية، فإن المراحل الأخيرة هي الأكثر خطورة حيث من المرجح أن يضاعف المفسدون جهودهم.
وتابعت “كانت هناك حاجة إلى تدخل سياسي رفيع المستوى في تلك اللحظة الحرجة لزيادة الضغط على الزعيمين العسكريين”، مضيفة أنها لا تعرف ما إذا كان أي وزير بريطاني قد أجرى أي اتصال رسمي في تلك اللحظة الحرجة، مشددة على أن رد الفعل الرسمي البريطاني حتى الآن لا يكفي لحل الأزمة التي تهدد العالم بأسره.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا