تمثل فرنسا رأس الشر في منطقة شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء الإفريقية عموماً، وقد قامت خلال السنوات الأخيرة بأدوار قذرة، لنصرة كل حكومات الاستبداد في الدول الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية، حيث مازالت تحافظ على نفوذها إلى الآن، وتنشر قواتها لرعاية مصالحها، وتوسع تواجدها لحماية هذه السياسة، وتدعم كل الأطراف التي تؤبد موقعها، ولا تسمح بأي تحول في المشهد السياسي في أي بلد كان.

هذه السياسة تعضدها أساليب أخرى مرافقة وإن حاولت عدم تبنيها علناً، فإن بصماتها موجودة فيها، ولم تستطع إقناع العالم ببراءتها منها، وتتمثل في دعم أطراف أخرى بأشكال مختلفة ظهر أولها في دعم بعض العناصر المرتزقة في أكثر من ملف عسكري في القارة الإفريقية

ولعل أشهر هذه الملفات رجل فرنسا الخفي العقيد “بوب دينار” الذي كان يقوم صحبة عدد من الجنود المرتزقة من فرنسا وبلجيكا وجنوب إفريقيا بكل الأدوار القذرة، التي ترغب فرنسا في تحقيقها على أرض الواقع دون أن تلوث أيديها مباشرة، وقد شارك هذا العميل في نحو 20 انقلاباً أو محاولة انقلاب أو غزو منذ بداية ستينات القرن الماضي، ودشن بذلك عصر الجيوش الخاصة.

ومن بين تلك المغامرات التي خاضها ومرتزقته، تنفيذه أربع انقلابات في جزر القمر بين عامي 1975 – 1995، حيث ظل “بوب دينار” لعقد من الزمن، حاكماً فعلياً لهذه الدولة المتكونة من عدة جزر في المحيط الهندي قبالة الساحل الشرقي للقارة الإفريقية، كما شارك هذا المرتزق الفرنسي في مغامرات عسكرية مختلفة، معظمها جرت في إفريقيا، في أنغولا وبنين والكونغو والغابون ونيجيريا وتشاد وزمبابوي، وأيضا في إيران وفي اليمن.

هذا المغامر الفرنسي الخطير الذي عمل بمثابة “بندقية للإيجار”، حُوكم مرتين في فرنسا على محاولتي انقلاب، في بنين وجزر القمر في عامي 1993 و2006 وأدين في الحالتين، إلا أن الحكم كان بالسجن مع وقف التنفيذ، مما يفيد أن هناك حماية رسمية وراءه تخلصه في كل مرة.

وقد تكرر هذا المثال أكثر من مرة، لعل آخرها دعم عمليات الإرهاب التي حصلت في تونس خلال فترة حكم حركة النهضة، إذ قامت فرنسا بعديد من عمليات الاغتيال في محاولة لتقويض حكمهم، وقد اعترف الرئيس الفرنسي السابق “فرنسوا هولاند”، بأنه أجاز لأجهزة الاستخبارات الخارجية تنفيذ أربع عمليات اغتيال على الأقل.

ومنها ما قالت مصادر استخباراتية مطلعة، أنه يتعلق باغتيال المعارضين التونسيين، “شكري بلعيد” و”محمد البراهيمي” بواسطة أحد العناصر الاستخبارية، الذي قامت فرنسا بتدريبه وإرساله إلى تونس وهو الإرهابي “أحمد الرويس”.

وكان ذلك رغبة في الإطاحة بالحكومة الأولى التي جاءت بعد الثورة التونسية، خاصة أن الجميع يعلم أن فرنسا كانت تدعم الرئيس التونسي “زين العابدين بن علي” حتى آخر يوم قبل هروبه.

كما عملت فرنسا جهوداً كبيرة لتسفير بعض الشباب المغرر بهم، ممن كانوا يعتقدون أنهم يتبعون الخط السلفي بالتعاون مع حكومة المملكة العربية السعودية، وتم نقلهم إلى سوريا بنية تقويض الحراك المجتمعي الحاصل هناك، وإدخال عوامل خارجية تبرر التدخل الأجنبي تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، فكون هؤلاء لاحقاً ما عرف بدولة “داعش”، وتم تزويدهم بالعتاد والأموال وتركوا في صحاري بلاد الشام يعيثون فيها فساداً إلى حين.

ثم عندما انتهت الحاجة إليهم، وبعد إبادة الأطراف التي خرجت عن السيطرة، تم تغيير مواقع البقية حسب الخطة المعتمدة نحو عدد من البلدان، مثل مالي وليبيا ليكملوا الاستراتيجية المطلوبة بنشر الفوضى وإعطاء الذريعة بالتدخل في هذه البلدان، وقد شاهدنا التدخل الفرنسي في مالي منذ سنوات، وما زلنا نلمس آثار التدخل في ليبيا إلى اليوم.

ولعل آخر ما تم اكتشافه في هذا الصدد، ما قامت به حكومة الوفاق الليبية بالتعاون مع الاستخبارات والأمن التركي، إذ تم إلقاء القبض على 79 من المرتزقة الخطرين الذين كانوا يعملون في ليبيا، والذين تم تدريبهم بإشراف من فرنسا والإمارات ومصر.

وتم جلبهم من سوريا وأفغانستان وإيران والعديد من الدول العربية والإفريقية، لتنفيذ عمليات “تخريب واغتيالات” وأشارت قوات الوفاق إلى أن منهم عدداً من الإرهابيين الخطيرين المعروفين دولياً، وقد اعترفوا لفرق التحقيق، بكافة ارتباطاتهم، وأنه تم تدريبهم بإشراف وحدات عسكرية فرنسية.

لا شك أن سقوط المناطق الشرقية الليبية، الذي تعد له حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا سيميط اللثام عن كل الأطراف الإرهابية، التي عملت فرنسا وعملاؤها السعودية والامارات على غرسها في المنطقة، فقط لتقويض الثورات العربية وتأبيد أطماعها التي لا تنتهي، ولهذا السبب تقوم هذه الدول بكل ما أوتيت من قوة، لمنع سقوط “خليفة حفتر” وأتباعه لأنها تعلم أنها ستنكشف عارية أمام الجميع، بتهمة رعاية الإرهاب في العالم.

اقرأ أيضاً: هل تحول الإرهاب إلى فزاعة للالتفاف على مطالب الحرية