العدسة – باسم الشجاعي

مجددًا عاد الحديث عن الإطاحة برئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”، ليطفو على الساحة السياسية، خاصة فِي ظل حالة القطيعة الكاملة بين الإدارة الأمريكية و”أبو مازن”، والتي تأزَّمت بعد القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف، وإعلان المدينة المحلتة عاصمة لـ”إسرائيل”.

فقد هدد السفير الأمريكي لدى “إسرائيل”، “ديفيد فريدمان”، الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، بأنه إذا لم يقبل العودة إلى المفاوضات مع دولة الاحتلال فسيأتي مَن يقبل بها”.

وتعتبر هذه التصريحات الأولى من نوعها التي تصدرها الإدارة الأمريكية رسميًّا حول إمكانية عدم قبول الرئيس الفلسطيني الحالي كممثل أساسي للفلسطينيين في مفاوضات محتملة مع “إسرائيل”.

وقال “فريدمان”، في تصريح لجريدة “سبع” الإسرائيلية، الأسبوع الماضي: “إن الوقت لا يتوقف، إذا لم يهتم “عباس” بإجراء المفاوضات فإنني على يقين بأن هناك من سيريد ذلك بدلًا منه”.

السفير الأمريكي لدى إسرائيل، أضاف قائلًا: “وفي حال خلق “عباس” فراغًا، إنني مقتنع بأن أحدًا ما سيملأه، وسنمضي قدمًا (في عملية السلام)”.

ولا يعلم أحد على وجه التحديد من هو “البديل” الذي تعدّه الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” لـ”عباس”، ولكن ربما ينحصر الرهان على قادة الأجهزة الأمنية داخل السلطة الفلسطينية نفسها ولها صلة وثيقة بالتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال وعلى دراية بما يحدث، ولكن ماذا سيكون رد فعل “عباس” تلك التصريحات، وما الخطوات التي يمتلكها “أبو مازن”؟.

“العدسة” تستعرض في تلك السطور أبرز الشخصيات المرشحة لخلافة “عباس”، وعلى أيِّ أساس سيقع الاختيار عليها.

“جنرال التنسيق الأمني”

في الداخل تنحصر التكهنات حول اسم رئيس المخابرات الفلسطينية اللواء “ماجد فرج”، وذلك لعدة أسباب، أولها أنه يتولى مهمة التنسيق بين قواته ونظيراتها الإسرائيلية.

فضلا عن أن الإعلام الإسرائيلي يسوّقه بقوة بوصفه بديلًا لـ”محمود عباس”؛ حيث لم تجد دولة الاحتلال أفضل لها من “فرج” لخلافة “أبو مازن”.

ووفقًا لموقع “المصدر” للدراسات البحثية الإسرائيلية، فإنّ الأوساط السياسية في “تل أبيب”، باتت ترشح وبقوة، اللواء “ماجد فرج”، ليكون خليفة للرئيس “محمود عباس”.

وبحسب الموقع؛ فإنّ هذه الأوساط الإسرائيلية أكدت أن “فرج” أعاد إلى جهاز المخابرات مكانته، وهي المكانة التي لم تكن فقط على الصعيد الفلسطيني الداخلي فحسب، وإنما كذلك على صعيد أجهزة المخابرات العالمية، كجهاز يمكن الاعتماد عليه والتعاون معه، في الكثير من الملفات الشائكة والحساسة.

و”ماجد فرج”، من مواليد عام 1962 في مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، وينحدر من قرية “رأس أبو عمار” المحتلة عام 1948 قضاء القدس، والحاصل على شهادة البكالوريس في الإدارة من جامعة القدس المفتوحة، لعائلة عانت من الاحتلال أشد معاناة.

وكان “فرج” من قيادات الأراضي الفلسطينية، ومن مؤسسي “لجان الشبيبة” الذراع النقابية والجماهيرية لـ”حركة فتح” والتي حظرت سابقًا في عام 1987، وتمّت تسميته في اللجان السياسية قبيل أوسلو.

والتحق مع قدوم السلطة بجهاز الأمن الوقائي كمدير لأكثر من محافظة، مثل دورا وبيت لحم، إلى أن تم تعيينه مديرا لجهاز الاستخبارات العامة في عام 2009، وذلك خلفًا لرئيس الجهاز السابق اللواء “محمد منصور” ليكون بذلك رابع مدير للجهاز منذ نشأة السلطة الفلسطينية.

عالم الكيمياء

بالطبع الخيارات الأمريكية الإسرائيلية لن تنحصر حول رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطيني اللواء “ماجد فرج”، وربما يكون بديل “عباس” مِن خارج السلطة، وهنا يظهر اسم رجل الأعمال وعالم الكيمياء الطبية الفلسطيني “عدنان مجلي”.

فخلال الأيام الماضية، طرح اسم الرجل بقوة في الساحة السياسية الفلسطينية برغبة دولية إقليمية فيما يبدو، خاصة من الرياض وواشنطن.

وظهر “مجلي” في زيارة لقطاع غزة، مطلع العام الجاري، وبالرغم من أنّ جولة الرجل كانت علمية خيرية، إلا أن وصوله للقطاع جاء بسماح إسرائيلي – إقليمي – دولي وصم الزيارة بـ”السياسية”، وقد أثار استدعاؤه من حقل طبي علمي الكثير من التساؤلات حول تلك الشخصية التي اقتصرت اهتماماتها قبل ذلك على مجال الاختراعات والبحث العلمي، ولم تكن ذات اهتمام مسبق بإدارة ملفات سياسية شائكة.

ووفق مصادر مقربة من “حماس”، قُدّمت الزيارة على أن الرجل سيكون له دور في السياسة الفلسطينية قريبًا، كما طرح اسمه ليكون رئيس وزراء مقبلًا في أي حكومة وحدة وطنية مقبلة.

لكن المصادر نفسها قالت إنَّ المعلومات عن شخصية “مجلي” والدور الذي يعد له داخل الساحة الفلسطينية من جهات أمريكية ودولية تضع تساؤلات عدة حوله، مشيرةً إلى أن هناك معلومات عن أن الرجل عمل خلال السنوات الماضية كوسيط سِرّي بين السلطة والولايات المتحدة و”إسرائيل”.

وتعرّف السيرة الذاتية المنشورة لـ”مجلي” بأنه عالم ورجل أعمال فلسطيني ولد عام 1963 في بلدة طوباس في الضفة الغربية في فلسطين، لأب مزارع ولعائلة ضمّت تسعة إخوة وأخوات، وحصل على لقبه الجامعي الأول من جامعة اليرموك في الأردن عام 1981، وحصل على لقب الدكتوراه من جامعة إكستر الإنكليزية عام 1989، وبعدها بدأ مسيرته العملية في جامعة “روتشستر في نيويورك”.

أخطبوط مؤامرات الشرق الأوسط

وبعيدًا على ما سبق، تذهب التطورات في المنطقة لطرح اسم النائب الفلسطيني الهارب “محمد دحلان” والمعروف إعلاميًا بـ”أخطبوط مؤامرات الشرق الأوسط”، وأبرز خصوم الرئيس “محمود عباس”، والذي تربطه علاقات قوية مع “مصر والإمارات”، ليكون هذه المرة الورقة الجديدة للتعامل مع المرحلة “التاريخية” المقبلة.

خاصةً وأن الإدارة الأمريكية اقتربت فعليًا من وضع اللمسات الأخيرة على ما باتت تُعرف باسم “صفقة القرن”، والذي يتعتمد فيها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، مع قادة “مصر والسعودية والإمارات” لتسويقها وطرحها في المنطقة، خلال الفترة المقبلة.

فـ”مصر والإمارات والسعودية” تعلم أن “دحلان” الشخصية الفلسطينية الوحيدة القادرة على التجاوب مع تحركاتها السياسية في المنطقة، خاصة في ظل رفض “عباس” القاطع للتجاوب مع تلك الجهود.

ومن الواضح أنّ “دحلان” لا يختلف مطلقًا عن “عباس”، فكلاهما مع اتفاقات أوسلو والمفاوضات، ويرفضان المقاومة كطريق لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي، وكلاهما يعتبران حق العودة لم يعد عمليًا، وعفا عليه الزمن، ويتمسكان بالتنسيق الأمني، وعلى تواصل مع الطرف الإسرائيلي المحتل، لكن الأول يتميز بتجاوبه مع صفقة “القرن” والأطراف العربية التي ترعها.

و”محمد دحلان” ولد داخل مخيم خان يونس في قطاع غزة وعاش الرجل حالة المخيمات ووضع اللجوء ولم يكن طوال فترة صباه قد عرف بأي نشاط ملحوظ، حتى انتسب إلى الشبيبة الفتحاوية في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة، وبدأ يبرز دوره في العمل العام الفلسطيني.

وبدأ يلمع “دحلان” كناشطٍ في حركة “فتح” داخل قطاع غزة وسط خلاف على دوره التاريخي داخل الحراك الطلابي الفتحاوي، ولكن على أية حال فقد ساعده اعتقال الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة في تلميع صورته في المجال العام.

ومع بداية فترة التسعينيات عانت منظمة التحرير من فراغ قيادي نتيجة الاغتيالات وغيرها من الظروف السياسية، وهو أظهر مجموعة جديدة من جيل “محمود عباس”، وظهر في دائرة الضوء “العقيد محمد دحلان” ، وعدد كبير من العقداء الذين أغدق عليهم الرئيس الراحل “ياسر عرفات” حينها الرتب بسخاء.

وتسلم “دحلان” مهمة قيادة جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة بعد اتفاق أوسلو حتى وصل إلى مستشار “عرفات” للشؤون الأمنية ثم وزيرًا للداخلية، وقد عرف عنه التزامه التام بالتنسيق الأمني مع جانب الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث كان مشهورًا باعتقال قادة المقاومة في غزة وإيداعهم في سجون السلطة.

وخرج “دحلان” من قطاع غزة وهو مطلوب لدى عناصر الأمن، وبدأ في لعب أدوار إقليمية انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة التي احتضنته، وعينته مستشارًا أمنيًا لولي عهد الإمارات، حتى بعد فصله من حركة فتح، واحتدام الصراع بينه وبين رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”.

ماذا سيفعل “عباس”؟

وحيال ما يحاك ضد الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، يرى مراقبون أنّه سيحاول التمسك بالسلطة، وسيجعل من أي محاولة لعزله قضية تدخل خارجي في الشأن الفلسطيني، وسيطلب من تنظيمه والشعب الفلسطيني، الاصطفاف إلى جانبه، ودعمه في مواجهة هذا التدخل، ولكن رصيده “محدودًا”، وحصوله على الدعم ربما يكون موضع شك.

المراقبون ذهبوا أيضًا إلى أن “عباس” لن يذهب بعيدًا المعارضة، ولن يعلن الانتفاضة، أو المقاومة المسلحة، أو خيارات أخرى تقلب الطاولة على رؤوس الجميع.