أحمد حسين
لم تخفِ أبراجها العالية رائحة الفساد الذي بدأ يزكم أنوف العالم، ولم تتمكن الصورة الذهنية عن مدينة دبي الإماراتية باعتبارها مركزا تجاريا وسياحيا عالميا، من تغيير واقع حولها إلى عاصمة للفساد.
أحدث إرهاصات هذه الصورة شكلها تقرير منظمة الشفافية الدولية التي قالت إن دبي “أصبحت مركزا عالميا نشطا لغسيل الأموال.. حيث يمكن للفاسدين وغيرهم من المجرمين أن يذهبوا لشراء عقارات فخمة دون قيود”.
جنة غسيل الأموال
وبحسب تقارير إعلامية، فقد وصفت المنظمة دبي بأنها “جنة غسيل الأموال”، وقال “دومينيك دودلي” المتخصص في الشؤون الاقتصادية بالشرق الأوسط لمجلة “فوربس” إن دبي التي بنت سمعتها على اعتبار أنها المركز التجاري البارز في الشرق الأوسط، مع اقتصاد مفتوح أمام الشركات والأفراد من جميع أنحاء العالم، اكتسبت سمعة سيئة كمكان يمكن فيه تجاهل القواعد الأساسية أو تجنبها بسهولة.
وقالت منظمة الشفافية إنه في معرض الاستشهاد بالتحقيقات التي أجراها، في العام الماضي، مشروع الجريمة المنظمة والإبلاغ عن الفساد ومركز الدراسات الدفاعية المتقدمة، فقد تبين أنه يمكن شراء العقارات التي تقدر قيمتها بملايين الدراهم في دبي مقابل الدفع نقدا مع طرح أسئلة قليلة.
(مركز دبي الدولي مرتعا للفساد)
ويضيف دودلي إنه وفي تقرير صدر في يونيو العام الماضي، قال مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة إنه حدد 44 عقارا بقيمة 28.2 مليون دولار تم امتلاكها بشكل مباشر من قبل أفراد عليهم عقوبات، و37 عقارا إضافيا بقيمة 80 مليون دولار تقريبا يملكها أشخاص ضمن شبكات أوسع لهؤلاء الأفراد.
واستندت المعلومات على قاعدة بيانات تم تسريبها من بيانات “الأملاك والإقامة” التي جمعها متخصصون في مجال العقارات.
“من الواضح أن هذه القضايا ليست جديدة، بل إن منظمة الشفافية الدولية نفسها قد سبق لها أن أعربت عن مخاوفها بشأن الممارسات المشكوك فيها التي تجري في سوق العقارات في دبي، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن السلطات مترددة في اتخاذ إجراءات حاسمة”، وفق “دودلي”.
مخدرات وإرهاب
التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية، يعيد إلى الأذهان ما كشفته قناة “ABC” الأمريكية قبل عام من الآن، عن الدور الذي تقوم به حكومة دبي، بتمويلها شركة دولية تقوم بعمليات غسيل الأموال على نطاق عالمي واسع واستنزفت مئات الملايين من أستراليا.
وقالت، في تقرير لها، إن شركة “وول ستريت للصرافة”، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال في الشرق الأوسط، ومكتبها الرئيسي في دبي، تعد مركزا رئيسيا لغسيل أموال عصابات المخدرات والجماعات الإرهابية.
وأشار “ديفيد ستيوارت” المفوض المساعد لوكالة “فرانس برس”، إلى إن 4 عمليات تقوم بها الشركة التي يديرها الباكستاني “ألطاف خناني” المسجون حاليا في ولاية فلوريدا الأمريكية، أجرت عمليات نقل أموال دولية؛ من خلال تبادل العملات.
(ألطاف خناني)
وتقوم شبكة “الخناني”، بحسب “ستيوارت”، بغسل ما بين 14 إلى 16 مليار دولار سنويا لمنظمات إجرامية في أنحاء العالم.
وفي أستراليا، كان يغسل أموال المخدرات لعصابات لون وولفز وكومانشيرو بيكي، فضلا عن شخصيات المافيا اللبنانية التي تعيش في غرب سيدني، كما كان ينقل المال نيابة عن الكارتيلات المكسيكية الكوكايين وجماعات الإرهاب، بما في ذلك “القاعدة”، ومنظمة إرهابية إجرامية يديرها “داود إبراهيم” ومقرها في الهند، بحسب التقرير.
ومنذ عام 2008، كان “خناني” يدير الشبكة من شركة “الزرعوني” للصرافة في دبي، وبعد أن تم ضبطه في بنما سبتمبر 2015 من قبل إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أسرته وشركائه، وأغلقت السلطات في دبي شركة “الزرعوني”.
وقالت صحيفة “فورد كورنر” الأسترالية إن حجما كبيرا من الأموال، التي كان “خناني” يتحرك بها في جميع أنحاء العالم، يجري تشغيلها من خلال شركة “وول ستريت للصرافة” التي تدار من دبي.
شهادات عالمية!
الحديث عن علاقة إمارة دبي بعمليات غسيل الأموال ليس وليد تلك المواقف السابقة، بل يضم هذا الملف العديد من المحطات بوقائع واتهامات طالتها.
ففي نوفمبر 2017، كشف النائب البريطاني اللورد “بيتر هين” أن دبي استُخدمت كوسيط لنقل أموال مشبوهة لعائلة ثرية مقربة من رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما.
وفي الشهر نفسه، كشفت تحقيقات استقصائية، ضلوع 13 شركة إماراتية في أكبر فضيحة لغسيل الأموال الروسية والتي عرفت إعلاميا باسم “المغسلة الروسية”.
وأشار التقرير الأخير الصادر عن الخارجية الأمريكية في مارس 2017، إلى تصنيف الإمارات العربية المتحدة من بين “البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال”، وشرح التقرير أن هذا التصنيف يطال أي بلد “مؤسساته المالية تنخرط في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات”، لتصبح البلد الخليجي الوحيد الذي دخل ضمن هذا التصنيف.
وأضاف التقرير: “يرتبط جزء من نشاط غسل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة على الأرجح بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا. ونقاط الضعف الأخرى لغسل الأموال في دولة الإمارات تشمل القطاع العقاري، وإساءة استخدام تجارة الذهب والماس الدولية”.
في نوفمبر 2016، حذر خبراء من أن الإمارات تواجه خطر إدراجها في القائمة السوداء للملاذات الضريبية، وسط مخاوف متزايدة حول استخدامها كقناة لتدفقات مالية غير قانونية، ونقلت تقارير إعلامية عن مسؤول في منظمة التعاون والتنمية إنه على الإمارات أن توقع على معاهدة لتيسير تبادل المعلومات عن المتهربين من الضرائب لأنها باتت “مصدر قلق”.
ويقول خبراء إن دبي ازدهرت في السنوات الأخيرة كملاذ ضريبي كبير، اذ يتم تسجيل الآلاف من الشركات في المناطق الحرة هناك والاستفادة من الإعفاءات الضريبية الكبيرة والتراخي في قواعد الإقامة ما يجعل من السهل عليها التهرب من التدقيق المالي الدولي.
وتحت عنوان “الجانب المظلم من دبي”، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية في 2010، تقريرًا عن عمليات غسيل الأموال في دبي، ويشرح التقرير أن “ريش كومار جين”، وهو المليونير الهندي الذي يشتبه في كونه أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، قُبض عليه في مدينة دلهي الهندية بعد دفعه كفالة في دبي، التي كانت مقر معظم إمبراطوريته الواسعة، واتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.
وكشفت برقية صادرة من السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية كابول عام 2009، سربها موقع ويكيليكس، ونشرتها العديد من المواقع ووسائل الإعلام العربية، تورط مساعدين للرئيس الأفغاني حينها “حامد كرزاي” ومسؤولين كبار من الحكومة الأفغانية في عمليات تهريب أموال من مطار كابول إلى إمارة دبي.
وفي 2016، كشف موقع “ذا كليفر”، قال إن الجنرال توكور يوسف بوراتاي، رئيس أركان الجيش النيجيري، كان يجري بعض المشتريات المثيرة للاهتمام داخل إمارة دبي باستخدام زوجتيه كواجهة.
اضف تعليقا