على عكس ما يشتهيه قادة دول الحصار، تعاظم الدور الإقليمي لدولة قطر، من خلال لعبها دور “الوسيط الموثوق”، لحل النزاعات وإنهاء الخلافات بين دول الإقليم، ويبدو أن هذا الدور سيشمل حتى الدول التي أرادت تحجيم الدوحة، ومحاصرة نفوذها.
ويتجلى ذلك من خلال الرغبة القطرية في حل الخلافات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي عبّرت عنها عقب المصالحة الخليجية، إضافة إلى ترحيب طهران بدور الدوحة في إنهاء الأزمة الحادة التي تعاني منها العلاقات الإيرانية العربية.
وشهد الدور القطري خلال السنوات الأخيرة تطورا لافتا، أهّلها لأن تكون لاعبا إقليميا رئيسيا، وعنصرا مهما لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة. وأظهرت الدوحة قدرة عالية على ملء الفراغات الناجمة عن الانقسام والصراع العربي – العربي.
وسطع نجم الدبلوماسية القطرية، في المفاوضات الأفغانية، إذ أسهمت بشكل بشكل فاعل في إحراز تقدم جوهري بالحوار بين طرفي النزاع، من خلال تهيئة المناخ الملائم واستضافة المفاوضات. وأقر وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” بأن الانخراط القطري بشكل بنّاء ساعد على تعزيز فرص نجاح وقف إطلاق النار بأفغانستان.
تركيا والخليج
بعد أيام من “قمة العلا”، التي استضافتها المملكة العربية السعودية، وشهدت إنهاء الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الرابع، أعلنت دولة قطر ترحيبها بجسر الهوة بين أنقرة وأي دولة خليجية.
وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن “تركيا حليف استراتيجي لدولة قطر، ولدى الدوحة معها مجالات متعددة في التعاون والتحالف فيما بينهما”.
وتعليقا على العلاقات ما بعد القمة الخليجية أشار بن عبدالرحمن إلى أنه “بالنسبة للعلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الأخرى، تكون طبقا للقرار السيادي للدولة والمصلحة الوطنية، ولا يتم خلطها في العلاقات داخل المجلس”.
ورأى خلال مقابلة مع “الجزيرة” أن “الخلافات بين تركيا وبعض الدول بالمجلس، قد تكون لأسباب ثنائية، ولا تعني دولة قطر بشكل مباشر”. وأكد الوزير: “إذا طلب من الدوحة الإسهام في جسر الهوة بين أنقرة وأي دولة بالمجلس، فإن قطر ترحب بذلك، وبهذا الدور في كافة الملفات”.
بدوره أعرب المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، مطلق القحطاني، استعداد بلاده “للوساطة بين تركيا والسعودية لحل التوتر القائم في علاقاتهما”.
وأضاف القحطاني: ”إذا رأت هاتان الدولتان (السعودية وتركيا) أن يكون لدولة قطر دور في هذه الوساطة، فمن الممكن القيام بذلك”.
وفي سياق متصل، عرضت أنقرة على دول الخليج تعزيز التعاون بعد اتفاق العلا، وقالت الخارجية التركية في بيان لها: “مع إعادة تأسيس الثقة بين الدول الخليجية. تركيا مستعدة لبذل الجهود من أجل الارتقاء بتعاوننا المؤسسي مع مجلس التعاون الخليجي الذي نحن شريك استراتيجي له”.
إيران والعرب
أما بشأن طهران، فقد أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية “علي ربيعي” أن العلاقات بين بلاده وقطر تسير باتجاه مقبول، معبرا عن أمله في “الوصول لأقصى درجات التعاون الثنائي”.
وأضاف “ربيعي” في حديث لوسائل إعلام إيرانية قائلا: “نرحب بدور الدوحة البناء في العلاقات بين إيران والدول العربية، وسنواصل التشاور معها في تلك المسألة”.
بدوره أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده” أن “الأولوية في السياسة الخارجية لطهران هي تعزيز التعاون مع دول المنطقة ودول الجوار”، مشيرا إلى أنه “دائما ما أرادت إيران الثبات والأمن للمنطقة وإقامة تعاون متعدد الجوانب بين دول منطقة الخليج”.
وتتهم دول خليجية، في مقدمتها السعودية، إيران، بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، وهو ما تنفيه طهران، وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
من جانبه، أعرب المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، مطلق القحطاني، خلال مشاركته في ندوة بعنوان “سياسة وتجربة دولة قطر في الوساطة وحل النزاعات”، نظمها معهد الدوحة للدراسات العليا، استعداد بلاده للعب دور في تقريب وجهات النظر بين إيران والدول العربية.
وتابع القحطاني: “قطر تمتلك مصادر دخل حيوية واستراتيجية، وتقع في منطقة حيوية وجيوسياسية واقتصادية مهمة، وفي نفس الوقت، تقع في منطقة ملتهبة وفي حالة من التوتر شبه دائمة، من بعض القوى الإقليمية، بالإضافة إلى أنها تقع بين دولتين جارتين توجد تحديات بينهما، السعودية وإيران، كل ذلك دفع الدوحة إلى تبني سياسة مستقلة محايدة تؤمن بالحوار والمساعي الحميدة والوساطة والمفاوضات والدبلوماسية الوقائية وتسوية المنازعات والأزمات بالطرق السلمية، فأصبح ذلك خيارا استراتيجيا لدولة قطر”.
وشدد المسؤول القطري على أنه “من مصلحة الجميع أن تكون هناك علاقات ودية بين هذه الدول الرئيسية”، مشيرا إلى أن “الدوحة لعبت دورا دبلوماسيا كبيرا بين الولايات المتحدة وتركيا لتهدئة التوترات التي حصلت بين البلدين”.
وتعليقا على ذلك، دعا رئيس وزراء قطر الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، إلى فتح حوار بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، قائلا إنها لا ينبغي عليها المراهنة على التوتر القائم بين واشنطن وطهران.
وقال بن جاسم: ”علينا ألا نتردد في فتح هذا الحوار، لأنه سيساعد في تسوية توترات كثيرة من حولنا. هناك وجهات نظر مختلفة بيننا وبين إيران حول قضايا عديدة، ولكن هذا يجب ألا يمنع من فتح حوار مع إيران فنحن نتعاون مع دول لا نتفق معها في أشياء كثيرة”، على حد قوله.
سبق وان قلت أثناء التصعيد الأميركي في فترة أدارة ترمب أن فتح حوار بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي قد يحقق نتائج مهمة. فمثل هذا الحوار قد ينهي التوتر في المنطقة ويعزز الثقة بين ضفتي الخليج.
— حمد بن جاسم بن جبر (@hamadjjalthani) January 9, 2021
إشادة دولية
ورأى الباحث “بشارة نصار شربل” أن قطر فرضت نفسها حَكَما وحلّالا لكثير من مشكلات المنطقة، وساعدها في ذلك تعقد المشهد الإقليمي، وما تملكه من إمكانات مالية كبيرة، توظف اليسير منها في خدمة صناعة صورة للإمارة تتجاوز حجمها الجغرافي والبشري، لتضحي لعباً على المسرح الدولي.
وتابع شربل: “الدوحة برهنت أنها لا تصاب بالإحراج من أي موضوع، وهي قادرة على ابتلاع الصدمات ومحاولة القفز إلى الواجهة من جديد. فالسنوات القليلة الماضية أكدت جرأتها وجسارتها”.
وشدد الباحث على أنه “لا أحد يستطيع نكران النشاط القطري لكسب موقع على الخريطة الدبلوماسية في الخليج والإقليم والعالم، فهو دور صار يتمتع بشهرة توازي شهرة دبي في الاقتصاد”.
ولفت “بشارة نصار شربل” إلى أنه “مع عودة العرب إلى حد أدنى من المصالحات يؤمل أن يبقى الدور القطري ناشطا في سبيل التوافقات، ومُحجما عما هو من طاقة الدول الإقليمية الأكبر التي يمكنها أن تضمن تفاهمات أكثر ديمومة تؤمن مصالح العالم العربي وأدوار الكبار والصغار”.
اضف تعليقا