ختمت السعودية، الجمعة 1 نوفمبر 2019، أعمال مؤتمر “دافوس الصحراء” للاستثمار، الذي سعى ولي العهد محمد بن سلمان من خلاله إلى ترميم صورته التي دُمرت بفعل الحرب المشتعلة في اليمن  وانتهاكاته بحق المواطنين بالمملكة ودوره في جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والتي وضعت السعودية في مأزق سياسي واقتصادي هو الأسوأ من نوعه، إلا أن المؤتمر حقق نتائج ضعيفة مقارنة بالعام الماضي بحسب التصريحات الرسمية في حفل الختام، مما يدل على فشل محاولات بن سلمان في تحقيق أية نجاحات ملموسة.

السمعة السيئة تطارد السعودية

قالت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية في تقرير سابق لها، إن “حكومة آل سعود أصبحت سلعة سامة بسياسة الولايات المتحدة، بعد مقتل خاشقجي وفي ظل انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان واعتقال مئات المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان”.

في هذا الصدد، يقول  عبد الرحمن العساف، المحلل الاقتصادي، إنه “رغم مشاركة عديد من الشركات ورجال الأعمال من حول العالم في النسخة الأخيرة من مؤتمر دافوس الصحراء، فإن كثيرًا من الشركات الكبرى العالمية ما تزال على موقفها بعدم القيام بأعمال في المملكة؛ خوفًا على سمعتها في ظل ما يثار عن سجل المملكة السيئ بمجال حقوق الإنسان”.

يلخص جمال جيون، المحلل الاقتصادي، المشهد السعودي، إذ يقول “يمكن القول إن المملكة تواجه عقبات سياسية واقتصادية ومالية كبيرة، وإنها لم تنجح حتى الآن في تخطي هذه العقبات رغم أنها تملك بيئة جاذبة لكل أنواع الاستثمار”، ويضيف، “ما يجعل المملكة غير قادرة على تخطي عقباتها هو سياساتها الخاطئة، فهي تخوض حربًا في اليمن، وأقحمت نفسها في توتر مع إيران، ولديها سجلٌّ حافل من انتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى قضية خاشقجي التي ما زال شبحها يطارد وليَّ العهد محمد بن سلمان، وعلاوة على كل ذلك مستنقع الفساد الذي تغرق فيه”.

ارتباك في ملف النفط

يشهد الاقتصاد السعودي وقطاع النفط هذا العام زيادة منسوب المخاطر الجيوسياسية، فهناك التوتر المتصاعد في منطقة الخليج على خلفية الخلاف الأميركي ــ الإيراني، والخلاف السعودي ــ الإيراني وتطورات حرب اليمن، كما أن هناك المخاطر النفطية المتصاعدة، فقد تعرضت منشآت نفطية سعودية لضربات متلاحقة من قبل جماعة الحوثي.

تعد أخطر هذه الهجمات تلك التي حدثت منتصف شهر سبتمبر الماضي، على منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة أرامكو النفطية، وهو ما أدى إلى تعطل نصف الإنتاج النفطي السعودي وما يعادل 6% من الإنتاج العالمي، كما أدى الهجوم إلى حدوث ارتباك في الأسواق العالمية وقفزة في أسعار النفط، لكن أخطر رسالة للهجوم هي تلك التي وصلت إلى المستثمرين الأجانب وتتعلق بضعف قدرة المملكة على حماية قطاعها النفطي من هجمات الحوثي رغم ترسانة الأسلحة التي تمتلكها وصفقات السلاح الضخمة التي تبرمها من حين لآخر.

يأتي دافوس 2019 أيضًا وسط ارتباك ملحوظ في ملف طرح حصة من أسهم أرامكو في الأسواق، والتأجيلات المستمرة لقرار الطرح وتخفيض المؤسسات العالمية القيمة السوقية لأسهم الشركة بقيمة نصف مليار دولار بسبب هجوم الحوثي الأخير.

استغلال المستثمرين المفلسين للحدث

أفاد تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، إن من بين الشركات التي حضرت المؤتمر مجموعة “سوفت بانك” اليابانية، التي تواجه متاعب مالية بسبب استثماراتها في شركة “وي روك” الأمريكية التي تقترب من الإفلاس، حيث ذكرت الوكالة أن مجموعة “سوفت بانك” ترغب في مقايضة العزلة التي تعيشها السعودية، مقابل الحصول على وعود استثمارية تتمكن لاحقًا من استغلالها في الحصول على قروض جديدة تُنقذها من أزمتها.

في هذا السياق، يؤكد جمال جبون، بأن “شركات تكنولوجية عالمية عمِلت على استغلال مؤتمر الصحراء للترويج لمنتجاتها، كما أن مسؤولين بالدول المشارِكة كانوا يستعرضون بيانات اقتصاديات بلادهم، وهو ما يعني أن المشاركين في هذا المؤتمر هم من استفادوا منه وليس المملكة، التي حصلت على صفقات ضئيلة”.

ويشير جبون إلى أن، “الجميع ما زالوا يفضّلون الاستثمار بقطاع النفط السعودي، لأنه مضمون، فالمملكة لم تنجح في تنويع اقتصادها، وفشلت في إقناع الشركات العالمية بالاستثمار في مشاريع غير نفطية”، وأضاف، “الشركات التي أبرمت الصفقات مع السعودية في المؤتمر، تواجه متاعب مالية كبيرة، وقد استغلت حاجة المملكة للخروج من عزلتها السياسية والاقتصادية، مقابل الحصول على عقود ستكون مكلِّفة لاقتصاد المملكة، وفي الوقت ذاته ستُنقذ هذه الشركات من متاعبها المالية التي تهدد بانهيارها”.

المؤتمر فشل اقتصاديًا

اعتبر مراقبون اقتصاديون أن مؤتمر “دافوس الصحراء” لم يحقق إلا “الفشل” و”خيبة الأمل” للمملكة التي تحاول أن تُخرج اقتصادها من مستنقع الأزمات الذي علقت به في السنوات الأخيرة بسبب حربها في اليمن، وعدم قدرتها على الخروج من ظلال عباءة اقتصاد النفط، علاوة على قضايا الفساد وواقعة قتل خاشقجي، ففي نهاية المؤتمر أعلِن عن 20 مليار دولار فقط من اتفاقيات الاستثمار، مقارنة بـ56 مليار دولار حققها المؤتمر في العام الماضي.

يضاف إلى التراجع في حجم الاتفاقيات، فإن معظم هذه الاستثمارات ذهبت إلى شركة أرامكو، وهو ما يعني فشل السعودية في خلق استثمارات غير نفطية، كما أن هذه الاستثمارات، بحسب خبراء، تقع تحت وصف “اتفاقيات الوعود”، إذ يمكن أن تتراجع الشركات العالمية عنها بسهولة إذا فشلت السعودية في إنقاذ اقتصادها المنهَك، وفي إنهاء تهديدات مليشيات الحوثيين باليمن لأراضيها ومنشآتها الحساسة، فتكرار استهداف شركة أرامكو أو غيرها من المنشآت الاقتصادية، كما حدث قبل أكثر من شهر، سيكون كفيلًا بهروب الاستثمارات من المملكة بلا عودة.

يشار إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” اعترض على سرقة السعودية اسمه في مؤتمر الاستثمار السعودي، والذي تلقبه الرياض بـ”دافوس الصحراء”، كما هدد منتدى “دافوس” في بيان سابق له باللجوء إلى القضاء واستخدام كل السبل القانونية لحماية اسمه من الاستخدام غير القانوني، وفي الأسبوع الماضي، وصفت صحيفة “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها، إصلاحات السعودية بأنها “ضحلة وسريعة الزوال”.