بعد سنوات من طمأنة المصريين من أن مياه مصر بخير وأن إثيوبيا دولة شقيقة وأن لا أحد يستطيع أن يحرم مصر من مياهها التي وهبها الله، يفاجئ الرئيس السيسي المصريين بوصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى طريق مسدود، فمن يدفع غرامة الخطوة التاريخية الأخطر في حياة مصر المائية والتي تهددها بالجفاف وخسارة نسبة كبيرة من حصتها في مياة النيل، فضلًا عن سياسات تضليل وخداع المصريين التي اعتمدها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ وصوله للحكم في 2014.
طريق مسدود من الجانبين
أعلنت وزارة الموارد المائية المصرية -عقب اجتماع لوزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم- أن مفاوضات سد النهضة وصلت لطريق مسدود نتيجة تشدد الجانب الإثيوبي، يوم السبت، في الخامس من أكتوبر 2019، كما طالبت بتدخل وسيط دولي في المفاوضات، وذلك بعد ما اعتبرت إثيوبيا أن مصر تسعى للحفاظ على سيطرتها على مياه النيل باقتراح تقول إنه سيهدد سد محطة طاقة مائية عملاقة قيد الإنشاء على النيل الأزرق، حيث قالت وزارة الخارجية الإثيوبية في مذكرة بتاريخ الأول من أكتوبر تم توزيعها على السفارات إن “اقتراح مصر محاولة للحفاظ على نظام أعلنته ذاتيا لتوزيع المياه يرجع للحقبة الاستعمارية واستخدام حق النقض ضد أي مشروع في نظام النيل”.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في وقت لاحق، على حسابه بموقع تويتر “أؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق وسيظل النيل الخالد يجري بقوة رابطاً الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا”.
رفضت إثيوبيا اقتراح حكومة مصر على الفور بدعوة طرف ثالث في المناقشات الخاصة بسد النهضة، وأكدت خارجيتها في بيان التمسك بمبادئ الاستخدام المنصف والمعقول لمياه السد، وعدم التسبب في أي ضرر كبير لأي دولة مشاطئة أخرى في استخدام مياه النيل، إذ نص البيان الإثيوبي على أن “الحكومة ستواصل اتباع نهج لا يؤدي إلى الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه”، وأضاف “ستعزز إثيوبيا جهودها لتحقيق تنمية مواردها المائية لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية لشعبها الذي يستحق التنمية ومستوى معيشة لائق”.
مفاوضات السيسي
وقعت قادة الدول الثلاث، إثيوبيا ومصر والسودان، يوم 23 مارس 2015 وثيقة مبادئ بشأن سد النهضة، عقب جهود دبلوماسية رفيعة المستوى لتخطي نقاط الخلاف، حيث تعترف مصر بموجب الوثيقة بحق إثيوبيا في بناء السد مقابل تعهدات الأخيرة بمشاركة القاهرة في إدارته.
تتعلق النقاط الخلافية بقواعد تشغيل السد وتصريف المياه وكيفية التعامل مع سنوات الجفاف، إذ رفضت إثيوبيا الشهر الماضي اقتراحا لمصر بشأن تشغيل السد، كما لم تذكر أديس أبابا حجم تدفق المياه الذي تريده بينما تصر مصر على أن يتدفق إليها ما لا يقل عن أربعين مليار متر مكعب من مياه السد سنويًا، إلا أن الخلاف الأساسي يحتدم حول مدة ملء بحيرة السد، فبينما تريد إثيوبيا ملء البحيرة خلال فترة من أربع إلى سبع سنوات ترى مصر أن هذه الفترة قليلة وأنها ستحد من تدفق المياه إليها.
تعد مصر الخاسر الأكبر، حيث تخشى من تأثير السد على منسوب نهر النيل الذي تعتمد عليه بنسبة تتجاوز 95% لتأمين حاجاتها المائية، إذ تستند مصر إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحانها 87% من مياه النيل وهو ما يقدر بـ 55 مليار متر مكعب سنويا، وبموجب هاتين الاتفاقيتين أيضا تمتلك مصر حقّ الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع، إلا أن إثيوبيا ترفض الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه.
“السيسي_ضيع_مية_النيل” يتصدر تويتر
من خلال وسم “السيسي_ضيع_مية_النيل” الذي تصدر قائمة الأعلى تداولًا ” عبر النشطاء عن غضبهم، محملين الرئيس المصري المسؤولية الكاملة لما آلت إليه المفاوضات، إذ كتب علي جمال عيسى، “مراحل الضحك علي الشعب”، هي، “مبروك اطمنوا مش هيحصل حاجة” ،ثم، “قول والله والله لن اقوم باي ضرر لمصر”، إلى أن نصل “مفاوضات سد النهضة وصلت لطريق مسدود”.
وكتب أحمد سمير في ذات الوسم، للتاريخ، “السيسي ضيع مية النيل وساعده في تمرير كذبه وخيانته سياسيين وإعلاميين ومشايخ وقساوسة وفنانين وكلهم مجرمين” وأضاف “يوم الحساب افتكروا كويس كل اللي شارك في جريمة التفريط في مياه النيل خصوصا إعلام باع ضميره وصور للناس تصرفات حاكم خاين على إنها إنجازات عظيمة وإنه زعيم وبيفهم”.
وقالت نور هانم، “سنوات عجاف تنتظر شعب مصر، حصة مصر السنوية من مياه النيل 55 مليار متر مكعب وهي لا تكفي المصريين الذين يحتاجون 89 مليار، ومنذ اعلنت اثيوبيا استعدادات ملء سد النهضة نقصت حصة مصر 5 مليارات
فتحولت الازمة إلى معضلة ستتحول إلى جفاف زراعي مع نهاية العام الحالي”
التنصل من المسئولية
دأبت أصوات سياسية وعسكرية داخل مصر تُروّج لحتمية الحل العسكري وتدمير السد الإثيوبي “إذا لم يتم احترام المطالب المِصرية”، في ظل زيادة عدد سكان مصر وتجاوزهم حاجز الـ100 مليون نسمة، ما يستدعي زيادة حصتها المائية لا تقليصها.
وقبل الوصول إلى المرحلة الراهنة دأبت الأذرع الإعلامية المحسوبة على نظام السيسي على اتهام جماعة الإخوان والرئيس الراحل محمد مرسي بالتقاعس في قضية سد النهضة، إلا أن الأخير أبدى موقفاً حازماً على الهواء مباشرة، وذلك قبل شهر واحد من عزله، حيث قال مرسي علناً وبدون أي مواربة: “إن نقصت مياه النيل قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل”، ليرد عليه السيسي عندما كان وزيراً للدفاع بأن “الحل العسكري مستبعد في قضية سد النهضة”.
وعاد السيسي، منتصف سبتمبر 2019، للحديث حول القضية لكنه اتهم هذه المرة “ثورة يناير 2011” بأنها هي من “تسببت في بناء سدود على نهر النيل”، في إشارة إلى “سد النهضة”، في محاولة للتنصل من مسؤوليته على مدار السنوات الست الماضية.
التشديد الإعلامي والبرلماني
أفادت مصادر برلمانية مصرية بأن رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب، طارق رضوان، تلقى تعنيفًا لفظيًا من رئيس المجلس علي عبد العال، يوم الاثنين الماضي، على خلفية إصدار اللجنة بيانًا إزاء التطورات الأخيرة في ملف سدّ النهضة، ردًا على إعلان وزارة الموارد المائية والري فشل مفاوضات السدّ، ووصولها إلى “طريق مسدود” بسبب ما اعتبرته “تشدداً من الجانب الإثيوبي”.
نبه عبد العال- بحسب المصادر- رضوان إلى عدم التحدث عن أزمة سدّ النهضة مجددًا، أو الدعوة إلى اجتماعات من شأنها التطرق إلى الأزمة، وكذلك عدم مناقشة اللجنة أية طلبات إحاطة أو بيانات عاجلة تُقدم من النواب حولها، مبينة أن تعليمات رئيس البرلمان تخالف بوضوح اللائحة المنظمة، لما يمثله الموضوع من اختصاص أصيل للجنة.
أشارت المصادر إلى نقل الأمين العام للبرلمان، محمود فوزي، تعليمات شفهية من عبد العال إلى جميع النواب، بعدم التحدث عن أزمة سدّ النهضة تحت قبة البرلمان أو في وسائل الإعلام خلال المرحلة الراهنة، بدعوى خطورة التطرق إلى هذا الملف على الأمن القومي للبلاد، خصوصًا مع التوظيف السياسي لفشل المفاوضات من جانب المعارضة، وتحميلها الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية الفشل.
في غضون ذلك، أصدرت الدائرة الاستخباراتية المسيطرة على وسائل الإعلام الموالية في مصر، تعليمات بحذف بيان لجنة الشؤون الأفريقية حول سدّ النهضة، بعد نشره على عدد من المواقع الإلكترونية، مساء الأحد، الذي أعربت فيه عن أسفها الممزوج بحالة من الغضب، بسبب ما آلت إليه الأمور جراء “التعنّت الواضح” من الجانب الإثيوبي، ووصول المفاوضات إلى “طريق مسدود”، حيث سجلت اللجنة، في بيانها، استغرابها الشديد من الإصرار الإثيوبي على مقابلة مرونة المفاوض المصري بتشدد ملحوظ، ورفض استباقي لكل المقترحات التي توازن بين مصالح مصر المائية، وحقوقها، وأمنها القومي، وبين الحقوق المشروعة في التنمية والازدهار لإثيوبيا.
اضف تعليقا