قد نستيقظ يوماً ونجد أن المفتش العام للشرطة الإماراتية أحمد ناصر الريسي هو رئيس منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، كونه هو المرشح الوحيد -المعروف- لرئاستها حالياً. الكارثة، ليصبح رئيس واحدة من أكبر المنظمات المكلفة بالتحقيق في الجرائم الدولية الخطيرة، شخص متهم بارتكاب جرائم حرب والتستر عليها.

اللواء الريسي متهم بالتستر على جرائم تعذيب تعرض لها الكثيرون في الإمارات، حصلت Mediacités على شهادة أحد المدعين، وهو بريطاني الأصل، أكد أنه تعرض للتعذيب واللواء الريسي تجاهل فتح تحقيقات في تلك الممارسات الوحشية.

بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول الماضي، استلم الأمين العام للانتربول يورغن شتوك في المقر العالمي للمنظمة -ليون-، وكذلك جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لوكالة الشرطة، رسالة تحذيرية مطولة من المحامي الإنجليزي رودني ديكسون، حذرهم فيها من أن تقع المنظمة في هذا الخطأ، مشيراً أن “أي منظمة مكلفة بالتحقيق في الجرائم يجب أن تعمل وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان”، وتابع أنه “من الضروري لنجاح الإنتربول أن تكون قيادتها فوق مستوى الشبهات”، مؤكداً أن “تعيين شخص مثل الريسي كرئيس للإنتربول، والذي يُزعم أنه فشل في التحقيق في جرائم خطيرة كالتعذيب، قد يقوض مصداقية الإنتربول بالكامل”.

وجاء في الرسالة التي أرسلها رودني ديكسون “السيد الريسي، أحد أبرز جنرالات الشرطة الإماراتية، والذي يتنافس حالياً منصب الرئيس المقبل للانتربول، وفقًا لتقاريرنا وتقارير الصحافة البريطانية صاحب فرصة عالية للفوز كونه الوحيد الذي يُرشح علنًا للمنصب، خاصة وأن الدولة التي يمثلها -الإمارات- قامت خلال السنوات الأخيرة بتوسيع نفوذها داخل المنظمة، وعلى الرغم من أنه شخصياً صاحب سيرة ذاتية ملوثة بالعديد من الانتهاكات”.

تعذيب وحبس انفرادي

رودني ديكسون هو الممثل القانوني للمواطنين البريطانيين ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد، واللذين يتهمان الشرطة الإماراتية بتعريضهما لأعمال تعذيب وحشية في عامي 2018 و2019 خلال إقامتهما هناك، مضيفين أن التعذيب تم بدعم من المملكة العربية السعودية.

وبحسب شهاداتهم، فإن اللواء أحمد ناصر الريسي، المفتش العام بوزارة الداخلية الإماراتية والمدير السابق للعمليات المركزية لشرطة أبو ظبي (من 2005 إلى 2015)، يُعد مسؤولاً عما حدث لهما لتجاهله فتح تحقيقات في مزاعم التعذيب هذه.

قال ماثيو هيدجز، معتقل سابق في الإمارات وظل قيد الحبس الانفرادي لشهور، في مقابلة أجراها مع “ميدياسيتيس”: “إنه يتقاسم المسؤولية مع من قاموا بتعذيبي في مركز شرطة أبو ظبي”.

أحمد ناصر الريسي، أحد الشخصيات البارزة في شرطة أبو ظبي، عمل في اللجنة التنفيذية للإنتربول لمدة عامين، وهو يسعى الآن لخلافة الكوري الجنوبي كيم جونغ يانغ، رئيس منظمة الشرطة العالمية منذ عام 2018.

إن الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة، المجتمعة في الجمعية العامة، هي التي تنتخب رئيس الإنتربول، ومع ذلك، يشرف على توجهات الوكالة ويلعب دورًا رئيسياً في اختيار الرئيس، الرئيس اليومي لجهاز الشرطة، الذي يقع مكتبه في الطابق العلوي من مقر Cité internationale ، المجاور لمتنزه Tête d ‘park في ليون.

كان من المقرر اجراء الاقتراع الشهر المقبل، إلا أنه تم تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب فيروس كورونا، لكن ومع اختيار الإمارات لعقد الدورة التاسعة والثمانين للجمعية العامة، فإن التوقعات بفوز الريسي في ازدياد.

لم يخوض أي ضابط شرطة آخر علانية انتخابات الاقتراع السري التي انتُقدت لكونها غامضة، حيث انتقد الأمر برونو مين، المدير القانوني للمنظمة الإنجليزية Fair Trials International قائلاً “تفتقر العملية برمتها إلى الشفافية”

فساد مالي وإداري

بحسب صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، فإن الاتهامات الموجهة ضد الجنرال الإماراتي، أحمد الريسي، من قبل ضحايا التعذيب البريطانيين، تسلط الأضواء مرة أخرى على الفساد المتفشي في إدارة الانتربول.

بعد اختطافه في عام 2018، حُكم على رئيس المنظمة السابق، منغ هونغوي، في الصين في يناير/كانون الثاني 2020 بالسجن لمدة ثلاثة عشر عامًا بتهمة الفساد -دون نشر مزيد من التفاصيل.

وبعد أشهر قليلة من اختفائه، قدمت روسيا مرشحًا لرئاسة الإنتربول، ورغم إخفاقه في تولي منصب الرئيس، إلا أن فكرة أن روسيا تقدم على مثل هذه الخطوة خلقت مخاوف جدية على الصعيد الدولي: لسنوات، اتُهم الكرملين باستغلال نظام النشرة الحمراء الخاص بالإنتربول من أجل تعقب خصومه السياسيين، على الرغم من أن دستور الإنتربول يحظر “أي نشاط أو تدخل في مسائل أو مسائل ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عرقي”.

لذلك، فإن ترشح اللواء الريسي يزيد من ثقل الدول الاستبدادية، مثل الإمارات العربية المتحدة، داخل جهاز بوليسي لطالما كان ضعيفاً بسبب الميزانية الهزيلة الموضوعة له.

في عام 2016، أصبح نظام أبو ظبي أحد المساهمين الرئيسيين في الإنتربول من خلال التبرع بمبلغ 50 مليون يورو من خلال كيان “غامض”: “مؤسسة الإنتربول من أجل عالم أكثر أمانًا”.

متحدث باسم الإنتربول أكد لـ Mediacités: “أن ستقلال وحياد الإنتربول مضمونان بصورة واضحة في كل اتفاقية موقعة من قبل المنظمة”، يبقى السؤال: هل يلقي هذا “الاستقلال” و “الحياد” بغطاء متواضع على الاتهامات ضد المرشح الإماراتي؟

قصص تعذيب تم تجاهلها

كان ماثيو هيدجز يبلغ من العمر 31 عامًا عندما أوقفه ضباط الأمن في الإمارات العربية المتحدة في 5 مايو/أيار 2018 في مطار دبي.

هيدجز، طالب دكتوراه في جامعة دورهام البريطانية، والذي كان يكمل أطروحة حول تأثير الربيع العربي على السياسة الأمنية للنظام الإماراتي -سبب اعتقاله- وبحسب أقواله، فقد تم نقله إلى العاصمة الاتحادية أبوظبي، حيث تم سجنه في الطابق الثاني من إدارة التحقيقات الجنائية، واتهم بتقديم معلومات سرية إلى MI6 ، جهاز المخابرات الأجنبية في المملكة المتحدة، وهي اتهامات لا زال ينفيها بشدة.

وبحسب شهادته، فقد وُضع بعد ذلك في الحبس الانفرادي وتعرض للتعذيب النفسي لأشهر على أيدي الشرطة الإماراتية ورجال المخابرات، في بعض الأحيان كان يتم استجوابه بشكل عشوائي لمدة تصل إلى خمس عشرة ساعة في اليوم، صباحاً أو مساءً.

لقد تم تهديده بمهاجمة عائلته، كما كان يتم تخديره وإعطائه جرعات عالية من المواد الأفيونية والمؤثرات العقلية لجعله يشعر بأعراض الانسحاب.

وأثناء هذه الاستجوابات، على حد قوله، كان يسمع صرخات عنيفة من معتقلين قادمة من زنازين أخرى.

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حكمت محكمة أبو ظبي الفيدرالية على ماثيو هيدجز بالسجن مدى الحياة بتهمة “التجسس”، بعد محاكمة هزلية للغاية لم تكمل خمس دقائق، حضر فيها هيدجز بدون محام.

وبسبب هذه القضية، نشبت أزمة دبلوماسية بين المملكة المتحدة والإمارات، على الرغم من كونهما حلفاء تاريخيتين، وبعد أربعة أيام، وبعد ضغط دولي شديد وعدم وجود أدلة مادية سوى اعترافه هيدجز تحت الضغط، أصدرت السلطات الإماراتية عفوها عنه.

عند عودته إلى الأراضي البريطانية، تم تشخيص حالته بأنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وبعد مرور عامين تقريبًا، لا يزال يخضع للعلاج الطبي، ومع ذلك، لم يتراجع ماثيو هيدجز عن معركته القانونية مع السلطات الإماراتية.

في تموز / يوليو 2019، تقدم هيدجز بشكوى لدى الأمم المتحدة لتعرضه للاعتقال التعسفي في الإمارات العربية المتحدة، ومع ورود أخبار عن ترشح الريسي لرئآسة الانتربول، ناشد هيدجز الأمين العام للانتربول يورغن شتوك، لإيقاف هذه المهزلة، لكن دون رد حتى الآن.

قصة ماثيو هيدجز ، وكذلك قصة علي عيسى أحمد، مشجع كرة القدم الإنجليزية البالغ من العمر 27 عامًا، والذي تم سجنه وتعذيبه في عام 2019 في الإمارات العربية المتحدة لارتدائه قميص نادي قطري، وفقًا لشهادته حول ما تعرض له.

في 20 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد نشر العديد من المقالات في الصحافة البريطانية، نظمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم جلسة خاصة حول تأثير الأنظمة الاستبدادية داخل الإنتربول، مع التركيز بشكل خاص على المكان هيمنة دولة الإمارات العربية المتحدة وقضية اللواء الرئيسي.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا