في فضيحة مدوية تكشف عمق الفساد داخل النظام المصري، أدانت محكمة أمريكية السيناتور الديمقراطي السابق عن ولاية نيوجيرسي، بوب مينينديز، وحكمت عليه بالسجن لمدة 11 عامًا بعد ثبوت تورطه في قضايا رشوة وفساد مرتبطة بالحكومة المصرية. تورط مينينديز في تسهيل مصالح النظام المصري، مستخدمًا منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، مقابل الحصول على أموال نقدية وسبائك ذهبية وسيارات فاخرة من رجال أعمال مصريين أمريكيين على صلة وثيقة بنظام السيسي.

هذه القضية لا تعكس فقط فساد السيناتور الأمريكي، بل تسلط الضوء على الآليات القذرة التي يستخدمها النظام المصري لتحسين صورته في الخارج، حيث يعتمد على شبكات المصالح والرشى بدلاً من المسارات الدبلوماسية والقانونية المشروعة. إنها فضيحة تكشف كيف يدير النظام المصري سياسته الخارجية بنفس الطريقة التي يحكم بها شعبه.

تفاصيل الفضيحة: كيف استغل مينينديز منصبه لصالح النظام المصري؟

كشفت التحقيقات أن مينينديز استغل منصبه ونفوذه السياسي في مجلس الشيوخ الأمريكي لمساعدة الحكومة المصرية في عدة مجالات حساسة، مقابل الحصول على رشاوى ضخمة من رجال أعمال يعملون لصالح القاهرة. وتضمنت جرائمه:

  1. الضغط لتمرير مساعدات عسكرية لمصر

كان السيناتور المتورط جزءًا من الجهود الرامية إلى إلغاء القيود المفروضة على 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وهي أموال تم تجميدها بسبب سجل القاهرة الأسود في انتهاكات حقوق الإنسان. لكن مينينديز استخدم نفوذه داخل الكونغرس الأمريكي للتأثير على زملائه في محاولة لإقناعهم بضرورة الإفراج عن هذه المساعدات لصالح النظام المصري، رغم استمرار تفشي الاعتقال السياسي والتعذيب والاختفاء القسري في مصر.

  1. تقديم معلومات حساسة للمسؤولين المصريين

كشفت المحاكمة أن السيناتور السابق قدم معلومات غير علنية وحساسة لمسؤولين مصريين، وهو ما اعتُبر خيانة للأمن القومي الأمريكي. لم تكن هذه المعلومات مجرد تقارير عادية، بل تضمنت تفاصيل حول الأوضاع السياسية في واشنطن، وتحليلات عن توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر، ليسعى النظام المصري لتقليص الأثر السلبي لتلك التوجهات عبر المزيد من الرشى والعلاقات غير المشروعة.

  1. علاقة مشبوهة برجال أعمال مصريين

لعب رجال أعمال مصريون أمريكيون على صلة مباشرة بالنظام المصري، دورًا رئيسيًا في تمرير الرشاوى إلى مينينديز وزوجته. ومن بين هؤلاء رجل الأعمال المصري وائل حنا، المقيم في نيوجيرسي، والذي حصل على عقود احتكارية لإمداد مصر باللحوم الحلال، رغم عدم امتلاكه أي ميزة تنافسية في هذا المجال، بفضل تدخّل مينينديز لمصلحته لدى السلطات الأمريكية.

شبكة رجال الأعمال الفاسدين في خدمة النظام

قضية مينينديز ليست سوى جزء من الصورة الكبرى لفساد النظام المصري، الذي يعتمد على شبكة من رجال الأعمال الفاسدين الذين يعملون كواجهة لمصالح النظام. هؤلاء لا يمثلون سوى حفنة من المجرمين الذين يديرون أنشطة تجارية غير شرعية، ولولا أن منظومة العدالة في مصر مسيسة ومعطلة، لكان مكانهم الطبيعي في السجون، كما حدث مع شركائهم في الولايات المتحدة.

أبرز مظاهر الفساد التجاري المتصل بالنظام المصري:

  • احتكار الصفقات الحكومية لصالح رجال أعمال مقربين من النظام، كما حدث في قضية وائل حنا الذي حصل على عقود ضخمة فقط بسبب ولائه للنظام.
  • استغلال موارد الدولة لتمويل حملات دعائية لتجميل صورة النظام في الخارج، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري من أزمة اقتصادية خانقة.
  • تمرير رشاوى ضخمة إلى مسؤولين أجانب لضمان دعم دولي للنظام، بدلًا من إصلاح سياساته الداخلية وتحسين سمعته عبر إجراءات شفافة.

لماذا يلجأ النظام المصري للرشاوى بدلًا من الدبلوماسية؟

على مدار العقد الأخير، فشل النظام المصري في بناء علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل والقانون الدولي، بسبب سجله المروع في حقوق الإنسان وانعدام أي مسار إصلاحي حقيقي. وبدلًا من استخدام الدبلوماسية المشروعة، لجأ النظام إلى الطرق الملتوية التي تعتمد على شراء الذمم والتأثير عبر المال، كما كشفت قضية مينينديز.

أبرز ممارسات النظام المصري على الساحة الدولية:

  1. استخدام رجال أعمال كقنوات للرشاوى والتأثير، بدلًا من خلق علاقات دبلوماسية قائمة على المصالح المشروعة.
  2. إخفاء الحقائق عن المجتمع الدولي وتزييف الواقع عبر شبكات من الإعلاميين المدفوعي الأجر، الذين يعملون على تبييض سجل النظام في الخارج.
  3. التلاعب باللوبيات السياسية في واشنطن وأوروبا لضمان استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لمصر، رغم الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.

القضاء المصري: أداة سياسية لحماية الفاسدين

في الوقت الذي يدان فيه رجال الأعمال المرتبطون بالنظام المصري في الولايات المتحدة، يتمتع شركاؤهم في القاهرة بحماية مطلقة من المحاسبة. فالقضاء المصري لم يعد سلطة مستقلة، بل تحول إلى أداة تستخدمها الدولة لتصفية معارضيها، بينما توفر الحماية القانونية لحلفائها من الفاسدين.

تكشف قضية مينينديز حجم الانحطاط الذي وصل إليه النظام المصري، حيث أصبح شراء الذمم والرشاوى جزءًا أساسيًا من سياساته الخارجية. مصر اليوم ليست دولة تسعى لتحسين أوضاعها من خلال إصلاحات سياسية أو اقتصادية، بل عبر شبكة فساد عابرة للحدود، تمتد من القاهرة إلى نيوجيرسي.

إن النظام المصري لا يتعامل مع المجتمع الدولي بشكل مختلف عن تعامله مع شعبه، فهو يعتمد على:

  1. القمع لكتم أي صوت معارض.
  2. الكذب والتضليل لإخفاء الحقائق.
  3. الاحتيال السياسي عبر شراء النفوذ والتأثير من خلال الرشاوى.

لكن هذه الاستراتيجية فشلت في نهاية المطاف، فقد أظهرت محاكمة مينينديز أن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها للأبد، وأن شبكة الفساد المصرية يمكن أن تُكشف حتى داخل أروقة السلطة الأمريكية. السؤال الأهم الآن: كم من سيناتور آخر يعمل لصالح النظام المصري ولم يُكشف بعد؟