العدسة – معتز أشرف 

أزمة جديدة في الكويت بعد اعتراف السفارة الفلبينية بانتهاك سيادة البلد الخليجي الأكثر شهرة بالخلافات مع العمالة الفلبنية، بعد نقل قوات خاصة خادمات فلبينات تعرضن لمخاطر، وهي أزمة لها خلفيات قديمة تصدرها انتقاد الحقوقيين للظروف التي تتعرض لها الخادمات الفلبينات في الكويت التي صعدت لهجتها وقرارتها ضد مانيلا، ليتساءل البعض عن المطلوب من الأخيرة أن تقبل باغتصاب بناتها وانتهاكات الكفيل؟!

طرد وتصعيد!

بعد تراشق طالبت الكويت السفير الفلبيني بمغادرة أراضيها في مدة أقصاها أسبوع واستدعت سفيرها من مانيلا للتشاور، في خطوة تصعيدية وسط خلاف بين الدولتين حول قيام أفراد قيل إنهم يتبعون السفارة الفلبينية في الكويت “بتهريب” خادمات فلبينيات في الكويت، وهو ما اعتبرته السلطات الكويتية اعتداء على سيادتها، في أعقاب آخر تصعيد تم بعد دعوة الفلبين عاملاتها في الكويت في فبراير الماضي إلى العودة لبلادهن بعد العثور على جثة خادمة في جهاز تجميد في منزل مهجور.

وزارة الخارجية الكويتية أكدت من جانبها أن ما أقدمت عليه السفارة الفلبينية “يعد انتهاكا صارخا ومخالفة جسيمة لضوابط وقواعد العمل الدبلوماسي”، وذلك بعد أن نقلت جريدة الجريدة الكويتية عن السفير الفلبيني في البلاد ريناتو أوفيلا إقراره بوجود فريق فلبيني يقوم بعمليات “إنقاذ” للخادمات الفلبينيات في الكويت منذ أكثر من شهر، حيث قال السفير طبقا لما أوردته الجريدة إن تدخل الفريق الذي يتكون من سبعة أشخاص يحدث عند “الحالات الطارئة التي لا يمكنها انتظار مخاطبة وزارتي الداخلية والخارجية الكويتيتين لتدخلهما”، لكن السفير عقد مؤتمرا صحفيا الثلاثاء مقدما فيه اعتذاره للكويت ، وهو ما رفضته الخارجية الكويتية، حيث جددت استنكارها لما حدث وأعلنت قرارها بالطرد، بعد انتهاء مهلة ثلاث أيام على طلبها بتزويدها بأسماء الأشخاص “الذين ارتكبوا جرم خطف العاملات الفلبينيات ” دون أن تستجيب السفارة لذلك، وفي المقابل رفضت وزارة الشؤون الخارجية الفلبينية ما حدث، مؤكدة أن الإجراء الذي اتخذته الحكومة الكويتية “مقلق للغاية” ولا يتسق مع التأكيدات التي قدمها السفير الكويتي في وقت سابق، وقالت: “دائمًا في مناقشات على جميع المستويات مع الكويت أنّ مصلحة المواطنين الفلبينيين أينما كانوا ستكون دومًا لها الأولوية القصوى”.

وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرته وزارة الخارجية الفلبينية الأسبوع الفائت، امرأة تفر من منزل قبل أن تستقل سيارة كانت بانتظارها، يعتقد أنها تابعة للسفارة الفلبينية.

 مرارة الاستعباد

استعباد هو التي تتحدث عنه الفلبين والمنظمات الحقوقية بحق الخادمات، حيث تقول السلطات الفلبينية إن 252 ألفًا من رعاياها يعملون في الكويت، معظمهم في العمالة المنزلية. كما يعمل أكثر من مليوني فلبيني في منطقة الشرق الأوسط، كما تحدث الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي عن تعرض العمال الفلبينيين للاستغلال في بلدان خليجية، وتوعد بفرض حظر على عملهم في المنطقة. واتهم أرباب عمل باغتصاب عاملات فلبينيات وإجبارهن على العمل 21 ساعة في اليوم وإطعامهن الفتات، ووسعت الفلبين بعدها الحظر الذي تفرضه على عمل مواطنيها في الكويت، إذ أعلنت فرض “حظر تام” على سفر عمال بلادها إلى الكويت، يشمل الذين حصلوا على تصاريح عمل والذين لم يغادروا بعد إلى الكويت، علمًا أن الحظر السابق كان يمنع الفلبينيين من التقدم للحصول على تصريح للعمل في الكويت، ومنذ ذلك الحين، يحاول البلدان التوصل إلى اتفاق لحماية حقوق العمال الفلبينيين في الكويت، ولا سيما نحو 170 ألف خادمة.

وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش وجماعات أخرى إساءة معاملة واسعة النطاق للخادمات المغتربات والعمال الأجانب الآخرين القادمين من الدول النامية في العديد من دول الشرق الأوسط بما في ذلك تعرضهم للاعتداء الجنسي ومصادرة جوازات سفرهم، وخاصة في الكويت.

وفي فبراير الماضي قالت المنظمة الدولية في بيان بعنوان “على الكويت والفلبين حماية العمالة الوافدة الفلبينية”، وقالت روثنا بيغم، باحثة حقوق المرأة في الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “على الكويت مواجهة الاحتجاج على وفاة العاملات المنزليات وضربهن واغتصابهن عبر خطوات فورية لإصلاح نظام الكفالة، الذي يضع العاملات تحت رحمة أصحاب العمل المسيئين؛ حيث يربط نظام الكفالة الكويتي تأشيرات العاملات والعمال الوافدين بأصحاب عملهم، ويمنع العاملات والعمال من مغادرة وظائفهم أو تغييرها دون موافقة أصحاب العمل.

 ووثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات مماثلة واسعة بحق عاملات منازل وافدات في الكويت ودول أخرى في الشرق الأوسط، حيث يصادر أصحاب العمل جوازات سفر عاملات المنازل، ويجبرونهن على العمل لفترات طويلة جدًا دون راحة أو عطلة أسبوعية، ويحبسوهن داخل بيوتهم، كما يُسِئن إليهن لفظيًا، وفي حالات يُعتدى عليهن جسديًا وجنسيًا، كما تفيد التقارير بوجود حالات انتحار ووفيات عاملات منازل سنويًا في الكويت.

وفي شهادات موثقة تلفزيونيًا مع نحو 73 من الفلبينيات، قالت الفلبينية أيرلين بابلونا: إنها عملت خادمة في الكويت لمدة 9 أشهر فقط ولم تتحمل أكثر من ذلك، مضيفة: أن «صاحب العمل اعتاد أن يضربني ويخبط رأسي في الحائط»، فيما قالت أخرى: «كانوا يعاملونني كما لو كنت حيوانًا، وكانوا يرمون لي الطعام، ولم يكونوا حتى ينادوني باسمي»، أما فاطيما أنوك فقالت: عملت لمدة 5 سنوات في الكويت، وكانت النتيجة أنهم أدخلوني السجن لمدة سنتين بتهمة السرقة منهم.

 أزمة مؤجلة

ترحيل الأزمات قد يكون سببًا رئيسًا في هذه المشكلة الدبلوماسية الكبيرة، بحسب مراقبين، فمنذ مطلع العام وتصاعدت قضية العمالة الفلبينية في الكويت، وشهدت تطورات متلاحقة، كما فرضت تحركات دبلوماسية غير مسبوقة في هذا الشأن، إثر إعلان السلطات في مانيلا «تعليق إرسال رعاياها للعمل في الكويت»، وكان صادمًا للجميع تصريح واضح من الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي الذي حمل نبرة حادة قائلًا فيه: «لا نريد شجارًا مع الكويت، ونحترم العلاقات المشتركة، لكن عليها أن تفعل شيئًا تجاه الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها فتياتنا»، وهو ما دفع الأمر إلى الانتقال إلى مجلس النواب المأزوم بطبيعته، حيث حمَّل نوابٌ الحكومة مسؤولية تفاقم أزمة العمالة المنزلية، مطالبين بفزعة لحل هذا الملف الشائك، ومشيرين إلى أن التراخي من قبل الجهات المختصة زاد المشهد تعقيدًا في سوق العمل بصفة عامة والعمالة المنزلية على وجه الخصوص، ولكن التراخي كان سيد الموقف، فكانت تلك الأزمة بحسب ما هو مرصود.

11 نائبًا وجهوا 18 سؤالًا في يناير الماضي إلى وزراء المالية والشؤون والداخلية والخارجية والصحة عن ملف العمالة المنزلية، خاصة الفلبنية ، وذلك منذ انطلاق الفصل التشريعي الحالي،  وتمحورت أسئلة النواب حول تعثُّر التحركات الحكومية في حلحلة أزمة العمالة المنزلية وخفض الأسعار ومواجهة التلاعب وتنويع مصادر العمالة في ظل أن قرار تعليق إرسال العمالة الفلبينية المتاخذ مطلع العام ادي الي زيادة الأسعار %40 ، ليرتفع من 1000 أو1300 دينار، الي  1800 دينار مؤكدين أن العمالة الفلبينية مرغوب فيها من الكويتيين.

ورغم إصدار القضاء الكويتي حكمًا غيابيًا بإعدام لبناني وسورية لإدانتهما بقتل خادمة فلبينية في الكويت في أول أبريل الجاري إلا أنّ الغضب العارم الذي عم الفلبين إثر الحادث مازال يحكم القرار في مانيلا التي قررت منع سفر مواطنيها للعمل في الكويت، وترحيل الباقي بمعرفتها فوقعت الأزمة.