العدسة – معتز أشرف:

بلد صغير الحجم يحتوي على قاعدتين عسكريتين؛ أمريكية وبريطانية، لديه مشاكل اقتصادية واضحة، لكنه يمضي في سباق محموم نحو صفقات عسكرية تلو صفقات، بنفس القوة التي يمضي فيها في انتهاكات حقوق الإنسان.. إنها البحرين التي حوَّلها حمد بن عيسى إلى مخزن للسلاح والسجناء؛ بسبب فوبيا إيران، وهو ما نرصده ونتوقف عند تناقضات بارزة فيه!.

سباق التسليح

قال القائد العام لقوة دفاع البحرين المشير ركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة: “سنستمر في تزويد مختلف أسلحة ووحدات قوة دفاع البحرين بالقدرات القتالية المتقدمة، والإمكانات العسكرية والإدارية الحديثة، والكوادر المدربة تدريبًا عسكريًا راقيًا، والمتوافقة مع ضرورات التطور المستمر والمواكبة للنهج العسكري لهذه القوة الوطنية».

ورغم الأزمة الاقتصادية التي يرصدها مراقبون كثيرون، إلا أن الصفقات العسكرية تسير بوتيرة سريعة في اتجاه تكديس السلاح، ومن مختلف الجبهات؛ ففي العام 2014 وقعت المنامة مع روسيا اتفاقية تزود بموجبها موسكو البحرين بمنظومة دفاعية متطورة على هامش زيارة الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، وفي عام 2015 وقعت المنامة على اتفاقية للتعاون العسكري بين المملكة وإيطاليا، وذلك بحضور وزير شؤون الدفاع البحريني، ونظيرته الإيطالية.

وفي العام 2016 أكد الكرملين أن التعاون العسكري التقني كان في صلب المحادثات التي أجراها ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في موسكو، الثلاثاء الماضي، لكنه لم يذكر صفقة محتملة لبيع منظومات إس- 400، لكن في العام 2017 بدأت المفاوضات من أجل اقتناء منظومة الدفاع الجوي إس-400 الروسية، وذلك علي هامش استضافة المنامة معرض ومؤتمر البحرين الدولي للدفاع 2017 (بايدك 2017)، والذي أعلنت البحرين، خلاله عن توقيع صفقة مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية لشراء 16 مقاتلة أمريكية من طراز إف 16 المطورة، بقيمة 3.8 مليارات دولار!

وفي 27 أبريل 2018، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع حوامات هجومية من طراز “إيه إتش 1 زي” (AH-1Z)، وصواريخ ومعدات عسكرية أخرى إلى المملكة، بتكلفة تقدر بنحو 911.4 مليون دولار، وفي 17 مايو، وافقت وزارة الخارجية على صفقة أسلحة ثانية مع البحرين تصل قيمتها إلى 45 مليون دولار، شملت 3,200 قنبلة مخصصة لتسليح أسطول مقاتلات” إف-16″ (F-16)  في البحرين.

وذكرت منظمة الديمقراطية المفتوحة  في بريطانيا أنّ الحكومات البريطانية المتعاقبة منحت منذ احتجاجات البحرين في العام 2011 تراخيص لبيع الأسلحة للمنامة بقيمة 80 مليون جنيه إسترليني (108 ملايين دولار).

ثلث الموازنة المتضررة!

الانفاق المفتوح علي السلاح بات يشكل أكثر من نسبة 30% من الموازنة السنوية بحسب أحدث التقديرات، تتعمق يومًا بعد آخر أوضاع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البحرين منذ اندلاع انتفاضة الرابع عشر من فبراير في العام 2011،  إذ أدى قمع السلطات للحراك الشعبي المطالب بالتغيير الديمقراطي، واحتلال قوات سعودية وإماراتية للبلاد إلى زعزعة ثقة المستثمرين باقتصاد البحرين بحسب مختصّين ومعارضين، الذين يؤكدون أن من الأسباب التي أدَّت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية هو زيادة الإنفاق العسكري والأمني وتراجع أسعار النفط العالمية، إضافة إلى الفساد المستشري في البلاد التي يهيمن عائلة آل خليفة الحاكمة على مواردها الاقتصادية.

وفي مؤشر على تدهور الوضع الاقتصادي، يكشف عدم منطقية السباق التسليحي الذي تخوضه البحرين، انخفض صافي الأصول الأجنبية إلى 645.2 مليون دينار (1.7 مليار دولار) من 725.9 مليون دينار في يناير 2017، وفقًا لبيانات المصرف المركزي. وبذلك تصل نسبة الانخفاض إلى 71٪ من ذروة بلغت 2،24 مليار دينار في شهر نوفمبر 2014، كما يتجه الدَّين العام إلى مزيد من الارتفاع نحو مستويات غير مسبوقة، وربّما يتجاوز 100% من إجمالي الناتج المحلّي، في حال قارب السقف الأعلى في مشروع القانون الجديد، والمتمثّل في 13 مليار دينار، في حين أن الناتج الإجمالي المحلّي نهاية العام 2016 كان 12.5 مليار دينار (28 مليار يورو)، وكانت نسبة الدَّين العام من إجمالي الناتج القومي في نهاية العام 2017 وصلت إلى  72%، بعد أن بلغ الدَّين العام 8.8 مليار دينار (17.04 مليار يورو)، في حين تشير التوقعات إلى وصوله إلى عشرة مليارات دينار (19.8 مليار يورو) بحلول نهاية العام الجاري، ليشكّل ما مجموعه 80% من إجمالي الناتج المحلّي، كما تجد البحرين صعوبة في الإيفاء بمشاريع تنموية وخدمية عديدة، كالمشاريع الإسكانية التي تقيمها وتبيع وحداتها للمواطنين بقروض طويلة الأجل، حيث تجاوز عدد الطلبات الإسكانية 55 ألف طلب، يقابلها عدد وحدات سكنية يقدر بما لا يزيد عن17 ألف وحدة تعمل وزارة الإسكان على إنشائها في حزم من المشاريع، وتفرض على مواطنيها رسومًا وضرائب عديدة جديدة، منذ بدء مشاركتها في التحالف العسكري في اليمن، بالإضافة إلى رفع أسعار البترول وغيرها من السلع الأساسية.

ملاحقة حقوقية !

ورغم الاستمرار في توقيع الصفقات إلا أن الاستمرار في ملاحقة الحقوقيين للبحرين بات رفيق الصفقات دوما بسبب الوضع الحقوقي المتردي في البلاد، وفي هذا الإطار دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” “مجلس الشيوخ” الأمريكي رفض اقتراحين لبيع أسلحة بقيمة مليار دولار تقريبًا إلى البحرين، نظرًا لسجل حكومتها السيئ بشأن حقوق الإنسان والاضطهاد المستمر للمعارضين.

وقالت سارة مارغون، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن: ” تأتي مبيعات الأسلحة المقترحة، التي وافقت عليها وزارة الخارجية الأمريكية، وسط التدهور المستمر لحقوق الإنسان منذ المظاهرات المناهضة للحكومة عام 2011، ومشاركة البحرين المستمرة في النزاع اليمني الذي تقوده السعودية، والذي ساهم في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. صعّدت البحرين حملتها على النشطاء والمحامين والصحفيين، العام الماضي، وسحبت الجنسية من عدد قياسي من مواطنيها، ونفذت محاكمات جائرة للمدنيين في المحاكم العسكرية، وقامت بمضايقة وترهيب وسجن ومحاكمة الحقوقيين وأفراد أسرهم. هذا بالإضافة إلى سوء المعاملة والتعذيب على نطاق واسع من قبل قوات الأمن وقتل متظاهرين أثناء تفريق احتجاجات سلمية، منذ أن اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2011، وعلى مجلس الشيوخ الأمريكي إيقاف جميع مبيعات الأسلحة إلى البحرين، حتى تطلق سراح جميع الحقوقيين والمعارضين المعتقلين ظلما، وأن يوضح أن أي حليف رئيسي للولايات المتحدة يجب ألا يستمر في مثل هذه الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان”.

في بريطانيا، تحرك نشطاء في حقوق الإنسان بسبب رعاية شركة كلاريون إيڨنتس البريطانية تنظيم المعرض الدولي للأسلحة في البحرين، فقد عبرت حملة مناهضة تجارة الأسلحة البريطانية عن اعتراضها، في بيان جاء فيه “البريطانيون يرفضون إنفاق الضرائب على ترويج مبيعات الأسلحة للبحرين، وغيرها من الأنظمة التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وإن “تعزيز المملكة المتحدة صادرات الأسلحة (من خلال المعرض) سيُعتبر دعمًا للنظام (في البحرين)، وفضلًا عن سجن وتعذيب نشطاء حقوق الإنسان والناشطين المؤيدين للديمقراطية؛ فإن حكومة البحرين هي جزء من التحالف الذي يقصف اليمن حاليًا، وتسبب في تعريض الملايين من اليمنيين لحافة المجاعة وخطر الكوليرا”.

فتش عن إيران!

وبحسب مراقبين فإنَّ العقدة الإيرانية حاضرة بقوة في سباق التسلح الإيراني في ظل الأزمة السياسية الداخلية إلى تحملها المنامة دومًا لطهران، وتطورات المنطقة وإعلان المنامة دعمها لسياسيات أمريكا في مواجهة إيران مؤخرًا بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ورجح المراقبون أن اتجاه البحرين للتسلح بـ “إس-400” على وجه التحديد لمواجهة “إس-300” الإيرانية.

ووصلت العلاقات بين البحرين وإيران مؤخرًا إلى حد خطير، ففضلًا عن أن البحرين تتهم إيران دومًا بدعم المعارضين لها وبالسعي إلى التسبب باضطرابات أمنية على أراضيها، وهو ما نفته طهران مرارًا، فإن وزير الخارجية البحرينى خالد بن أحمد آل خليفة، قال : “إن إيران تستبيح المنطقة ومن حق أى دولة فى المنطقة بمن فيها إسرائيل الدفاع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر”!، فيما أعلنت المنامة الدعم الكامل للاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنتها واشنطن للتعامل مع إيران والتي أعلنها مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصفتها بأنها تعكس “الإصرار على التصدّي لخطر السياسات الإيرانية المقوضة للأمن والاستقرار في المنطقة، وسد النواقص التي حملها الاتفاق النووي ومنع خطر برنامج إيران للأسلحة الباليستية”.