تروج إدارة بايدن لرحلة الرئيس إلى الشرق الأوسط منتصف يوليو/تموز بأنها مساهمة من أجل نشر السلام والاستقرار في المنطقة، لكن خبراء ومحللين قالوا إنها من المرجح أن تورط الولايات المتحدة في صراعات مستقبلية.
يسعى بايدن حالياً لاستكمال جهود إدارة سلفه -دونالد ترامب- لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل عبر ما يُسمى بـ اتفاقيات أبراهام، وبالرغم من السعي الحثيث لإتمام تلك الصفقات، فإن العاملين عليها من الإدارة الحالية يتجاهلون حقيقة أن مثل هذه الاتفاقيات تُعد مصدرًا رئيسيًا للصراع في المنطقة – الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين – مع تسريع احتمال آخر – حرب محتملة مع إيران.
إن إضافة المملكة العربية السعودية إلى هذا المزيج، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي، لن يؤدي إلا إلى تسريع هذه الديناميكية -احتمالية قيام حرب-، وكما يتم الترويج له حاليًا، تبدو اتفاقيات أبراهام وكأنها ذريعة لبيع المزيد من الأسلحة إلى المنطقة وتعزيز كتلة عسكرية مناهضة لإيران أكثر من كونها خطوة نحو سلام دائم في الشرق الأوسط.
عنصر جديد في سياسة بايدن في الشرق الأوسط سيتم التأكيد عليه خلال رحلته المرتقبة: نظام دفاع جوي على مستوى المنطقة – يُعرف رسميًا باسم تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط – والذي سيشمل إسرائيل ودول الخليج. لكن إنشاء شبكة الدفاع الجوي ليس سوى جزء واحد من مبادرة لزيادة الالتزامات العسكرية الأمريكية تجاه المنطقة، وعلى الأخص من خلال تقديم ضمانات أمنية مكثفة للإمارات والسعودية -لإبعادها عن التقارب مع روسيا أو الصين-، لكن ما تغفل عنه الإدارة الحالية أن تقديم كل هذا الدعم لهذه الأنظمة القمعية المستبدة ليس في مصلحة الولايات المتحدة، ولن يعزز الاستقرار في المنطقة.
من الأمثلة على ذلك: التدخل السعودي / الإماراتي الوحشي في اليمن، والذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين في غارات جوية برعاية القنابل والطائرات التي قدمتها الولايات المتحدة، التي لها النصيب الأكبر من حصيلة القتلى التي وصلت إلى ما يقرب من 400 ألف شخص، في حرب أصبحت وصمة عار على سمعة الولايات المتحدة التي يُنظر إليها كقوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
كانت الولايات المتحدة طرفًا في الحرب منذ عام 2015، كما هو مذكور في تقرير حديث لمكتب المساءلة الحكومية قال إن ما قيمته أكثر من 54 مليار دولار من الأسلحة الأمريكية تم تقديمها إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال تلك الفترة الزمنية.
بالرغم من أن الهدنة المؤقتة في اليمن تعتبر علامة مرحب بها، لكن مع ذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها “كداعم أساسي للجيشين السعودي والإماراتي” من أجل الترويج لاتفاق سلام حقيقي ووقف استئناف القتال هناك، كما دعا إلى ذلك عدد كبير من نواب الكونغرس، الذين يتبنون قرار من شأنه قطع الدعم العسكري الأمريكي للمملكة العربية السعودية، بما في ذلك الأمور اللوجستية مثل الصيانة الدورية وتوفير قطع الغيار الأساسية للسلاح الجوي السعودي.
سيؤدي إرسال المزيد من الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى زيادة احتمالات استئناف الحرب في اليمن، ما يعني زيادة حصيلة الدمار والخراب الذي حل بالبلاد التي تشهد الآن أسوأ كارثة إنسانية في العالم، لكن وقف الدعم العسكري سيرسل رسالة قوية مفادها أن الولايات المتحدة تريد استمرار الهدنة كنقطة انطلاق لاتفاق سلام شامل لإنهاء الحرب.
وكما أشار النائب آدم شيف (ديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا)، فإن “أوضح وأفضل طريقة للضغط على جميع الأطراف للقدوم إلى طاولة المفاوضات هي أن يستدعي الكونغرس على الفور سلطاته الحربية الدستورية لإنهاء تورط الولايات المتحدة في هذا الصراع.”
أما فيما يتعلق بالإمارات، فكان لها أيضاً نصيب من زيادة الفوضى في المنطقة، وذلك عبر دعمها للقوات المناهضة للحكومة في ليبيا في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الإمارات العربية المتحدة سجلاً مشيناً ضد حقوق الإنسان، حيث تقوم بالتضييق على المعارضين في الداخل، ومراقبة منتقدي النظام في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين، كما حاولت التدخل في العملية السياسية الأمريكية من خلال تجنيد جماعات الضغط واستخدام الوسطاء الذين أقاموا علاقات وثيقة مع مسؤولي إدارة ترامب.
سعت الإمارات أيضاً إلى توثيق العلاقات مع الصين، ولم تتخذ المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة مواقف حازمة ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.
الحقوقية الأمريكية البارزة سارة ليا ويتسن أكدت على هذه النقطة في مقال نشرته صحيفة ” The American Prospect”، حيث قالت: “لم يتجاهل شركاؤنا فقط مناشدات إدارة بايدن لمعاقبة روسيا على غزوها، لكنهم رفضوا حتى المشاركة في رعاية قرار مجلس الأمن الذي يطالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا أو دعم العقوبات ضد روسيا… بدلاً من ذلك، يقدمون ملاذًا آمنًا للزعماء الروس الفارين من العقوبات العالمية”.
بدلاً من تعزيز التحالف مع الأنظمة القمعية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الذي يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع مستقبلي مع إيران أو أي مكان آخر في المنطقة، يجب على إدارة بايدن التركيز على إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني – المعروف رسميًا باسم. خطة العمل الشاملة (JCPOA) – ووضع حد نهائي للحرب في اليم
وبدلاً من زيادة الدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل – المقرر أن يصل إلى 37 مليار دولار أو أكثر خلال العقد المقبل – يجب على الإدارة الضغط من أجل الوصول إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
مثل هذه الإجراءات ستعمل على تعزيز السلام والأمن في المنطقة أكثر بكثير من توسيع العلاقات العسكرية الأمريكية مع الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، فضلاً عن أنها خطوات سوف تفتح الطريق أمام تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهي خطوة بالطبع ستصب في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا