تشهد العلاقات السعودية الإماراتية، والتي كانت في يوم من الأيام من أقوى العلاقات، حالة من التآكل المتزايد الذي ينذر باقتراب تفكك هذه العلاقة التي تتدهور نتيجة عدد من الخلافات المتصاعدة، حيث ظهرت سلسلة من الاختلافات السياسية بين الرياض وأبو ظبي خلال العام الماضي، تصاعدت حدتها خلال الأسابيع الماضية.
تشمل قائمة الاختلافات الطويلة مواقف البلدين تجاه الحرب في اليمن، مصالحة السعودية مع قطر بعد خلاف دام ثلاث سنوات ونصف، وتطبيع الإمارات مع إسرائيل واتفاقات أبراهام، وحصص إنتاج أوبك، العلاقات الاستراتيجية والتجارية مع تركيا وإيران.
التطور الجديد الذي طرأ على العلاقة بين السعودية والإمارات لا يؤثر فقط على وضع البلدين، ولكن على جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، وكلما أسرعت البلدان المحيطة في فهم ديناميكية وطبيعة العلاقات الجديدة، كلما تمكنت من إدارة العلاقات مع المنطقة بأكملها بشكل أفضل.
في الحقيقة، وجود توترات بين دولتين من دول الخليج العربي ليس بالإمر الجديد، بل لطالما كانت الخلافات سمة دائمة في تعامل الدول الأعضاء بين بعضهم البعض في العقود التي سبقت الانتفاضات العربية عام 2011، ما تغير اليوم هو أن هذه الخلافات بدأت تظهر على الساحة، عكس الماضي، حيث كان هناك دافع كبير للتكتم على هذه الخلافات بسبب المخاوف المشتركة الناجمة عن التوسع الإقليمي الإيراني والإسلام السياسي الذي يشكل رعباً لعدد من الأنظمة.
واليوم، ليس من قبيل المصادفة أن الديناميكيات السياسية الجديدة تزامنت مع تغيير جيلي في القيادة، مع وفاة الملك عبد الله (في 2015)، وسلطان عُمان قابوس (في عام 2020)، والشيخ صباح في الكويت (في عام 2020) وظهور عدد من القادة الشباب على الساحة السياسية بمن فيهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسلطان عُمان هيثم، وأمير قطر تميم بن حمد، ومن قبلهم جميعاً ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي ينتمي إلى هذا الجيل الجديد، على الرغم من ظهوره قبل عقد من الزمان في 2005.
التغيير الجيلي لم يكن نقطة التحول الوحيدة، لكن الانتفاضات العربية عام 2011 كانت بمثابة نقطة تحول أيضاً في العلاقات الخليجية.
على سبيل المثال، الاحتجاجات الإقليمية، التي انتشرت في البحرين، أدت إلى تعاون دول الخليج العربية بشكل أوثق في معالجة ما يرون أنه تهديدات مشتركة للنظام الإقليمي.
أعطى إرسال الدبابات لقمع الاحتجاجات في البحرين في مارس/آذار 2011 مؤشرا واضحا على أن السعودية والإمارات لن يسمحا بوجود انتفاضات في دول الجوار، وعلى الرغم من كونها مبادرة من دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذه الخطوة كانت بمثابة علامة مبكرة لتوثيق التعاون الإماراتي السعودي، والذي ظهر في سوريا واليمن ثم ضد قطر في عام 2017.
ولكن خلال هذه الفترة، على الرغم من تكاتف دول مجلس التعاون الخليجي ضد الانتفاضات في البحرين، رسمت الدوحة مساراً سياسياً مختلفاً عن مسار السعودية والإمارات.
الخلاف الأبرز الذي كان علامة فاصلة في علاقات دول مجلس التعاون الخليجي ووضع حد لهذا التعاون، هو الحصار الذي فُرض على قطر عام 2017 من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
قامت هذه الدول بالإضافة إلى مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مع فرض قائمة من 13 مطلباً على الدوحة – بما في ذلك إنهاء العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق قناة الجزيرة، وإخراج القوات التركية من الأراضي القطرية – في مقابل فتح الحدود وإنهاء الحصار، لكن قطر لم تستجيب لهذه المطالب ليستمر الحصار مدة ثلاث سنوات ونصف، وفي يناير/كانون 2021 بوساطة كويتية تم عقد اتفاقية الُعلا في السعودية التي كانت بداية نهاية هذا الخلاف.
خلال أزمة قطر، كثر الحديث عن إمكانية تفكك مجلس التعاون الخليجي، واستبدال على ما يبدو بالعلاقة الثنائية المزدهرة بين الرياض وأبو ظبي، لكن بعد ذلك بوقت قصير، بدأت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يتخللها بعض التوتر.
الانسحاب العسكري لأبو ظبي عام 2020 من الحرب في اليمن ودعمها للجماعات المحلية بالوكالة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يُعتقد أن لديه طموحات انفصالية منذ أمد بعيد، تسبب في تأجيج الخلاف بينها وبين الرياض، التي تسعى إلى وقف إطلاق النار وجهود موحدة لبناء السلام.
وفي عام 2019، عكست أبو ظبي مسارها التكتيكي وبدأت التواصل عبر القنوات الخلفية مع إيران؛ في غضون ذلك، لم تعاني الرياض فقط من الهجمات المدعومة من إيران على منشآتها النفطية في بقيق وخريص، بل تزايدت هجمات الحوثيين ضدها بالصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية.
من ناحية أخرى، كشفت اتفاقيات أبراهام في سبتمبر/أيلول 2020 عن اختلافات صارخة في استراتيجيات الدولتين تجاه إسرائيل، حيث حاولت الإمارات الاستفادة من الفرص التجارية والاستراتيجية إلى جانب التعاون الوثيق مع واشنطن، من خلال ربط نفسها بشكل محكم ومنفتح باتفاقية التطبيع مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، وبالرغم من أن الرياض كانت تحاول الحفاظ على علاقات هادئة خلف الكواليس مع إسرائيل، تمسكت بموقفها القديم من التطبيع مع إسرائيل، والذي لن يتم إلا بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
المملكة العربية السعودية كذلك سعت إلى وضع نفسها كمحور جديد لمنطقة الخليج في منافسة مباشرة مع جيرانها، مطالبة الشركات الدولية بأن يكون لها مكاتب في المملكة، كما قامت الرياض بتعديل قواعد التعريفة الجمركية التي تستهدف السلع المنتجة في مناطق التجارة الحرة وكذلك السلع المصنعة في إسرائيل.
وأخيراً، تصاعدت الخلافات بصورة مرعبة بسبب حصص إنتاج أوبك +، والتي اتخذت أبو ظبي فيها نهجًا استباقيًا لزيادة خط إنتاجها الأساسي كشرط لتمديد الصفقة الحالية، وهو ما رفضته السعودية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا