العدسة – كنان الشامي

تناولت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية المصير الكارثي الذي أصبح ينتظر الجمعيات والنشطاء الحقوقيين في مصر، بعد إطاحة الرئيس الحالي للبلاد عبد الفتاح السيسي بالرئيس الرئيس السابق المنتخب محمد مرسي.

واستشهدت المجلة بإغلاق مركز النديم الذي كان يقوم بعلاج ضحايا العنف والتعذيب، في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والمجلس العسكري ومرسي ، ليغلقه السيسي بسبب مزاعم إدارية وقانونية.

وإلى مقتطفات من التقرير ..

منذ أكثر من عقدين، كان مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، هو المنظمة الوحيدة في مصر، التي تعكف وتكرس جهدها لمساعدة الناجين من التعذيب.

أطباء مركز النديم، عملوا أثناء الحكم الاستبدادي للرئيس حسني مبارك، ثم المجلس العسكري الذي حل محله، وأيضا في ظل أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في مصر، وهو زعيم جماعة الإخوان، محمد مرسي، ووفر الأطباء العلاج النفسي اللازم للمرتادين الذين يعانون من سوء المعاملة في السجون المصرية، ولم تقم السلطات المصرية خلال حكم السيسي بإغلاق المركز سوى في هذا العام.

ولم تقم الشرطة المصرية بسجن المسؤولين عن المركز، وبدلا عن ذلك، وصلت الشرطة في فبراير إلى العيادة وشمعت أبوابها، وحظرت على اثنتين من مؤسسي المركز (عايدة سيف الدولة وسوزان فياض) السفر إلى الخارج.

وجاء أمر الإغلاق من وزارة الصحة؛ على أساس أن العيادة تجاوزت التراخيص الممنوحة لها كعيادة نفسية، إلى إصدار تقارير.

وقالت الوزارة في بيانها، إن “العيادة ارتكبت مخالفتين؛ الأولى، هي تغيير المسمى من عيادة إلى مركز، حيث إن التراخيص الخاصة بكل حالة تختلف عن الأخرى، والثانية، تغيير النشاط من نشاط طبي إلى نشاط حقوقي، وهو الأمر الذي اقتضى إغلاق المنشأة وفقًا للقانون رقم 153 لسنة 2004”.

وكثيرا ما ينشر المركز معلومات عن التعذيب، بما في ذلك وضع جميع حالات التعذيب المتداولة إعلاميا.

وقالت “سيف الدولة” إن السبب الحقيقي لإغلاق مركز النديم، هو أنه “يفضح أكاذيب حكومة السيسي”.

وأضافت: “نتحدث عن التعذيب، وهم يعرفون أن لدينا معلومات مباشرة عن التعذيب لأننا نرى الضحايا.. على عكس نظام مبارك السابق، الذي كان لا ينفي وجود التعذيب، ولكنه كان يؤكد أنها حالات فردية، فيما يؤكد نظام السيسي أنه لا يوجد تعذيب على الإطلاق، ونحن نعلم أنهم يكذبون “.

ويعد قمع منظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني ليس بالأمر الجديد في مصر، ولكن في ظل ولاية السيسي، وصلت تلك الانتهاكات إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.

وقال ناشطون إن حكومة السيسي متهمة، ليس فقط بعدم حماية وتقديم الدعم الكافي لمساحة الحرية التي حصل عليها الشعب بعد الإطاحة بمبارك، ولكن تسعى إلى القضاء عليها تماما.

وكثيرا ما يستخدم المسؤولون المصريون الجهود التي تبذلها البلاد لمكافحة الإرهاب، كمبرر لاستمرار القمع.

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة لعامة للاستعلامات، عقب الهجوم الإرهابي الذي وقع الشهر الماضي على مسجد الروضة بشمال سيناء، وخلف 300 قتيل، هذه الجريمة البشعة بمثابة تحذير لجميع المنظمات التي تتاجر بشعار الحريات، قائلا: إن هذه الجريمة ناقوس يدق في شعارات المنظمات الحقوقية التي تعد تقارير مزيفة ضد مصر،  والتي تعد شريكاً مع هذه الجماعات الإرهابية.

ولم يرُدّ المتحدث باسم وزارة الخارجية على الطلبات المتكررة من (فورين بوليسي) للتعليق.

ويقول ناشطون في مجال حقوق الإنسان، إن الهجوم على المجتمع المدني يبدو مرتبطا بتوطيد الحكم تدريجيا، دون وجود تحذيرات من حلفاء مصر الغربيين.

وبدلا من مواجهة السمعة السيئة في وسائل الإعلام، والتي تأتي لتلاحق النظام بعد زجه المدافعين عن حقوق الإنسان خلف القضبان، فقد اتخذت السلطات نهجا أكثر صرامة، باستخدام مجموعة من “التكتيكات” لإضعاف قدرة المنظمات والأفراد عن مواصلة عملهم.

وتعثرت إستراتيجية العلاقات العامة في مايو، عندما وقع السيسي قانونا جديدا ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، حيث يجرم القانون معظم أعمال المنظمات غير الحكومية، ويرصد تمويلها بدقة، ويؤسس وكالة جديدة للإشراف على المجتمع المدني.

ووصفت منظمة “هيومن ريتس ووتش” قانون الجمعيات المصري الجديد بـ” القمعي” قائلة: “إن القانون ينص على مستويات غير مسبوقة من القمع، وسوف يُجرّم نشاط العديد من منظمات المجتمع المدني، وسيجعل من المستحيل عليها أن تعمل بشكل مستقل”.

وبعد الانخفاض الكبير الذي تشهده القاهرة السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالمنظمات الحقوقية، لم تعد المنظمات الدولية مثل “هيومن رايتس ووتش” تمتلك مكاتب في مصر وأغلقت المنظمات المحلية مكاتبها في القاهرة.

وقال حسام بهجت المؤسس والمدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية  (يعمل حاليا صحفيًّا في مجال التحقيقات الاستقصائية) إن القواعد السياسية غائبة ..نحن نتراجع إلى عهد مبارك “.

وحتى توثيق الانتهاكات الحقوقية أصبحت أكثر صعوبة بسبب القيود المفروضة.

وقال محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات: ” علينا أن نختار معاركنا الآن..استراتيجيا من الخطأ أن بشن هجوم كامل على جميع الملفات في نفس الوقت “.

وأضاف أن من أخطر الأنشطة للمصريين في الوقت الحالي، هي السفر إلى الخارج للتوعية بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وفي سبتمبر، اختفى المحامي إبراهيم متولي، وهو ناشط في مجال مناهضة “الإخفاء القسري”، على يد عناصر  أمن المطار، التي ألقت القبض عليه خلال إنهاء إجراءات سفره إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وقالت السلطات في وقت لاحق إن “متولي” أُحِيل إلى نيابة أمن الدولة العليا، التي أمرت بحبسه 15 يوما بتهمة تنظيم جماعة أسست على خلاف القانون، ونشر أخبار كاذبة.

وقال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن ما لا يقل عن 28 من الناشطين الحقوقين منعوا من السفر.