رغم ما تشهده القارة الأفريقية السمراء من نزاعات عرقية وطائفية محتدمة ممتدة، فإن بعض دولها تسجل لأول مرة نموذج انتقال السلطة بسلاسة لافتة، لكن الأكثر إثارة في هذا الانتقال السلس للسلطة هو صعود رؤساء مسلمون أو ذات أصول عربية في بلدان يشكل المسلمون فيها أقلية، وفي بلدان لها تاريخ طويل من النزاعات العرقية والتعصبات الأيديولوجية.

 

بازوم النيجر

ففي حدث سياسي غير مسبوق في تاريخ واحدة من أفقر دول العالم، أدى رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم اليمين الدستورية في 2 أبريل 2021، تم خلاله انتقال السلطة سلميا من رئيس مدني منتخب إلى رئيس مدني، وذلك في خطوة تحسب للرئيس المنتهية ولايته محمدو يوسوف، الذي لم يعدّل الدستور للترشح لولاية رئاسية ثالثة، على عادة عدة رؤساء أفارقة.

ويعد فوز بازوم في الانتخابات الرئاسية التي جرت في النيجر على دورتين سابقة تاريخية في البلاد التي شهدت للمرة الأولى هزيمة العصبية القبلية أمام التحالفات السياسية، ليصبح أول رئيس من الأقلية العربية في تاريخ البلاد.

وينحدر بازوم من قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا، وقد حاول منافسوه استغلال هذا الانتماء القبلي ضده خلال الانتخابات الرئاسية، واتهموه أنه من أصول أجنبية.

 

صلوحي تنزانيا

وفي تنزانيا أدت سامية حسن صلوحي في 2 مارس 2021 اليمين الدستورية لتكون أول رئيسة لتنزانيا في تاريخ البلاد، وذلك في مجلس الدولة بدار السلام، عقب وفاة الرئيس جون ماغوفولي في جائحة كورونا. 

وكانت الحكومة قد أعلنت وفاة الرئيس ماغوفولي، واستلام مقاليد الحكم بعده نائبته سامية حسن صلوحي (61 عاما)، حيث تم انتخاب سامية لأول مرة نائبة لماغوفولي في عام 2015، ومن ثم تم إعادة انتخابها إلى جانبه العام الماضي، وفقا للدستور، لتصبح صلوحي أول امرأة تتقلد مثل هذا المنصب السياسي في أفريقيا عموما وفي شرقها خصوصا، وانضمت بذلك إلى قائمة قصيرة من نساء القارة التي تدير بلدانها.

وتعرف صلوحي بين أهل بلدها باسم “ماما سامية”، وقد أدت قسم المكتب الرئاسي بحجابها والقرآن في يدها اليمنى، وذلك تحت إشراف رئيس القضاة إبراهيم جومافينغ، وقد تعهدت بدعم دستور الدولة، وقالت في كلمة تنصيبها “اليوم ليس يوما جيدا بالنسبة لي، لأني أتحدث إليكم ولديّ جرح في قلبي”، وأضافت أنه يجب على الجميع في البلاد العمل في الفترة القادمة لتوحيد الأمة، وأنه حان الوقت لتجاوز الخلافات والمضي قدما إلى الأمام.

 

موريتانيا على القائمة

وعودا إلى الوراء، تبرز تجربة دولة عربية إفريقية انتقلت السلطة فيها بنهاية العام الماضي بسلاسة لم يلحظها الكثيرون، وهي موريتانيا التي سلم فيها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز رئاسة البلاد لنائبه محمد ولد الغزواني، وسط حضور أفريقي كبير وغياب عربي ملحوظ.

وهذه هي أول مرة في موريتانيا يسلم رئيس السلطة لرئيس منتخب بعد فترتين رئاسيتين، حيث إنه ففي السابق ظل التناوب على السلطة يتم عبر الانقلابات العسكرية، باستثناء انتقال السلطة في أبريل 2007، حين سلم رئيس المجلس العسكري الراحل ولد محمد فال رئاسة موريتانيا لأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

وخلال عام 2018 حاول مقربون من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إجراء تعديل دستوري لفتح مدد الرئاسة أمامه، حيث ينص الدستور على مدتين فقط، لكن قيادة الجيش الموريتاني لم تعط الضوء الأخضر لهذا المسار، ما جعل الرئيس يعدل عنه قبل نهاية مدته بـ 6 أشهر فقط.

وفي احتفالية ديموقراطية لافتة، تغافلت المحطات العربية عن نقلها باستثناءات بسيطة، تبادل ولد عبد العزيز وولد الغزواني عبارات المجاملات على منصة التنصيب، فقال ولد عبد العزيز في خطابه الأخير إنه يغادر رئاسة البلاد وهو مطمئن عليها، واصفا ولد الغزواني بأنه “صديق عزيز وذو أخلاق عالية وعلى وعي بالوضع المحلي والقاري والدولي”، فيما توجه ولد الغزواني للرئيس السابق بقوله؛ إنه سيدخل التاريخ الموريتاني من أوسع أبوابه نظرا لما ترك من إنجازات كبرى، كما أنه ختم فترته بتسليم السلطة سلميا وعبر صناديق الاقتراع.

 

تجاهل عربي

وفي الاحتفالية الديموقراطية الموريتانية، حضر 11 رئيسا أفريقيا؛ أبرزهم رؤساء السنغال، ومالي، وغامبيا، وبوركينافاسو، والنيجر، وتشاد،، فيما لم يحضر أي رئيس عربي حفل التنصيب، متجاهلين موريتانيا التي تعتبر الدولة الجسر التي تربط بين العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء.

وبدا واضحا من التجاهل العربي لما حدث في موريتانيا أن الأنظمة العربية ترى موريتانيا دولة هامشية، لا تأثير لها في الإقليم، ولذلك عندما يشاركون في الأنشطة التي تدعو إليها موريتانيا يبعثون إليها وكلاء الوزارات أو وزراء عاديين.

كما بدا واضحا أن بعض الأنظمة الخليجية لا تحتفي كثيرا بالسقف الديمقراطي “العالي” بموريتانيا، لذلك يبدو تفاعلها مع المناسبات الانتخابية والديمقراطية في موريتانيا ضئيلا وضعيفا، ربما خوفا من تأثر شعوبها بهذا النموذج الذي سارت إلى وأده غداة اندلاع الثورات العربية وما تتربت عليها من استحقاقات ديمقراطية في مصر واليمن وليبيا وتونس.

 

اقرأ أيضًا: ما الذي يعنيه الانتقال السياسي في تشاد للقوى الإقليمية؟