اعتذر رئيس الحكومة اللبناني المكلف، سعد الحريري، عن مهمة تشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد اجتماع مع الرئيس، ميشال عون، استمر 20 دقيقة. وبعد لقائه عون، صرح الحريري للصحفيين أن الرئيس طلب “تعديلات” على الصيغة الحكومية التي اقترحها عليه اعتبرها الحريري “جوهرية”. وأوضح أنه اقترح على عون مزيدًا من الوقت للتفكير بالصيغة التي اقترحها عليه، لكن الأخير أجابه “لن نتمكن من أن نتوافق”. وأضاف الحريري “لذلك، قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة وليعين الله البلد”.

ومن جانبه، رد الرئيس اللبناني ميشال عون معتبرًا أن سعد الحريري غير مستعد لبحث أي تعديل على التشكيلة الحكومية المقترحة التي قدمها. وأشار بيان للرئاسة إلى أن الحريري اقترح على عون يومًا واحدًا إضافيًا لقبول التشكيلة المقترحة لكن الرئيس قال “ما الفائدة من يوم إضافي إذا كان باب البحث مقفلًا”. وتابع البيان أنه “بعد اعتذار الرئيس المكلف سيحدد رئيس الجمهورية موعدًا للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن”.

وتكمن المشكلة بين الحريري وعون في مسألة اختيار الوزراء المسيحيين الذين سيتواجدون في الحكومة الجديدة. حيث كلف عون  الحريري بتشكيل حكومة جديدة، في 22 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عقب اعتذار الأكاديمي والدبلوماسي مصطفى أديب، لتعثر مهمته في تأليف حكومة تخلف حكومة رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب. 

وعقب شهرين على ذلك، أعلن الحريري أنه قدم إلى عون تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرًا من التكنوقراط. إلا أنها لم تنل موافقة عون، الذي اعترض على ما سماه آنذاك بـ”تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصًا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة”. 

لقاء مهم بين السعودية والبطريركية المارونية

وكان هناك لقاء مهم عقد بين السعودية والبطريركية المارونية في لبنان حيث تمّ إصدار كتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية”، بحضور السفير السعودي وليد البخاري وحشد من الشخصيات، ووفد من القوات اللبنانية وقائد الجيش العماد جوزف عون، فيما مثل الرئيس عون مدير البروتوكول في القصر نبيل شديد.

وقال السفير السعودي: “أمل من الأفرقاء السياسيين أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص وبوضوح تام، على أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي”. 

ومن جانبه، تحدث البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، عن زيارته للسعودية في 13 تشرين الأول/ أكتوبر2017 حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان، وأشاد برباط الصداقة بين المملكة والبطريركيّة المارونيّة ولبنان. وصرح قائلًا: “كم نأمل بأن يكون هذا اللقاء الجامع نداء قلبيا إلى لقاء وطني شامل يؤدي إلى إنقاذ لبنان. فتتألّف الحكومة، وتجري الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها الدستوري، ونسلك طريق الخلاص”.

“التكليف لا يعني تكليفًا أبديًا”

وكانت هناك آمال حينها أن يقود هذا الخطاب التصالحي بين السعودية والبطريركية المارونية في لبنان إلى حلحلة أزمة تشكيل الحكومة، بحيث يبدي عون مرونة ويستطيع الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية أيضًا، أن يشكل الحكومة. لكن يبدو أن ما حدث هو العكس، فقد قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بعد 3 أيام فقط من لقائه السفير السعودي لدى بيروت، جملة مهمة لها مدلولها، حيث قال إن “التكليف لا يعني تكليفًا أبديًا”.

كلام الراعي جاء خلال قداس 11 يوليو/تموز الجاري، انتقد فيه استمرار تبادل الشروط وتأخير تشكيل الحكومة من قبل المعنيين بتشكيلها (الحريري والرئيس ميشال عون) وعدم قيامهم بواجباتهم الدستورية والوطنية. لكن هذه العبارة فتحت الباب واسعًا للسؤال حول تخلي السعودية عن الحريري في أزمته.

وبالتزامن مع لقاء الراعي بالسفير السعودي، كانت السفيرتان الأميركية والفرنسية تخوضان جهودًا دبلوماسية مع الرياض في محاولة لحلحلة الوضع، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة، فاعتذر الحريري. وفي 8 يوليو الجاري، توجهت السفيرتان الأمريكية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو، لدى بيروت إلى السعودية لإجراء مباحثات مع مسؤولين في المملكة حول الأوضاع المتأزمة في لبنان، وضرورة تشكيل حكومة.

تسوية غير مقبولة سعوديًا

ووفق مراقبين، فإن موقف السعودية من الحريري ليس جديدًا، بل يعود إلى عام 2016، حيث لم تكن الرياض حينها راضية عن التسوية التي أبرمها الحريري مع عون (حليف حزب الله) والذي وصل من خلالها الأخير لسدة الرئاسة اللبنانية. ويشير هؤلاء إلى أن “موقف الرياض من الحريري هو نفسه منذ التسوية الرئاسية حتى اليوم”، حيث إن الحريري شكل حكومتين (عام 2016 و2018) بعد إبرامه التسوية مع عون، بمعزل عن موقف السعودية الذي لم يكن مؤيدًا لذلك.

وبذلك، تستمر الأزمة اللبنانية، فمن المنتظر أن يدعو عون الكتل النيابية إلى استشارات وبنتيجتها تسمي كل كتلة شخصية ما لتشكيل الحكومة، فيكلف رئيس الجمهورية الشخصية التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات بتشكيل الحكومة. قانونيًا يبدو الأمر بسيطاً لكن سياسيًا هو شديد التعقيد. حيث إنه لا مهلة أمام الرئيس للدعوة للاستشارات، وعادة تتم الدعوة بعد أن تكون القوى السياسية قد اتفقت خارج المؤسسات على اسم معين، أو على الأقل علمت الكتل مواقف بعضها البعض واتفقت على تنظيم الخلاف ووضع الخطوط الحمراء.

وكذلك، فإنه لا مهلة أمام الرئيس المكلف بالتشكيل ليشكل الحكومة. حيث استغرق الحريري تسعة أشهر ثم اعتذر وهذا ليس الرقم القياسي في تاريخ لبنان. ولذا، فليس من المعروف ما الذي كسبته السعودية من تصرفها هذا، فالوضع أعقد من أن يحله التخلي عن الحريري. إلا لو كان هناك ترتيب دقيق لمرحلة ما بعد الحريري بين السعودية والمارونيين، وهو أمر لم تظهر بوادره حتى الآن.