العدسة – ربى الطاهر

اختلفت الفئات التي تتعامل مع وسائل التكنولوجيا مؤخرًا، فبالرغم من أن هناك فئة تنفق مبالغ كبيرة للحصول على أحدث الهواتف الذكية فإن هناك فئة اخرى تنفق أضعافا مضاعفة من تلك المبالغ للتخلص من وقوعهم تحت سيطرة جهاز ذكي.

فقد وصل تعلق البعض باستخدام الأجهزة الذكية إلى حد الإدمان، والتي قد أثبتت الدراسات مؤخرًا أن إدمان التواصل عبر هذه الأجهزة تتشابه أعراضه مع أعراض إدمان المخدرات حتى فترة الانسحاب يشعر فيها المرء بآلام تشابه كثيرا آلام انسحاب المخدرات، بل إن تأثيراتها على المخ يشابه تأثير المخدرات كذلك.

ولعل شعور البعض من المتخصصين بخطورة هذا الإدمان استدعى افتتاح مراكز علاجية متخصصة لعلاج هذا النوع المستحدث من الإدانة، وربما إدراك الأشخاص وأولياء الأمور لتطورات الأمر غير المحمودة جعلتهم يقبلون لدفع آلاف من الدولارات لمواجهة هذا العرض.

فقد يُقبل ملايين الشباب حول العالم على شراء أجهزة الآيفون التي تصل أسعارها إلى ما يقرب من 800 $  وربما تصل إلى 1000 دولار في حالة الرغبة في اقتناء الأحدث، ولكن من زاوية أخرى ينفق بعض الأمريكيين ما يقارب من 92 ألف دولار للابتعاد عن هذه الأجهزة أو إبعاد أحبائهم عنها.

وقد بدأت عيادات معالجة إدمان الإنترنت في الولايات المتحدة منذ عام 2013، حيث أقيمت العشرات من تلك العيادات لـ “إعادة التأهيل الرقمي” في وادي السيليكون، والذي يعتبر مركز تواجد اكبر شركات التكنولوجيا في العالم، كما تتواجد فيها كذلك شركات آبل، وفيسبوك، وتويتر، وجوجل.

وتختص هذه العيادات بمعالجة هؤلاء الشباب الذين ينكبون على أجهزتهم الذكية لما يصل إلى 20 ساعة يوميا لا ينفصلون عن تلك الشاشات.

عيادات عالية التكاليف

وقد اشتهرت عيادة تدعى “بارادايم” تحديدا من بين تلك العيادات وهي تفتح أبوابها للمراهقين بداية من أعمار الـ12 عاما وحتى الـ18 عاما والذين استشعر آباؤهم شدة تعلقهم بشبكة الإنترنت فقرروا علاجهم قبل أن يتفاقم الأمر أكثر من ذلك، وتتميز هذه العيادة بأنها مكان مريح للأعصاب، حيث تحيط بمبناها الفاخر الحدائق كثيرة الأشجار، والتي تغطيها الكاميرات والدوائر التلفزيونية المغلقة، وتقع على تلة عالية وربما الأعلى في وسط مدينة سان فرانسيسكو، والتي تبعد عنها لـ30 كيلو مترا فقط بولاية كاليفورنيا الأمريكية.

ولا يمكن الوصول لهذا المبنى الفخم إلا بالسيارة فلا تجد أي لافتات تدلّك على كينونة هذا المبنى تعلق على مدخله، كما لا توجد أي أرصفة بجانب هذا الطريق المتعرج الذي يؤدي بك في النهاية إلى بوابة تلك المبنى.

وتستمر فترة العلاج على أقل تقدير لمدة 45 يوما، وربما تصل إلى 60 يومًا تحدد حسب عدة عوامل متعلقة بالمريض مثل درجة إدمانه التي تؤدي بدرجة ما إلى مستوى الاكتئاب الذي يعانيه، وكذلك مدى معاناته من القلق والعنف، وتقتصر تلك العيادة على علاج ما لا يزيد عن 8 أشخاص فقط يتم علاجهم لتبدأ مجموعة أخرى حتى يتم التركيز بدرجة عالية مع هؤلاء المرضى لعلاجهم بنجاح.

وربما هذه العناية الفائقة مع تحديد عدد ضئيل من المرضى لاستضافتهم للعلاج بتلك الدار هو ما جعل أسعار الإقامة فيها، ولو لليلة واحدة، يتكلف الكثير، وهو ما يوازي تلك الخدمات الفاخرة التي تمنحها الدار مثل توفير جاكوزي خصص له مكان يطل على خليج سان فرانسيسكو ومثلها من بعض الخمات مما جعل تكلفة الليلة الواحدة تصل إلى 1,633 دولار.

وهناك غير مسموح على الإطلاق استخدام الشاشات الذكية سواء كانت الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، وكذلك أجهزة الكمبيوتر المحمولة، غير أنه يسمح باستخدام الإنترنت أثناء الحصص الدراسية فقط.

وخلال هذه الحصص الدراسية لا يمكن للمريض أو الطالب- كما يطلق عليه أثناء تعلمه لكيفية التعامل مع شبكة الإنترنت- أن يفتح أي مواقع للتواصل الاجتماعي، أو تطبيقات الرسائل الفورية، أو أيًا من المواقع الإباحية.

وربما يتشابه البرنامج اليومي الصارم لكل المواعيد اليومية بداية من الاستيقاظ، والدراسة، وتناول الثلاث  وجبات الغذائية، والمشاركة في جلسات العلاج سواء كانت الفردية أو الجماعية مع نظيره المتبع في حالة علاج مدمني المخدرات.

وتعمل عيادة “بارادايم” على إعادة تأهيل المراهقين أو “إعادة برمجتهم” بحيث يعودون مرة أخرى إلى ما كانوا عليه بإمكانهم إعادة علاقتهم بوسائل التكنولوجيا، وكذلك إعادة  بناء قاعدة اتصالاتهم مع الأصدقاء وأفراد العائلة، بالإضافة إلى العودة إلى دراساتهم ومهامهم الخاصة بهم دون الاتصال بشبكة الإنترنت.

وتصف مديرة عيادة بارادايم دانييل كوفاك، هذا البرنامج الذي تتبعه العيادة لعلاج الأطفال والمراهقين بأن القاعدة الأساسية فيه هو تحقيق الانفصال عن شبكة الإنترنت.

وتضيف “يكون الامر حقًا رائعًا بعد أن يمر هؤلاء الأطفال بمرحلة إعادة التأهيل، فيشعرون بالامتنان بعد قضاء فترة العلاج لتسمع منهم كلمات الشكر والثناء لأنك ساعدتهم للخروج من دائرة قضاء معظم أوقاتهم على هواتفهم المحمولة أو أجهزتهم الذكية والسماح لهم بالتركيز على أنفسهم مرة أخرى.

اختلافات المختصين

وإلى الآن لم تعترف الولايات المتحدة على المستوى الرسمي بأن إدمان الإنترنت مرض، حيث إن من أطلق عليه هذا المصطلح للمرة الأولى هو طبيب نفسي  عام 1995 في نيويورك.

وهو ما جعل هناك فريقين من المختصين ينقمسون حول الاعتراف بإدمان الإنترنت كمرض فرأى أحد الفريقين أن إدمان الإنترنت هو مؤشر أو عرض لأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو جنون العظمة، في حين رأى الفريق الآخر أنه مرض مستقل، وأن إدمانه مثل إدمان المخدرات والكحوليات.

وقد تم الاعتراف رسميًا بإدمان الإنترنت في عدة دول أخرى منها أستراليا والصين وإيطاليا واليابان.

كما أولت كوريا الجنوبية اهتمامًا خاصًا بإدمان الإنترنت الذي اعتبرته “قضية صحية عامة”، وتوفر له العلاج بمستشفياتها الحكومية.

أما في العيادات الخاصة مثل عيادة “بارادايم” فإن الاعتراف الرسمي بهذا المرض لا يقف عائقا أمام تقديم العلاج لهؤلاء المراهقين ويعتقد الأطباء المختصون أو القائمون على العلاج فيها بأن استخدام الإنترنت بشكل مبالغ فيه من شأنه أن يؤثر على الحالة النفسية للشخص ويجعله مكتفيًا بعلاقاته بهذا العالم الافتراضى ويهرب من علاقاته الحقيقية التي من المفترض أن يقويها.

وتوضح كوفاك مدير العيادة أن العائلات تلجأ إلى تلك العيادة بعد أن تفشل في تعديل سلوك الأبناء الذين لم يعودوا يتمكنون من تناول حتى وجبة واحدة معهم لأنهم يعتكفون على استخدام سناب شات دون الالتفات إلى الأنشطة الأسرية.

وتؤكد كوفاك أن أولى تأثيرات إدمان الإنترنت تبدأ بالعلاقات الاجتماعية والأسرية، وكذلك علاقات المدرسة وتظهر أولى العلامات بانخفاض  الدرجات الدراسية، حيث يقضي الأطفال والمراهقون معظم أوقاتهم في الاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن أوقات نومهم نفسها تتأثر سلبا مما يؤدي إلى عدم القدرة على التركيز في الأداء المدرسي، وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى تسربهم من التعليم بالفعل.

وتضيف كذلك إلى أهمية وضع حدود لاستخدام هذه الأجهزة مثل الامتناع من الاطلاع عليها قبل النوم أو أثناء الوجبات، وكذلك أثناء اليوم الدراسي، وربما تعكس بعض السلوكيات الجديدة علامات تحذيرية مثل تقلب المزاج والعزلة والكذب.. الخ.

وقد يتم تصميم غرف العيادة لتتسم بالاتساع بالإضافة إلى فخامتها، ولكن ذلك كان عمدًا حتى يشعر الأطفال المحتجزون بالوحدة التي قد تؤثر على مشاعرهم، وبالتالي قد يشعروا بنفس المشاعر تجاه زملاء لهم في غرف مجاورة مما يدفعهم لمساعدة بعضهم البعض، وتساعد العيادة المرضى المتعافين، وكذلك أولياء أمورهم باتباع بعض الأنشطة لكي يتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية.

كما تشير إلى ضرورة فصل شبكة الإنترنت لوقت كافٍ حتى يواصلوا الاستمرار على ما تم تعلمه بالعيادة من أن هناك حدودًا لاستخدام الإنترنت في الممارسات التالية.