في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بدأت وسائل الإعلام الإماراتية في الإعلان عن قرارات تنص على حظر إصدار تأشيرات العمل والسياحة في الـ إمارات العربية المتحدة على 13 دولة ذات أغلبية مسلمة، من بينها هذه أفغانستان والجزائر وإيران والعراق وكينيا ولبنان وليبيا وباكستان والصومال وسوريا وتونس وتركيا واليمن.

إمارات

وعلى الرغم من أن فيروس كوفيد-١٩ كان هو المبرر الرسمي لإمارة أبو ظبي لإيقاف إصدار التأشيرات لمواطني هذه الدول، كانت هناك عوامل جيوسياسية أخرى متعلقة بسياسات الإمارات الخارجية تجاه تركيا وإسرائيل يعتقد بعض الخبراء أنها ذات صلة.

على مدى عقود، جاء مواطنو بعض هذه الدول مثل إيران ولبنان وباكستان إلى الإمارات بأعداد كبيرة للعمل والمساهمة في تنمية البلاد، لهذا قوبل هذا القرار الذي أُعلن عنه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني بالكثير من الانتقادات، وانشغل العديد من المحللين في مناقشة وتحليل العوامل التي أدت إلى فرض “حظر على المسلمين” كما وصفه خالد بيضون- أستاذ القانون والخبير في “الإسلاموفوبيا” خالد بيضون.

وجد المحللون أن هناك تفسيرات ونظريات مختلفة لفرض مثل هذا الحظر الذي اعتبروه غير مبرر بصورة كافية، فالحديث عن مخاوف فيروس كورونا لم يكن مقنعاً بالنسبة إليهم، خاصة وأن وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي، خالد عبد الله بلهول، التقى مع فؤاد دندن، سفير لبنان لدى الإمارات، وأوضح أن دولة الإمارات “تمر حاليًا بمرحلة التعافي من جائحة فيروس كورونا المستجد قبل انتقالها التدريجي إلى استئناف الحياة الطبيعية وجميع الأنشطة “، ما يعني أن استخدام تفشي كورونا كحجة أساسية أمر بعيد عن الواقع.

حتى لو كانت هناك عوامل صحية عامة تدفع الإماراتيين إلى رفض منح تأشيرات لجنسيات معينة، فلا أحد ينكر أن الاعتبارات الأمنية لها تأثير على عملية صنع القرار في الإمارات، وبالتالي، يرجح وهو الخبراء أن قرار حظر التأشيرات كان ذا صلة كبيرة بأسباب أمنية.

كدولة خليجية مستقرة في منطقة مضطربة، يبذل الحكام الإماراتيون جهودًا كبيرة للحفاظ على سيطرة محكمة على بلادهم، لهذا فإن وجود الأجانب المشكوك في ولائهم للعائلة المالكة في الدولة يُعد سبب رئيسي لزعزعة اطمئنان الحكام، خاصة إن كانوا من دول لا تتمتع بعلاقات جيدة مع الإمارات، لاسيما بعد التدخلات العسكرية الإماراتية في ليبيا والحروب الأهلية في اليمن، ودعم حملة “الضغط الأقصى” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران، والسياسة الخارجية المعادية لتركيا ، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر اتفاقيات إبراهيم ودعم تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للجدل حول الإسلام والمسلمين.

في السنوات الأخيرة، شهدت بعض هذه البلدان الثلاثة عشر تصاعد الخلافات الجيوسياسية مع أبو ظبي، خصوصاً مع تركيا، التي يرى بعض الخبراء أنها في حالة “حرب باردة” مع دولة الإمارات، حيث يمتلك كلا الطرفين أجندة مختلفة تماماً فيما يتعلق بالسياسات والمصالح الخارجية، كالتواجد في ليبيا، والقرن الإفريقي وسوريا.

من ناحية أخرى، ترى القيادة في أبو ظبي أن التحالف التركي القطري هو التهديد الأول لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعليه تعمل مع العديد من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتكوين تحالف مناهض لتركيا.

أما في أنقرة، فهناك حالة من التوافق على أن الإمارات العربية المتحدة كان لها يد في مؤامرة الانقلاب الفاشلة لعام 2016، وهي حلقة من المرجح أن تسهم في التوترات في العلاقات التركية الإماراتية لسنوات عديدة قادمة.

شهدت باكستان أيضًا أوقاتاً عصيبة في علاقتها مع دولة الإمارات، يرجع ذلك -بحسب الخبراء- إلى مجموعة من العوامل، أبرزها شراكة إسلام أباد وأنقرة المتنامية، ورفض باكستان الانضمام إلى الكتلة المناهضة لقطر، وعدد من القضايا الأخرى التي تتمحور في عدم انسياق القيادة الباكستانية إلى الأجندة الإماراتية.

في ديسمبر/كانون الأول 2020، قال عدنان عامر، أحد المساهمين في شركة Nikkei Asia ، إن العمال الباكستانيون هم من يدفعون ثمن الخلافات السياسية بين بلدهم باكستان وبين قطبي الخليج الكبيرين، في إشارة إلى السعودية والإمارات.

وأكد عامر معلقاً على قرار حظر إصدار التأشيرات للباكستانيين ولمواطني الـ12 دولة الآخرين، أنه لا يعتقد أن المخاوف المشروعة بشأن انتشار COVID-19 كانت السبب الحقيقي وراء هذا القرار، مضيفاً أن الإمارات تعللت بأن قدرة الدولة في باكستان على احتواء الفيروس ضعيفة، لافتاً إلى أن الاجراءات الهندية المتبعة في التعامل مع الوباء لا تختلف كثيراً عن تلك المتعبة في باكستان “فلماذا لم يفرض الإماراتيون مثل هذا التقييد على الهنود” مما يعني أن العوامل “غير الصحية” كانت هي الدافع الرئيسي وراء القرار.

في سياق متصل، يرى الخبراء أن رفض باكستان احتضان إسرائيل كان له تأثير كبير على المسؤولين الإماراتيين لاتخاذ ذلك القرار، وهو ما تم إيضاحه في مقال نشرته صحيفة OpIndia في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث أشار المقال إلى أن الإماراتيين “منحوا” سفارة لإسرائيل في عيد استقلال باكستان، ما يرجح الفرضية القائلة بأن الإمارات العربية المتحدة قد فرضت حظرًا على تأشيرة الدخول لباكستان بسبب موقفها المعادي لإسرائيل، خاصة أنه صدر مباشرة بعد توقيع الدولتين (الإمارات وإسرائيل) على اتفاقية الإعفاء من التأشيرة، مما يسمح لمواطني الدولتين الدخول إليهما دون الحاجة إلى تأشيرة.

على الرغم من عدم وجود دليل ملموس على أن موقف باكستان المناهض لإسرائيل هو الأساس لقرار حظر التأشيرات هذا، فلا جدال في أن الإمارات العربية المتحدة تمارس ضغوطًا على الدول ذات الأغلبية المسلمة الفقيرة لتتبع خطى أبو ظبي فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بصورة كاملة مع الدولة العبرية.

من الجدير بالذكر-وفقاً لمصادر مطلعة- فأن الإمارات العربية المتحدة لم تكن هي الدولة الوحيدة التي ضغطت على باكستان لتكوين علاقات رسمية مع إسرائيل، بل اتبعت السعودية ذات النهج أيضاً.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا