العدسة – ياسين وجدي :
في استطلاع جديد ينشره معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى حول المنطقة، وبالتحديد هذه المرة عن المملكة العربية السعودية بعد مصر والإمارات ، ذهبت نسبة الربع لحفاظها على التعاطف مع حركة الاخوان المسلمين ، فيما زدات النسبة إلى 28 % بالنسبة للنظرة الايجابية إلى حركة حماس ، كما تفوق الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان على نظيره الأمريكي في السعودية بنسبة 25-30 % مقابل 9% لدونالد ترامب.
انه استطلاع نادر ومهم بحسب وصف المعهد يسلط الضوء على منحنيات جديدة في المزاج العام السعودي ، وهو ما نستعرضه .
الربع مع الإخوان !
في التقرير الذي حرره ديفيد بولوك زميل أقدم في معهد واشنطن والذي يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، ووصل العدسة ، قال المعهد :” أظهر استطلاع جديد ونادر للرأي العام في المملكة العربية السعودية قلقًا شعبيًا واسعًا حول الفساد والمشاكل الداخلية الأخرى مع وجود بعض البوادر التحذيرية الكامنة تحت السطح نتيجة عدم الارتياح”.
وأوضح المعهد أن هذه النتائج مأخوذة من دراسة استقصائية تجارية أجرتها إحدى الشركات الإقليمية المرموقة في نوفمبر 2017، وتتألف من مقابلات شخصية أجراها مهنيون محليون وجهًا لوجه مع عينة وطنية تمثيلية من ألف مواطن سعودي. لقد تم ضمان عدم الكشف عن هوية المستطلعين، ولم يتم الإبلاغ عن أي تدخل أو ترهيب، على الرغم من رفض نسبة صغيرة من الأسماء العشوائية المشاركة، كما أخِذت العينات باستخدام تقنيات الاحتمالية الجغرافية القياسية، ما أسفر عن هامش خطأ إحصائي قدره 3 بالمائة تقريبًا.
وأكثر ما يثير القلق بالنسبة للقصر بحسب وصف المعهد هو أن ربع السعوديين، وهي النسبة نفسها كما في العام الماضي، ما زالوا مستعدين للتعبير عن تعاطفهم مع جماعة “الإخوان المسلمين”، وهو ما اعتبره معهد واشنطن يتوازى مع أحدث النتائج المستخلصة من الاستطلاعات التي أجريت في مصر.
وقال تقرير المعهد :” في الواقع، إن هذه النتائج جديرة بالذكر لأنه قد تم حظر جماعة “الإخوان المسلمين” على مدى السنوات القليلة الماضية باعتبارها منظمة إرهابية، كما تتعرض للتشهير بصورة روتينية من قبل جميع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، في كلا هذين البلدين العربيين الكبيرين”.
وأضاف المعهد أن 28 في المائة من السعوديين يتخذون موقفًا “إيجابيًا نسبيًا” تجاه “حماس” المحسوبة على جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين ، والتي وصفها المعهد بأنها ترفض السلام مع الكيان الصهيوني.
وتعتبر أقلية من السعوديين أن العلاقات الجيدة مع واشنطن “مهمة نسبيًا” بالنسبة لبلدهم، وتفيد النسبة نفسها تقريبًا بالرأي ذاته عن العلاقات مع روسيا، أو مع العراق.
وتفوق الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان على نظيره الامريكي في الاستطلاع، حيث حظى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحسب بتأييد إيجابي من قبل 9 في المائة فقط من السعوديين – تمامًا مثل الرئيس الروسي بوتين، أي أقل بكثير من النسبة التي تبلغ 25 إلى 30 في المائة والتي يحظى بها الرئيس الصيني شي، أو حتى الرئيس التركي أردوغان، الذي يعتبر منافسًا إقليميًا آخر للمملكة العربية السعودية وفق تأكيد معهد واشنطن.
وبحسب الاستطلاع فإن 12٪ من السعوديين يفضلون أن “تحدّ الولايات المتحدة من تدخلها في المنطقة”.
الفساد مستشري!
وأوضح المعهد أنه بشكل ملحوظ، ولا سيّما في ضوء حملة “مكافحة الفساد” الرسمية التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، تقول أغلبية كبيرة من المواطنين السعوديين – 63 بالمائة – إن حكومتهم لا تزال تفعل “القليل جدًا” لـ “الحد من مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية”.
ويعكس هذا المؤشر بحسب الاستطلاع حالة عدم الرضا الشعبي – على الرغم من أنه من الصعب معرفة ما إذا كان هذا يدل على رغبة الحكام في شن حملات قمعية أكثر قسوة، أم انهم سيعملون على تطهير وإصلاح بيوتهم، وأحد الدلائل على ذلك أن هناك أكثرية (41 في المائة) ترى أن المسؤولين السعوديين لا يقومون بما يكفي في ما يتعلق بـ ” تقاسم عبء الضرائب والالتزامات الأخرى تجاه الحكومة بطريقة عادلة”.
وعلاوة على ذلك، فإن الأكثرية الضيقة (36 في المائة)، تقول إن الحكومة السعودية لا تفعل سوى “القليل” في ما يخص “حماية حريات وخصوصية المواطنين الأفراد”، أمّا باقي الجمهور فينقسم بشكل كبير حول هذه المسألة: 32 في المائة يقولون إن الحكومة تفعل “ما يكفي” من أجل حماية حقوق الأفراد، في حين أن 28٪ يقولون إنها تفعل “أكثر من اللازم”، ما قد يعني عدم إنفاذ المحرمات الاسلامية والمحرمات الاجتماعية الأخرى بما فيه الكفاية.
وبحسب معهد واشنطن تفسر هذه الآراء المختلطة سبب موافقة الغالبية العظمى من السعوديين (79 بالمائة) على أن “الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي هو أكثر أهمية بالنسبة إلى بلدنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية”.
وحول طبيعة الاصلاح تنقسم المواقف الشعبية السعودية انقسامًا عميقًا بحسب المعهد ، حيث يقول الربع، الذي حافظ على موقفه منذ سنة خلت، “علينا الإصغاء إلى من هم بيننا الذين يحاولون تفسير الإسلام في اتجاه أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة”، في حين يختلف ثلاثة أرباعهم، ومن بينهم 39 في المائة ممن يخالفونهم الرأي بشدة.
ورأي المعهد أن الصورة تبدو أكثر إشراقًا عندما يتعلق الأمر بـ “تعزيز المساواة وتكافؤ الفرص بالنسبة للنساء”، حيث يعتقد ربع السعوديين أن حكومتهم لا تفعل سوى “القليل جدًا”. في حين يقول النصف إنها تفعل “ما يكفي”، أمّا الربع المتبقي فيقول إن المملكة تفعل الآن “أكثر من اللازم” في هذا الشأن.
الكيان الصهيوني وايران!
وفي ما يتعلق بقضية السلام مع الكيان الصهيوني المحتل ، يرى المعهد أن هناك تطور في الرأي العام السعودي بالتوازي مع السياسة الرسمية، حيث في الواقع، لقد تراجعت القضية برمتها من حيث الأولويات الشعبية، واختار 20٪ فقط أن يكون الضغط بقوة لحل النزاع الفلسطيني الصهيوني أولوية قصوى بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، فيما تتمتع قضيتان أخريان بمكان الصدارة: “زيادة المعارضة العملية على تأثير إيران الإقليمي وأنشطتها”، و”بذل المزيد من الجهود لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن”.
ولكن عندما يكون التركيز على القضية العربية الصهيونية قال المعهد :” إن السعوديين يرددون الآن الخط الرسمي المعتدل نسبيًا، وكما كان الحال في استطلاعنا لعام 2017، فإن ثلثي السعوديين يوافقون على أنه “يجب على الدول العربية أن تؤدي دورًا جديدًا في محادثات السلام الفلسطينية الصهيونية ما يمنح الطرفين الحوافز لاتخاذ موقف أكثر اعتدالًا”.
وقبل البدء بأي اتفاق سلام، تعتبر نسبة قليلة جدًا من السعوديين – 20 في المائة فقط – أن “الدول العربية يجب أن تعمل مع الكيان الصهيوني على قضايا أخرى مثل التكنولوجيا، ومكافحة الإرهاب، واحتواء إيران.
أما في السياسة الخارجية، فإن الجمهور السعودي أكثر توافقًا مع حكومته في عدد كبير من القضايا الرئيسية: العداء تجاه إيران، و”حزب الله”، والحوثيين في اليمن، والموافقة من حيث المبدأ على صنع السلام مع إسرائيل.
وفي ما يتعلق بإيران، فإن نسبة 11٪ فقط من السعوديين يرون حتى أنه من “المهم نسبيًا” إقامة علاقات جيدة مع هذا البلد المجاور في الطرف المقابل للخليج. وبالمثل، يحصل “حزب الله” على تصنيفات سلبية من قبل 90 في المائة من الجمهور السعودي، ومن بينهم 71 في المائة ممن يعبرون عن وجهة نظر “سلبية جدًا”. أما الحوثيون في اليمن، الذين تواصل المملكة العربية السعودية خوض حرب دموية ضدهم، فقد صُنّفوا سلبًا من قبل 93 في المائة من السعوديين – بمن فيهم ثلثان يعبرون عن وجهة نظر “سلبية للغاية” بحسب وصف المعهد.
ويبرز المعهد في تقريره ” أن صنع السلام مع الكيان الصهيوني بحسب الاستطلاع قد لقي قبول على نطاق واسع، أو على الأقل كتوجه طويل الأمد، وبشكل عام، يبدو أن الجمهور السعودي قد أصبح أكثر توافقا مع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية لحكومته أكثر من توافقه معها في ما يتعلق بالأجندة الداخلية”وفق ما رصد المعهد.
اضف تعليقا