العدسة – ياسين وجدي:

كشف موقع معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض عن نتائج استطلاع موثق حول مصر ، أكدت أنه لا يزال ثلث المصريين يميلون إلى جماعة الإخوان المسلمين بالتزامن مع رفض أغلبية المصريين للسياسيات الاقتصادية والاجتماعية الحالية وتصاعد الاستياء ضد عبد الفتاح السيسي رأس النظام الحالي ومدبر الانقلاب العسكري في العام 2013 .

وبحسب ديفيد بولوك الخبير البارز في  معهد واشنطن والذي يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، فقد كشفت نتائج جديدة لاستطلاع  رأي حصري موثوق عن مواقف شديدة  التباين سواء حيال توجه البلاد المحلّي أو حيال شركائه الخارجيين ، وهو ما نستعرضه.

لازال للإخوان شعبية !

هذه النتائج التي نشرها “بولوك ” في تقرير مطول نشره المعهد هي من استطلاع تجاري أجرته شركة متخصصة إقليمية في نوفمبر من خلال إجراء مقابلات وجهًا لوجه مع عينة تمثيلية على الصعيد الوطني ضمت ألف مصري، واستخدم الاستطلاع تقنيات أخذ عينات متعددة الاحتمالات الجغرافية مع هامش خطأ إحصائي يبلغ نحو 3 في المائة وشملت العينة الإجمالية 94 في المائة من المسلمين و6 في المائة من الأقباط المسيحيين.

 

وقال “بولوك ” في تقريره الذي وصل “العدسة” :” تشير نقطة البيانات التي تسترعي الاهتمام الأكبر في هذا الاستطلاع إلى أن 33 في المائة من المصريين المسلمين لا يزالون يعربون عن رأي “إيجابي نوعًا ما” حيال “الإخوان المسلمين” (بمن فيهم 6 في المائة لديهم “رأي إيجابي جدًّا” حيالها) وتبقى هذه هي الحال حتى رغم حظر الجماعة باعتبارها منظمة “إرهابية” وخضعت للذم المستمرّ من وسائل الإعلام خلال السنوات الخمس الماضية. ولم تتغير النسبة تقريبًا منذ الاستطلاعين السابقين في 2015 و2017.

وأضاف قائلا  :” علاوةً على ذلك, تتبنى النسبة نفسها من مسلمي مصر، أي الثلث، موقفًا إيجابيًا حيال حركة “حماس” التي تعتبر على نطاق واسع كفرع “الإخوان” الفلسطيني. وتساهم هذه النتائج، التي تختلف إلى حدّ كبير عن السياسات الرسمية، في شرح انشغال الحكومة المصرية بالاستقرار الداخلي وضبط الوضع فوق كل اعتبار. في الوقت نفسه، تشير إلى أن المعارضة الإسلامية العلنية لنظام الرئيس السيسي لن تحظى بدعم أغلبية الشعب”.

 

لكن نسبة أكبر حتى من المصريين، بحسب التقرير ،تقدر بحوالى النصف منهم، تعبر عن عدم رضاها عن السياسات الرسمية بشأن مجموعة من المسائل الداخلية الأخرى، حيث فتقول 49 في المائة إن حكومتها لا تبذل جهدًا كافيًا لـ”خفض مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية”، وينطبق الأمر نفسه على “مشاركة أعباء الضرائب وغيرها من الموجبات تجاه الحكومة بطريقة عادلة”، حيث أن نسبة 48 في المائة ترى أن الجهد الرسمي المبذول غير مناسب. وتقول نسبة موازية تقريبًا، 43 في المئة، إن القاهرة مقصرة لجهة “حماية الحريات وخصوصية المواطنين”.

وعلى نطاق أوسع، فإن الأغلبية الأكبر، أي 84 في المائة، توافق على أنه “في الوقت الراهن يعتبر الإصلاح الداخلي السياسي والاقتصادي أهم لبلدنا من أي قضية سياسة خارجية”، وقد بقيت هذه النسبة على حالها مقارنة مع الاستطلاع السابق قبل عام. وتجلى الانعكاس على السياسة في أن استقرار مصر السياسي يعتمد أكثر على التطورات الداخلية أكثر من الخارجية، حتى إن كانت هذه الأخيرة تميل إلى الحصول على المزيد من تغطية وسائل الإعلام الخارجية وربما أيضًا على اهتمام رسمي.

 

وأوضح الاستطلاع أن نسبة 12 في المائة فقط تريد علاقات جيدة مع إيران, ونسبة أدنى حتى، أي 5 بالمئة فقط، لديها نظرة إيجابية حيال “حزب الله”. وفي تناقض صارخ، تريد أغلبية ساحقة (71 في المئة) أن تضطلع الدول العربية بدور بنّاء في تعزيز الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني.

وتشير هذه النتائج إلى استياء شعبي ملحوظ من الإدارة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية. لكن مرة أخرى، يبقى عدم الرضا الشفهي أو المعارضة الصريحة  دون مستوى الأغلبية.

وتقول أكثرية (47 في المائة) بحسب التقرير :”  إن السياسات الحكومية “تبدو صائبة” يتعلّق “بتعزيز الفرص والمساواة للنساء”. في هذا الخصوص, يعتقد أكثر من ثلث المصريين بقليل، من المسلمين والمسيحيين على السواء، أن حكومتهم تبذل فعليًا “الكثير”.

 

السياسية الخارجية

في المقابل، وفي ما يتعلّق بمسائل السياسة الخارجية المختارة، فالرأي العام بحسب الاستطلاع  يجد أن أداء الحكومة المصرية أفضل، حيث يعتبر نصف المصريين أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة “مهمة” لبلدهم. مع ذلك فإن رأي 7 في المائة فقط جيد إزاء الرئيس ترامب، وأقلية فقط، أي 18 في المائة، تقول إنها تفضل “أن تقلّص الولايات المتحدة تدخلها في المنطقة”.

على سبيل المقارنة، تقول نسبة أقل إلى حدٍّ ما (38 في المائة) إنّه من المهم أن يكون لمصر علاقات جيدة مع روسيا،  وتعبّر نسبة 8 في المائة فقط عن نظرة إيجابية إزاء الرئيس بوتين، رغم الاتفاقات والاجتماعات الرفيعة المستوى. فضلاً عن ذلك، وبالنسبة إلى إيران، تتفق آراء الشعب مع موقف الحكومة العدائي: فقط 12 في المائة من المصريين يعتبرون أنه من “المهم إلى حدٍّ ما” أن يحافظ البلدان على روابط جيدة. ونسبة أقل هي 5 في المائة فحسب تعبّر عن ميل إلى “حزب الله” حليف إيران.

وعلى صعيد القضية العربية–الصهيونية  لا تزال الأغلبية الساحقة من المصريين تعبّر عن آراء تتماشى مع دعم القاهرة المتحفظ لعملية صنع السلام، وترى نسبة 72 في المائة، وهي نسبة لم تتغير بالمقارنة مع العام الماضي، بحسب التقرير  أنه “يجدر بالدول العربية أن تلعب دورًا جديدًا في محادثات السلام الفلسطينية–الصهيونية مع تقديم محفزات للجانبين لتبني مواقف أكثر اعتدالاً”،  ولكن إلى حين تحقيق المزيد من التقدم، تريد أقلية فقط من العرب أن “يتعاونوا مع إسرائيل في قضايا أخرى على غرار التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران”، و25 في المائة، وهي نسبة تناهز تلك المسجلة العام الماضي.

ولا يزال قلق الشعب المصري حيال القضية الفلسطينية، رغم أنها لا تحتل سلّم أولوياته عمومًا، أكبر مما هو عليه في أوساط الشعوب العربية الأخرى الأبعد، لاسيما في الخليج،  وعند سؤالهم عن أولوياتهم القصوى بحسب التقرير على صعيد السياسة الأمريكية في المنطقة اختارت أكثرية (33 في المائة) من المصريين “بذل جهود أكبر في الصراع الفلسطيني-الصهيوني “. وفي المرتبة الثانية، أي 22 في المائة، أتت “قضية زيادة المساعدة الأمريكية في مواجهة الإرهاب الجهادي” وصف توصيف مزعوم للاستطلاع ، تلتها بفارق كبير مسألة بذل جهد أكبر لحل الحرب الأهلية اليمينية أو للتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة.