العدسة – ياسين وجدي:

في حادثة اختفاء الكاتب السعودي البارز جمال خاشقجي كان الصمت العربي يتصدر المشهد وكان الحراك غربيا مميزا بحسب رصد “العدسة”.

المقدمة الصامتة احتلت فيها مصر والامارات والبحرين موقع الصدارة ، فيما حافظت دول كقطر وفلسطين والكويت على الضمير العربي بدعم الحقيقة.

لماذا إذن الصمت في بلدان العرب خاصة دول التحالف مع الكيان الصهيوني أو ايران ، لماذا لم نسمع لـ”هتيفة” الأنظمة ركزا ولا همسا ، انها أسئلة مشروعة نحاول الاجابة عنها في هذا التقرير.

 القتل خارج اطار القانون !

لم يكن خاشقجي حالة خارج المألوف العربي الحالي ، ولكن مكانته وقلمه وصندوق معلوماته بحسب مراقبين وضعوه في الصدارة ليتحدث عن النموذج الرائج في الوطن العربي الآن .

ففي مصر وبات قتل المعارضين في مصر نموذجا للافلات من العقاب ، بحسب المراقبين ، بسبب عدم محاسبة المتورطين في مذابح كثيرة كفض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية في اغسطس 2013 ارتقى فيها الالاف ، أو القتلى تحت الاهمال الطبي في السجون المصرية والذين قدر عددهم في يناير 2018 بـ”623″ كان من بينهم رموز سياسية بارزة كمحمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للاخوان المسلمين و عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر.

 

ولم يطال الموت المصريين المعارضين فقط ، بل لازالت القاهرة تحت الملاحقة بسبب تورط الأجهزة الأمنية في قتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني بعد اخفاء قسري.

ولازال الاخفاء القسري للصحفي رضا هلال، أحد صحفيي مؤسسة الأهرام الرسمية منذ العام 2003  حديث الساعة حيث لم تفك الجهات الأمنية المصرية شفرات الاختفاء، إلا أن الحديث متواتر عن مقتله بتعليمات من وزير الداخلية المصري الاسبق حبيب العادلي.

وتواصل السعودية والامارات التورط في جرائم حرب في اليمن ، ووفق منظمة هيومان رايتس ووتش فإن التحالف السعودي الاماراتي قام بالعديد من جرائم الحرب وتستر على كثير منها.

وفي سوريا تورط نظام بشار الاسد منذ  العام 2011 في انهاء حياة أكثر من 350 ألف قتيل فضلا عن تهجير نحو نصف السكان، فيما نفذ الاعدام فيما لا يقل عن 13 ألف شخص من 2011 إلى 2015 ، وفق منظمة العفو الدولية ، وبدورها قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان،أن هناك نحو 82 ألف حالة اختفاء قسري على يد النظام منذ مارس 2011 حتي 2015 ، تعرض منهم 50 ألفاً للقتل حتى العام 2016.

وفي البحرين قتل نظام حمد بن خليفة المئات من الانتفاضة التي قام بها المعارضون الشيعة في العام 2011 ، ولم يتم محاسبة أحد حتى تاريخه ، وتصاعد الاجرام بحسب مركز البحرين لحقوق الإنسان حيث تواصلت ممارسات السلطة في البحرين باستهداف ذوي ضحايا القتل خارج إطار القانون وبات العديد منهم رهن الإعتقال.

وفي اليمن شارك التحالف السعودي الاماراتي في قتل الالاف ، وبحسب احصائية حديثة منتصف هذا العام فقد  بلغ عدد الضحايا المدنيين بشكل مباشر نتيجة الحرب 3850٠ قتيل وجريح ومعاق منهم 2949 طفلا و 2060 امرأة، 8979 رجلا، كما  توفي  ٢٩٦٨٣٤ جراء الحرب بشكل غير مباشر، و 247000 طفل توفوا بسبب سوء التغذية و176٠0 حالة وفاة بسبب عدم القدرة على السفر للعلاج و 1200 حالة وفاة بسبب الفشل الكلوي و 2236 حالة وفاة بسبب الكوليرا و 450 حالة إجهاض.

الاخفاء والملاحقة

ملاحقة المدافعين عن حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير ، جريمة منتشرة في الوطن العربي، خاصة في دول الحصار الأربعة ، وبحسب آخر تقرير أممي سنوي صادر في منتصف العام الجاري فإن البحرين ومصر والمغرب والسعودية والامارات يتصدرون القائمة الأممية للمتورطين في انتهاكات ضد الحقوقيين والمدافعين عن حرية الرأي، مؤكدا أن ردود الحكومات في المنطقة كثيرا ما تظهر تدليسا فيما يتعلق بهذه الانتهاكات ، ومستنكرا ما اسماه “الزيادة الحادة” في حالات الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان.

مصر  صدر لها خاصة تقريرا أمميا في سبتمبر الماضي كشف فيه عن تلقي الأمم المتحدة “أكبر عدد من شكاوى الاختفاء القسري في مصر” منذ تشكيل الفريق المعني بحالات الاخفاء القسري في ثمانينات القرن الماضي، بحوالي 173 قضية بموجب الإجراءات العاجلة و14 حالة بموجب الإجراءات العادية.

الامارات هي الأخري ، متورطة في الملاحقات والقمع  وبحسب تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة فإن الإمارات تواصل انتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير والانترنت واعتقال المدونين وإخفائهم قسريا واعتقالهم تعسفيا ومحاكمتهم دون ضمانات المحاكمة العادلة، وسحب جنسية النشطاء السياسيين والحقوقيين والمدونين، وأكدت منظمة كوميتي فور جستس  أن الامارات ترزح تحت سياط انتهاكات حقوق الانسان.

ولم يكن الوضع في البحرين افضل حالا، فالاجندة واحدة ، حيث رصد حقوقيون منذ 2011 بعد مظاهرات المطالبة بالتغيير المحسوبة على الشيعة، قمعا شرسا واعتقالات تعسفية على نطاق واسع والاف الحالات من الاختفاء القسري، فضلا عن القتل عبر الاهمال الطبي في السجون أو عبر الاستهداف الممنهج في المظاهرات قبل توقفها .

ورغم كل ذلك فقد انشغلت الاذراع الاعلامية للأنظمة المستبدة بترويج مغالطات للتشويش علي الحراك المستمر لكشف الحقيقة ، تصدرها كعادته ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي السابق وانضم له أحمد الجار الله الكاتب الكويتي الموالي للسعودية وانور قرقاش وزير الخارجية. الاماراتي.

يقظة وحراك

في المقابل كان هناك يقظة في قطر والكويت والجزائر وفلسطين بجانب الاهتمام الغربي ، وبرز في تنشيط الحراك المحاول لكشف الحقيقة منصات قناة “الجزيرة” من قطر بالتزامن مع صعود نبأ اختفاء “خاشقجي” ليحتل الصدارة في الغرب ، بينما اتفقت ايران والكيان الصهيوني على الصمت المشترك !!

وفي قطر لم تصمت منصات شبكة الجزيرة ، وباتت القضية في الصدراة ، بالتزامن مع مواقف سياسية واضحة، ظهرت في تغطية جريدة الشرق القطرية البارزة ، والتي ابرزت كل المؤشرات والدلائل التي تكشف الجناة السعوديين، وفي الكويت برزت تغطية مكثفة للحدث مع الحديث عن مخاوف من تكرار نموذج “خاشقجي”.
تركيا والحادثة على أرضها تحركت تدريجيا ، وشهد مستوى التصريحات الرسمية صعودا متدرجا وظهرت خطوات قاصمة للظهر السعودي من الجانب التركي مع التسريبات شبه الرسمية للمتورطين في الجريمة التي باتت تتجه للاغتيال بشكل مؤكد.

وتصدر الردود الغربية الموقف الأمريكي الذي تسبب في حراك سياسي داخلي، على خلفية تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرافضة لاستخدام قانون “جلوبال ماجنتسكي لحقوق الإنسان والمساءلة” ضد السعودية بناء علي طلب نواب امريكيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي.

 

وكانت تصريحات الرئيس الامريكي متلاحقة وضاغطة على الجانب السعودية لتقديم اجابات وفق تعبيره على ما جرى ، مع اتصالات من وزارة الخارجية الأمريكية بالجانب السعودي ، ودخول وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على الخط بتأكيده متابعة قضية خاشقجي عن كثب ، وتعليق نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس

الأزمة تصاعدت ، وأخذت ابعاد أكبر مع تهديد السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسي غراهام، للسعودية بأنه في حال صحة  يعتبر في تغريدة أن صحة مزاعم ارتكاب السعودية لأخطاء في اختفاء خاشقجي، سيكون مدمّرا للعلاقات بين البلدين، فيما طالب السيناتور الأمريكي راند بول بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية ، وعلق وزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز دوره الاستشاري بمشروع مدينة “نيوم” السعودي.

ووصفت بريطانيا الاستهداف بأنه “خطير للغاية ، وتعهد وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت، بالتعامل الجدي مع الحادثة ، بعد أن التقى سفير السعودية في لندن محمد بن نواف، للحصول على إجابات عاجلة بحسب وصفه .

وأعربت فرنسا عن قلقها البالغ ازاء الحادثة ، ورغبتها في استيضاح كل شيء في أقرب وقت، وهو ما ذات ما طالبت به ألمانيا على لسان المتحدث باسم الخارجية الألمانية كريستوفر برغر، فيما ألقى المتحدث باسم المفوضية الأوروبية “كارلوس مارتين لويز دي جورديجيويلا”، بالكرة في ملعب السعودية وطالبها بتوضيح مصير خاشقجي.

ستيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أعرب من جانبه عن قلق المنظمة مما حدث ومتابعتها الأمر حتى كشف الحقيقة قبل أن يصرح الأمين العام للأمم للمتحدة أنطونيو غوتيريش بأهمية التعاون السعودي في التحقيقات الجارية  ، بالتزامن مع حراك قوي من خبراء المفوضية السامية لحقوق الانسان الذين أصدروا بيان مشترك نددوا فيها بالقمع في السعودية وطالبوا باجراء تحقيق دولي مستقل وفوري في القضية .