على غرار ما حدث في العام الماضي، وأنتجت أبوظبي مسلسل “المهلب”، لضرب علاقتها بسلطنة عمان من خلال اعتبار أن أصول “المهلب بن أبي صفرة” تعود للإمارات، وبعثت برسائل سياسية على مدار ثلاثين حلقة.
تسعى الإمارات خلال العام الجاري لإنتاج مسلسل تاريخي عن سيرة “الحلّاج”، أحد أشهر أقطاب الصوفية بالعالم الإسلامي.
وكالعادة، أسندت الإمارات مهمة الإشراف الكلي على العمل إلى منتجها ومخرجها الأردني “إياد الخزوز”، الذي وقع خياره على السيناريست السوري “خلدون قتلان”.
ولكن بعد إنجاز عشرين حلقة، فسخ العقد، وأُسندت المهمة إلى الأردني “أحمد المغربي”، على أن يتولى إخراج العمل “شعلان الدبس”.
و”الحلاج”، هو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج، شاعر ومتصوف من أصل فارسي، نال الحلاج شهرة واسعة وأتباعا كُثرا بوصفه معلما، قبل أن يتورط بالدخول في معترك السياسة في البلاط العباسي، فأُعدم بعد التضييق عليه بتهم دينية وسياسية.
ويبرز التوجه السياسي في العمل؛ حيث تعمل الإمارات على تبييض وجه تيار الصوفية كونها الإسلام المعتدل من وجهة نظرها وتقديمها للعرب والمسلمين وللعالم كبديل للسلفية والإخوان المسلمين والتيار الجهادي.
وعن ميول أبوظبي لتصدير شخصية صوفية في إطار مسلسل درامي، قال “خلدون قتلان”، أثناء حواره مع صحيفة الأخبار اللبنانية حول تداعيات تركه العمل، إن “هناك أهداف سياسية وراء تقديم الإمارات لـ”الحلاج”.
وزاد، قائلًا : “يمكن القول إنها عملية تبييض ملفات. فكما يتم تبييض الأموال غير المشروعة، تُغسل أيضا الأفكار وتنظَّف وتقدم في إطار جديد. ربما هي محاولة لتلميع الفكر السياسي الذي دعم في مرحلة ما التطرّف الديني. لكن الزي الجديد لهذا الفكر، لن يفقده معناه ومكوّنه الرئيسي، ما دام لا يذهب إلى جوهر الفكرة لكن يلامسها فقط”.
دراويش في خدمة السياسة
ويأتي إنتاج الإمارات مسلسل “الحلاج”، وسط اهتمام غربي بالطرق الصوفية عبرت عنه مؤسسة “راند” الأمريكية بمطالبتها دعم التيارات الفكرية العربية “الأقرب لمنظومة القيم الغربية”.
وفي صيف 2002، أصدرت “راند” دراسة دعت فيها إلى تأسيس تحالف إستراتيجي مع الصوفية لمواجهة ماوصفته بالتطرف الديني في العالم الإسلامي، تلاها استضافة مركز نيكسون لمؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن، لاستكشاف دور الصوفية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
ومنذ ذلك الحين بدأت عمليّة الحشد السياسي للطرق الصوفية العابرة للحدود، واستطاعت بعض الجهات الدينية المسيسة أن تسكن في دولٍ عربية، كالإمارات التي لا تتوانى في نسب فكر التطرف وحركات التكفير إلى السلفية والوهابية، وغيرها من المسميات التي تمَّ التوافق على نشرها في اجتماع مركز نيكسون.
وشهدت دولة الإمارات العربية المتحدة تغيرات كبيرة بعدما أصبح محمد بن زايد وليا لعهد أبو ظبي، ونائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيسا للمجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي.
وعمل “بن زايد” خلال السنوات العشر الماضية على إدماج الشأن الديني في الأمن الوطني لخلق مرجعية دينية جديدة، وجعل النهج الصوفي جزءا من الهوية الوطنية لجميع إمارات الاتحاد.
واعتمدت الإمارات على مجموعة من العلماء يجمعهم الانتماء لطرق صوفية مختلفة، كما يوحد بينهم الموقف العدائي للفكر السلفي والحركات الإسلامية.
ومن أبرز هؤلاء شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي عكف أثناء رئاسته لجامعة الأزهر على تطهير صفوف هيئة التدريس، معلنا أن “عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعري والماتريدي، وفقهه فقه الأربعة، وتصوف الإمام الجنيد”.
كما يظهر الداعية الأميركي حمزة هانسن من بين من تم استقطابهم من قبل الإمارات، وقد عينه البيت الأبيض مستشارا للعلاقات مع العالم الإسلامي عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وقد طاف عددا من البلدان العربية طلبا للعلم، واعتنق الطريقة النقشبندية.
وفي عام 2005 ظهرت مؤسسة “طابة”، والتي تُعد أقدم مؤسسات التصوف العالمية التي دشنتها أبوظبي، جامعةً فيها رموز الصوفية من الشام والمغرب ومصر واليمن بهدف إنشاء محور سُني معتدل يجابه أتباع محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية والبلدان الإسلامية.
ويقبع “الحبيب بن علي الجفري” على رأس مؤسسة طابة، الذي برز كداعية ناشط في المؤتمرات العالمية منذ الحادي عشر من سبتمبر في القارات الأربعة أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا، وكان ذلك تزامنا مع ما يسمى الحرب على الإرهاب وإنشاء الإسلام المعتدل.
واتسم “الجفري” في بداية ظهوره على الفضائيات المصرية “بتجنبه لمواطن النقد للدول والأنظمة والحكومات، والتطرق للمذاهب والجماعات والفقهاء والعلماء، وهو أسلوب أداره عبر إجاباته الدبلوماسية أو اعتذاره وإعراضه المستمر عن الإجابة عن الأسئلة التي تُقدّم له”.
اضف تعليقا