كتب- باسم الشجاعي:
في السادس من شهر أغسطس لعام 2015، قامت الحكومة المصرية بشق مجرى ملاحي موازٍ للقناة السويس القديمة بطول 35 كيلومترًا، وذلك بهدف تقليص الفترة الزمنية لعبور السفن، والذي يُعرف في مصر باسم مشروع “قناة السويس الجديدة” أو “التفريعة”.
ولكن بعد مرور 3 أعوام على افتتاح “تفريعة قناة السويس”، مازال المصريون يتساءلون عن جدوى هذا المشروع الذي دفعوا فيه 64 مليار جنيه، وماذا حقق لهم، خاصة بعد أن وعدهم قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” وهو وإعلامه ومسؤوليه بأن تدر القناة الجديدة 100 مليار دولار سنويًا.
“العدسة” في التقرير التالي يرصد بالأرقام أين وصلت قناة السويس بعد 3 أعوام من شق “التفريعة”.
وفقًا للأرقام الرسمية، فإن قناة السويس لم تحقق أي تقدم كبير يذكر، بالرغم من أن قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، وعد وقتها بأن تدر القناة الجديدة ستدر 100 مليار دولار سنويًا.
وبالنظر للإيرادات المحققة من القناة في السنوات المالية السابقة التي سبقت شق “التفريعة” كانت حوالي 5.25 مليار دولار في العام المالي 2013-2014 و5.37 مليار دولار في العام المالي 2014-2015.
أما بعد افتتاح التفريعة تراجعت الإيرادات إلى 5.13 مليارات دولار في العام المالي (2015 /2016)، ثم تراجعت مرة أخرى إلى 5.01 مليارات دولار في العام المالي (2016 /2017) قبل أن ترتفع إلى 5.585 مليارات دولار للعام المالي (2017-2018).
وبحسب خبراء فإن الزيادة الأخيرة، ليس لها علاقة بالقناة الجديدة؛ حيث يرى البعض أن ذلك يرجع للتسهيلات التي قدمتها إدارة القناة للوكلاء المعتمدين بدفع مقدم للعبور لشهور مقبلة، مقابل تخفيض الرسوم.
ففي نوفمبر من العام الماضي، قررت هيئة قناة السويس، تخفيض رسوم العبور لناقلات الغاز الطبيعي المسال المحملة والفارغة، التي تعمل بين الخليج الأمريكي وموانئ ومناطق الخليج العربي والهند، بنسب تتراوح بين 30 – 50 بالمئة.
كما سبق وأن منحت “القناة” في عام 2016، تخفيضات لناقلات النفط وسفن الحاويات القادمة من الساحل الشرقي الأمريكي، والمتجهة مباشرة إلى منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا عبر القناة.
أما الرقم المحقق في العام المالي الأخير المنتهي بنهاية يونيو الماضي فهو يزيد بمقدار 584 مليون دولار تقريبا عن العام السابق له الذي كان منخفضا عن سنة الأساس، بينما يرتفع الرقم عن سنة الأساس بمقدار 215 مليون دولار فقط، وتقل إيرادات القناة بصفة عامة عن الارتفاع التدريجي المستهدف أن يصل عام 2023 إلى 13.2 مليار دولار.
وكان من المستهدف، وفقاً لتصريحات رسمية لمسؤولين في القناة، أن تصل الإيرادات إلى 6.018 مليارات دولار في 2015 و6.787 مليارات دولار في 2016 و7.462 في 2017، على أن تصل إلى 8.206 مليارات دولار في نهاية عام 2018.
وهي الأرقام التي لم يتحقق أي منها في أي عام من الأعوام السابقة، وهو ما يشكك بالتبعة في أن يصل دخل القناة بعد 5 سنوات إلى الرقم المستهدف عام 2023 وهو 13.2 مليار دولار سنويا.
كما تكشف الأرقام الرسمية انخفاض عدد السفن التي تمر بالقناة من عام إلى آخر، نظرًا لتراجع حركة التجارة العالمية، ففي الوقت الذي لم تصدر فيه إحصائية مدققة عن أعداد السفن العابرة للقناة في عام 2017، فقد بلغت 16 ألفا و933 سفينة في عام 2016، نزولاً عن 17 ألفا و483 سفينة في عام 2015.
تبرير فشل
وللتغطية على هذه التراجعات، بدأ المسؤولون في مصر بالتوقف عن الإعلان عن إيرادات القناة ثم إعلانها بالجنيه وليس بالدولار؛ حيث عمد “السيسي”، في أغلب أحاديثه عن “القناة” إلى تزوير الأرقام المتعلقة بالإيرادات لتبرير المليارات التي أهدرها على حفر “التفريعة”.
وكان آخرها، ما قاله “السيسي” خلال جلسة “اساءل الرئيس” بفعاليات مؤتمر الشباب الذي عقد بجامعة القاهرة الشهر الماضي، إن “هناك زيادة تترواح ما بين 2 و3 في المائة إلى 5 في المائة في الإيرادات السنوية للقناة، بما يصل إلى 600 مليون دولار سنويًا، ويعادل 14 مليار جنيه، بشكل يغطي تكلفة حفر التفريعة الجديدة، والتي وصلت حينها إلى ما يعادل 8.4 مليارات دولار”.
أما الأرقام الرسمية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تؤكد الأكاذيب التي رددها “السيسي”، إذ بلغت قيمة شهادات الاستثمار المحصلة من المواطنين لحفر “التفريعة الجديدة” نحو 64 مليار جنيه، فضلاً عن أن مبلغ 600 مليون دولار الذي ادعى “السيسي” أنه يساوي 14 مليار جنيه هو أمر غير صحيح، كونه لا يعادل سوى 10.8 مليارات جنيه.
وسبق وأن كشف موقع “العربي الجديد”، عن اتجاه الحكومة في يوليو الماضي لاقتراض 5 مليارات دولار، لسداد التزامات مالية مستحقة على الدولة، منها ردّ قيمة شهادات استثمار قناة السويس البالغ قيمتها 64 مليار جنيه مع حلول موعد استردادها، اضافة لأعباء مالية أخرى.
والملغ الذي تريد الحكومة اقتراضة يعادل نحو 94 مليار جنيه مصري، ما يزيد على قيمة أصول استثمار قناة السويس، وذلك للتغطية على الخسائر الناتجة عن سداد عائد الشهادات، الذي يُصرف بشكل ربع ربع سنوي بفائدة 12% على مدار خمس سنوات، ويقدر بنحو 1.5 مليار جنيه مصري.
وهو مايؤكد أن الحكومة المصرية تعيش مأزقًا، بسبب شهادات قناة السويس التي سيحل موعد استردادها في العام المقبل، في ظل عدم وجود سيولة مالية لدفعها للمستحقين، خاصة أن القناة الجديدة لم تحقق العائد المرجو منها.
ويذكر أن الحكومة المصرية، كانت أصدرت عبر أربعة بنوك؛ هي: “القاهرة والأهلي ومصر وقناة السويس”، شهادات باسم قناة السويس عام 2014 بفائدة سنوية 12% وهي الفائدة الكبرى وقتها، بغرض تمويل مشروع “التفريعة”.
واستطاعت من خلالها جمع سيولة تزيد عن 68 مليار جنيه (بما يزيد عن 8.5 مليارات دولار بأسعار الدولار في ذلك الوقت)، الا أنه تم الاكتفاء ساعتها بقبول مبلغ 64 مليار جنيه وبما يعادل 8 مليارات دولار.
كما أعلنت في 9 نوفمبر من العام 2017 اعتزامها زيادة العائد على شهادة قناة السويس لتصل إلى 15.5% بدلاً من 12%، وذلك بعد زيادة سعر الفائدة في البنوك عقب تعويم العملة المحلية (الجنيه)أمام العملة الأجنبية (الدولار).
وعقب إصدار الشهادات في 2014 وجّه البنك المركزي المصري خطابًا إلى البنوك الأربعة المشاركة في إصدار الشهادات؛ أكد فيه على ألا يتم السماح للعميل باسترداد الشهادة قبل مرور عام من شرائها، على أن يتم انتقاص نسبة من العائد حسب الفترة التي يرغب العميل فيها في استرداد أمواله قبل أجل الاستحقاق المحدد بخمس سنوات.
وحدّد البنك المركزي نسبة العائد في حالة استرداد العميل قيمة شهادته في السنة الثانية من شراء الشهادة بـ7%، أي بانخفاض 5% عن العائد الأصلي للشهادة المحدد بـ12%، بينما يصل العائد إلى 8% في حالة استرداد الشهادة خلال السنة الثالثة من شرائها بانخفاض 4% عن عائد الشهادة الأصلي.
اضف تعليقا