العدسة – باسم الشجاعي

لم يختلف الحال في الثورة الليبية كثيرًا عن بلدان الربيع العربي “مصر وتونس وسوريا”؛ حيث تمر هذه الأيام الذكرى السابعة لانتفاضة 17 فبراير، التي أسقطت نظام الرئيس الراحل “معمر القذافي”، ولكنها حتى الآن لم تحقق أهدافها، فضلا عن حالة الانقسام التي تشهدها البلاد.

ولكن تأتي الذكرى السابعة للثورة، وسط تفاؤل كبير أن تطوي الانتخابات المقبلة صفحة الانقسام “الحاد”، بعد فشل اتفاق الصخيرات، الموقع في ديسمبر 2015، في إحلال السلام في البلاد، وأصبحت تدار بثلاث حكومات منفصلة.

وبدا أن الجميع نظريًّا مع تنظيم الانتخابات، وخاصة مع حلول الذكرى السابعة لثورة فبراير، إلا أنه عمليًّا يبدو أن إجراء الانتخابات (الدستور، والبرلمانية، والرئاسية) في 2018، “معضلة”؛ بسبب غياب الثقة، والانقسام السياسي، فضلا عن عدم تحديد جدول زمني لها.

ويرى الكثير من الليبيين، أنه ليس هناك ما يدعو للاحتفال، وخاصة في بلد مازالت الانقسامات مستمرة فيه؛ ويتطلعون إلى الخروج من الحلقة المفرغة التي تعيشها البلاد، والتي تحول دون المضي قدما في بناء دولة المؤسسات والقانون، التي تطلعوا إليها يوم 17 فبراير 2011.

احتفالات بطعم الانقسام

فالانقسام الذي تشهده البلاد، انعكس بشكل كبير على الاحتفال بالثورة الذي تراجع مقارنة بالسنوات الأولى؛ حيث أخذت المظاهر الاحتفالية تتراجع مع العام 2014، بعد الهجوم الذي شنته قوات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس، ودخول قوات المشير المتقاعد “خليفة حفتر”، شرق البلاد، في أتون حرب على الجماعات الإسلامية.

فعلى سبيل المثال، فقد شهدت العاصمة “طرابلس”، احتفالين تبعًا للسلطتين المتمركزتين فيها، بينما أقامت حكومة الإنقاذ الوطني في جنوب العاصمة مراسم احتفالها في مطار طرابلس الدولي؛ حيث أعلن رئيس الحكومة، “خليفة الغويل”، في أثناء كلمته التي ألقاها بين عدد كبير من المسلحين، أن “المطار سيكون مستعدًّا لاستقبال وتسيير الرحلات الدولية والداخلية قريبًا جدًّا” (لم يحدد وقت)، في خطوة تصعيدية منها، لإعلان مزيد من التحدي لسلطة حكومة الوفاق.

أما في شرق البلاد، وتحديدا مدينة بنغازي، فلم تعلن الحكومة المسيطرة على المنطقة أي استعداد لاستقبال هذه الذكرى، والتي انطلقت شرارتها قبل ست سنوات من هذا المكان.

مخاض ديمقراطي متعثر

وعلى الرغم من المخاوف التي تسيطر على الشارع السياسي الليبي، إلا أن الجميع يعلق آماله في أن تنهي هذه الانتخابات حالة الانقسام التي تشهدها البلاد، وخاصة بعد فشل اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015.

فقد بدأت الأربعاء الماضي، المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا عملية تسجيل الناخبين، والتي سبقتها لوحات إعلانية تحث الناخبين على تسجيل أنفسهم، غير أن ذلك يتم في ظل ضبابية المشهد السياسي الليبي، وعدم وجود جدول زمني لتنظيم الانتخابات.

فنظريًّا، ليس هناك ما يمنع من تنظيم الانتخابات في ليبيا؛ حيث سبق أن اتفق كل من “خليفة حفتر”، قائد القوات المدعومة من مجلس النواب في طبرق، و”فائز السراج”، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في العاصمة الفرنسية باريس، على تنظيم الانتخابات في 2018.

ولكن عمليًّا، قبل إجراء الانتخابات يحتاج الفرقاء الليبيون إلى خريطة طريق، تمر بشكل مختصر عبر المراحل التالية: “التوصل إلى اتفاق جديد يتضمن تعديل الاتفاق السياسي الموقع في 17 ديسمبر 2015، بحيث يصادق عليه مجلس النواب في طبرق (شرق)، والمجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس (هيئة استشارية نيابية)، ومصادقة مجلس النواب على حكومة الوفاق بقيادة “فائز السراج”، أو حكومة مصغرة جديدة مقترحة تتولى الإشراف على تنظيم الانتخابات”.

ولكن يمكن لهذه الانتخابات بشكل كبير، حسب خبراء، أن تمهد الطريق أمام إنشاء المؤسسات القابلة للحياة اللازمة، لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون سلسلة طويلة من المشاكل.

فنتيجة هذا الانقسام، حرمت ليبيا من حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بسبب تأخر سداد اشتراكاتها المالية في المنظمة، والذي يرجع إلى الانقسام في المؤسسات، ووجود حكومات وبرلمانات متعدّدة في البلد.

ليست الأزمة سياسية فقط

ويبدو أن الأزمة الليبية لا تكمن فقط في الحالة السياسية التي أرهقها الانقسام، فمنذ سقوط نظام القذافي في 2011، الذي أدى إلى تفكك الجهاز الأمني، تُمزق ليبيا صراعات نفوذ تخوضها مختلف المجموعات المسلحة بدعم خارجي، وخاصة الإمارات (الراعي الرسمي للثورات المضادة في الوطن العربي).

فقد برز في الآونة الأخيرة دور الإمارات كلاعب بارز في ليبيا، وذلك بدعمها قوى الثورة المضادة المدنية والعسكرية، وتؤكد العديد من التقارير أن دولة الإمارات شكلت منذ اللحظات الأولى للثورة الليبية فريقًا أمنيًّا عسكريًّا تمركز في ثلاثة مواقع؛ الأول اتخذ من إحدى الجزر الإيطالية قاعدة لانطلاق نشاطاته، والثاني على الحدود الليبية التونسية، فيما كان الموقع الثالث على الحدود التشادية الليبية.

ومنذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرفًا على حساب آخر، لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في البلاد، لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي، وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية، إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا، بموجب الاتفاقات الدولية.

كما أصبحت ليبيا تعد معبرا للهجرة السرية، وأضحت تتهم باستمرار بإساءة معاملة واستغلال مئات الآلاف من المهاجرين القادمين، خصوصا من إفريقيا جنوب الصحراء، لمحاولة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.