العدسة – ياسين وجدي :

في اليوم العالمي للاخفاء القسرى الموافق 30 أغسطس من كل عام دقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة طبول الحرب ضد المتورطين في هذه الجريمة في كل مكان.

“العدسة” يرصد مظاهر تصاعد الاخفاء القسري في السعودية والامارات والبحرين ومصر كأبرز الأنظمة المتورطة في تلك الجريمة وفق ما أعلنه مراقبين وحقوقيين.

 تحرك أممي !

الجمعية العامة  للأمم المتحدة في قرارها رقم 65/209 المؤرخ 21 ديسمبر 2010، أعربت عن قلقها بصفة خاصة إزاء ازدياد حالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز والاختطاف، عندما تتم في إطار الاختفاء القسري أو تعد اختفاء قسرياً في حد ذاتها، وأعلنت اعتماد الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري ، كما قررت أن تعلن 30 أغسطس يوما دولياً لضحايا الاختفاء القسري يُحتفل به اعتباراً من عام 2011.

 

لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أصدرا بيانا مشتركا الخميس 30 أغسطس دعا فيه العالم إلى توافير تدابير تحقيق الحقيقة والعدالة في حالات الاختفاء القسري، وادخال الاختفاء القسري كجريمة مستقلة  في التشريعات الجنائية، مؤكدين أنهما تلقوا تقارير عن أعمال انتقامية وتهديدات وتخويف للأقارب والمدافعين عن حقوق الإنسان العاملين في حالات الاختفاء القسري.

 السيسي ينافس! 

ينافس نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي على المرتبة الأولى في الجريمة حيث وصل عدد حالات الاختفاء القسري في مصر منذ 2013  حتى 2017 ، بلغ نحو 5500 حالة، منها 44 مختف قسريا تم قتلهم خارج نطاق القانون، ووفق مركزالشهاب لحقوق الإنسان“، فإن هذه الجريمة الخطيرة أصبحت ممنهجة في مصر وتمارس بشكل يومي.

 

ويصف المراقبون الاختفاء القسري بأنه “الشر الأول” في مصر، حيث “يتعرض له جميع من يوقعه حظه العاثر في يد الأجهزة الأمنية، ويشترك في ذلك من يظهرون في أوقات لاحقة على ذمة قضايا مختلفة ومن تتم تصفيتهم جسديا” ، والمفارقة أن نظام السيسي اعتقل مؤسس رابطة أهالي المختفين قسريا في مصر المحامي ابراهيم متولي وعدد من المؤسسين منهم الطبيبة حنان بدر الدين، وعزت غنيم، المحامي والحقوقي والمدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات.

ووفق منظمة كوميتي فور چستس فإن الجريمة مستمرة حتي تاريخه ، وفي التقرير الشهري الاخير عن شهري مايو ويونيو تربعت جريمة الاختفاء القسرى على عرش الانتهاكات ضد المواطينين في مصر تحت اشراف النظام ، وقالت المنظمة : “ظل الاختفاء القسري هو الانتهاك رقم واحد بنسبة 56٪ من جميع الانتهاكات الموثقة، يليه الاعتقال التعسفي الذي يشكل 28٪ من مجموع الانتهاكات الموثقة، ويتبع ذلك الإهمال الطبي بنسبة 9٪ “.

منظمة هيومن رايتس مونيتور وثقت أن الضحايا الذين يتعرضون للاختفاء القسري في مصر كثيرًا ما يتعرضون للتعذيب المبرح، فضلا عن قيام الأجهزة الأمنية باعتقال بعض المواطنين وإخفائهم لإجبار ذويهم على تسليم أنفسهم للشرطة،  وأيضًا اختطاف أكثر من فرد من أفراد الأسرة الواحدة، مؤكدة أن الهيئات القضائية المصرية متهمة بالتآمر مع السلطات ومشاركتها في تلك الجريمة.

التنسيقية المصرية للحقوق والحريات تؤكد أن اختفاء أكثر من فرد من عائلة واحدة قسريا بات منهجية جديدة للنظام المصري في استهدافه لمعارضيه، مع تزايد حالات الاختفاء القسري الأسري مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث رصدت المصادر أكثر من عشر حالات ما بين إخفاء والد وابن له أو أكثر، أو أشقاء، أو أبناء عمومة، حيث، وصل متوسط عددهم في اليوم الواحد إلى أربعة أفراد ، وهو ضعف ما كان عليه الحال عام 2017 الذي بلغ فيه عدد المختفين قسريا 762 حالة.

امارات الاخفاء !

أما الامارات في عهد محمد بن زايد ، فقد تفوقت على مصر في تورطها في جريمة الاخفاء القسري في الخارج قبل الداخل ، وهو ما دفع رابطة أمهات المختطفين في اليمن مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات العاملة في المجال الإنساني، بالتزامن مع اليوم الدولي للاخفاء القسري هذا العام إلى التدخل للكشف عن مصير المئات من المختطفين والمخفيين قسرا في عدد من السجون منها سجون الإمارات السرية في عدد من المحافظات الجنوبية.

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وثقت في تقرير حديث لها مطلع العام الجاري  بمناسبة الاستعراض الدولي الشامل لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، تواصل عمليات التعذيب والإخفاء القسري والسجن في مراكز إيقاف سرية، دون محاكمات ولا ضمانات قانونية في الامارات ، فيما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوانين محاربة الإرهاب الإماراتية تتضمن نصوصا عامة مكنت السلطات من استعمالها تعسفيا على المواطنين والتضييق على الحريات العامة والخاصة وتعظيم اعداد المختفين قسريا فضلا عن التعذيب والاحتجاز بطرق غير قانونية على أراضيها وكذلك في اليمن .

 

ووثقت منظمة العفو الدولية في تقرير حديث لها الانتهاكات الصارخة التي تُرتكب بشكل ممنهج بلا محاسبة في اليمن  بما في ذلك ممارسات الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي تصل إلى مصاف جرائم الحرب، وبحسب الحقوقيين فإن توثيقا جرى ل100 حالة اعتقال في الفترة من عام 2013 وحتى 2017، فضلا عن اخرين لم يطولهم التوثيق.

ويورد التقرير المعنون ” الله وحده أعلم إذا كان على قيد الحياة ” وصفًا لاختفاء عشرات الرجال قسرا عقب اعتقالهم واحتجازهم تعسفيا على أيدي الإمارات العربية المتحدة والقوات اليمنية التي تعمل خارج نطاق سيطرة حكومة بلادها، حيث تعرض الكثير منهم للتعذيب، ويُخشى من أن بعضهم قد توفي في الحجز، ولا يزال 19 رجلا منهم مفقودين حتى الآن

عادة نظام بالبحرين

وبحسب حقوقيين إن سياسة الاخفاء القسري في البحرين هي واحدة من اساليب التنكيل بالمعارضة تحت رعاية الملك حمد بن عيسي الذي يرفض التوقيع على الاتفاقية الخاصة بمنع جريمة الاخفاء القسري.

مركز البحرين لحقوق الإنسان أوضح في تقرير له أن حالات الاختفاء القسري في البحرين “أخذت شكلين رئيسيين، هما بعد القبض، وأثناء الاحتجاز، حيث تخفي السلطات مصير الضحية عن ذويه دون مبرر”.

 

هي جريمة ممنهجة ، وبحسب التقرير الصادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان في العام 2015  ، فإن هناك 241 حالة اعتقال، وأكثر من 200 حالة لمعتقلين في سجن جو، تعرّض 95% منها لانتهاك الاختفاء القسري، كما وثّق المركز تعرض ٢٠٠ من بين ما يقارب ١٥٠٠ معتقل للاختفاء القسري بعد أحداث سجن جو في ١٠ آذار ٢٠١٥م.

منتدى البحرين لحقوق الإنسان رصد كذلك استمرار جريمة الاختفاء القسري حتي تاريخه ، مؤكدا أن ملف الاختفاء القسري، يثبت مرة أخرى فشل الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في القيام بأدوار حقيقية داعمة لحالة حقوق الإنسان، خاصة أن “حالات الإختفاء القسري في البحرين تتزايد، وبعضها وصل لاختفاء عام باكلمه مثل السيد علوي حسين الموسوي.

المنتدى أوضح أن السلطات الأمنية في البحرين عمدت إلى استغلال عدد من التشريعات المحلية كقانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية وقانون القضاء العسكري التي تتيح للسلطات الأمنية ارتكاب عدد من التجاوزات ومنها جريمة الاختفاء القسري.

جحيم في السعودية !

منظمة “هيومن رايتس ووتش” وصفت في تقرير لها حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه “يزداد عاراً” في كلّ يوم تستمر فيه حكومته باعتقال واحتجاز وإخفاء كل شخص تعتبره تهديداً لحكمه، مؤكدة أن السعودية احتجزت آلاف الأشخاص تعسفاً لأكثر من ستة أشهر، دون إحالتهم على المحاكم لإخضاعهم للإجراءات الجنائية.

وفي ذات طريق الامارات سقط بن سلمان ، حيث رفع حقوقيون يمنيون في فرنسا، دعوى قضائية ضد ولي العهد السعودي، متهمين إياه كوزير دفاع السعودية بـ”التواطؤ في عمليات تعذيب واخفاء ” في العملية العسكرية التي تقوم بها السعودية على اليمن.

 

ويؤكد مراقبون أن السعودية من أكثر دول العالم ممارسة لانتهاكات حقوق الإنسان وعلى رأسها الإخفاء القسري ، ووثقت منظمة العفو الدولية هذا الوضع، مؤكدة أن “نشطاء حقوق الإنسان اليوم في السعودية مهددون بالانتهاء؛ إذ أنهم يختفون واحداً تلو الآخر”.

ولم تصادق المملكة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فيما تسهّل قوانين المملكة ممارسة جريمة الاختفاء التي كان من بين ضحاياها حالة الشاب الأردني من أصل فلسطيني خالد الناطور الذي اعتقلته الاستخبارات السعودية سنة 2016، كما لا تستثني جرائم الإخفاء القسري في السعودية، الأمراء المعارضين من داخل الأسرة المالكة، ومنهم ثلاثة أمراء يعيشون في أوروبا، تم اختطافهم خلال السنتين الماضيتين، وهم سلطان بن تركي، وتركي بن بندر، وسعود بن سيف النصر، وجميعهم أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود.

محاميان بريطانيان تحركا في مواجهة تصاعد الجريمة في المملكة ، وطالبا في وقت سابق كذلك بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على خلفية انتهاكات حقوقية، بينها اعتقال أو اختفاء قسري لـ61 شخصًا منذ سبتمبر 2017.