العدسة – جلال إدريس
من جديد عاد ملف التعذيب في السجون السعودية، يسيطر على المشهد في بلاد الحرمين الشريفين، خصوصًا بعد أنباء تؤكِّد مقتل اللواء علي بن عبد الله القحطاني، مدير مكتب أمير منطقة الرياض السابق، من جراء التعذيب في “الريتز”، بعد اعتقاله في نوفمبر من العام الماضي.
الصحف العالمية والتقارير الحقوقية تؤكِّد أن التعذيب في سجون المملكة أصبح أشدَّ من ذي قبل، وأن التوجهات الجديدة لولي عهد المملكة “محمد بن سلمان” فتحت باب الانتهاكات الحقوقية على مصرعيه؛ حيث أعطى الأمير الشاب لنفسه الحقَّ في فعل أي شيء في مقابل وصوله للملك، وتنفيذ خطته الإصلاحية الجديدة للبلاد.
التعذيب في السجون السعودية، ليس قاصرًا فقط على معتقلي “الرأي” الذين تعجّ بهم سجون المملكة، لكنه امتدَّ أيضًا إلى تعذيب الأمراء وكبار رجال الأعمال، الذين ساوامتهم السلطات السعودية أثناء فترة احتجازهم بفندق “الريتز” وأجبرتهم على التنازل عن أرقام ضخمة من ثرواتهم مقابل الإفراج عنهم.
“العدسة” من خلال هذا التقرير تفتح “ملف التعذيب” في المملكة، وتلقي الضوء على أبرز السجون السعودية الشهيرة بالتعذيب، وأبرز الشخصيات التي لاقَى تعذيبها صدًى حقوقيًا وإعلاميًا.
تعذيب حتى الموت
وفقًا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في 12 من مارس الجاري، فإنَّ عددًا من محتجزي فندق “الريتز كارلتون” في العاصمة السعودية الرياض، تعرضوا لتعذيب قاسٍ، ما تسبب في وفاة أحدهم، وهو اللواء علي بن عبد الله القحطاني، مدير مكتب أمير منطقة الرياض السابق.
وأشارت الصحفية إلى أنَّ عائلته وجدت صعوبةً في التعرف على ملامحه عند تسلم جثته؛ بسبب آثار التعذيب التي تعرض لها.
وأكدت “نيويورك تايمز” عن تعرض القحطاني لتعذيب ممنهج تسبَّب في النهاية بموته، ونسبت المعلومات إلى من وصفته بـ”مسؤول أمريكي وطبيب يعرف بحالة الجنرال” ولم تسمِّه، أشار إلى أنَّ التعذيب ترك آثاره على جسده، وأنه تعرض لكسر رقبته.
ونقل التقرير عن أحد الأشخاص الذين شاهدوا جثة القحطاني، أن “رقبته كانت ملتوية بشكل غير طبيعي كما لو أنها كسرت، وكانت الكدمات والجروح منتشرة في أنحاء جسده، بينما غطت جلده آثار التعذيب”.
ولا يعدّ اللواء القحطاني هو أول من عذِّب حتى الموت في سجون السعودية؛ حيث أعلن الناشط السعودي المعارض «عمر الزهراني»، أن الدكتور «سعود الهاشمي» أصيب بجلطة، في سجن ذهبان بجدة الذي يمكث فيه منذ العام 2007، وأوضح «الزهراني» الذي يقيم في كندا، أن «سبب تدهور صحّة سعود الهاشمي، وإصابته بجلطة، هو حرمانه من التغذية السليمة والرياضة والعلاج».
وفي عام 2012، سرت أنباء متواترة عن وفاة أحد المعتقلين في سجن ذهبان من شدة التعذيب؛ حيث تسلم ذوو المعتقل خالد محمد أبو لسه الغامدي، المحبوس في سجن ذهبان، جثته من قبل وزارة الداخلية دون توضيح أسباب الوفاة، لكن الجثمان كان باديًا عليه آثار التعذيب والتنكيل الذي تعرَّض له القتيل على أيدي النظام السعودي، حيث كان الغامدي معتقلًا بتهمة الاشتباه فقط منذ أكثر من ستة أعوام.
سجن “ذهبان” والذهاب للجحيم
ويعد سجن “ذهبان” الذي يقع على بُعْد 20 كيلو مترًا خارج حدود مدينة جدة الساحلية، هو أحد أسوأ سجون السعودية؛ حيث تحتجز فيه السلطات السعودية آلافًا من السجناء في القضايا السياسية والحقوقية وقضايا الإرهاب والعنف.
ويبلغ عدد سجناء جهاز “المباحث العامة” بحسب أرقام رسمية 5300 سجين، نصفهم يقبع في سجن ذهبان، بينما ترجّح منظمات حقوقية زيادة العدد بسبب حملة الاعتقالات الأخيرة، التي شنّتها الأجهزة الأمنية السعودية ضدّ مئات المعارضين السياسيين والمفكرين والحقوقيين والنشطاء.
ويقول نشطاء سياسيون: إنَّ “عدد سجناء ذهبان السياسيين هو 4000 سجين، بالإضافة إلى بعض المساجين الأجانب في قضايا جنائية”.
ويمثل السجن الذي بُني قبل أكثر من عشر سنوات تقريبًا لغزًا كبيرًا للنشطاء السعوديين والمنظمات الحقوقية؛ حيث لا تسمح السلطات للمنظمات بالدخول وزيارة السجن، وتقصر زيارة زنازينه على الصحف الحكومية، أو الكتاب الموالين لها، وهو ما حدث مع الكاتب الصحفي عبدالعزيز القاسم، الذي قال: إنَّ “السجن يمثل مؤسسة إصلاحية حقيقية، وإن سجناء الرأي ومنهم الشيخ سلمان العودة يعيشون بدون أي مضايقات، حيث يقضي العودة يومه كاملًا في مشتل السجن يسقي المزروعات”.
وبينما تزعم السلطات السعودية أنَّ “سجن ذهبان” هو بمثابة فندق خمس نجوم، تتوفر به كافة الخدمات والمرافق، فإنَّ نشطاء حقوقيين ومعتقلين سابقين يؤكدون أنه بمثابة “الجحيم” الذي ترمي فيه السلطات معارضيها؛ حيث تعرضوا للتعذيب داخل السجن من قبل المحققين لإجبارهم على الإدلاء باعترافات لأفعال لم يقوموا بها.
وفي بيان سابق أكدت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان ومقرها لندن أنَّ السلطات السعودية تستخدم إستراتيجيات تعذيب نفسي وبدني ضد المساجين في سجن ذهبان.
فيما نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في سبتمبر 2012، رسالة من ذوي المعتقلين بسجن ذهبان بالسعودية، حملت اسم «مغمورون تحت سياط الجلاد»، كشف فيها الأهالي عن صور مؤلمة لما يحدث داخل السجن من تعذيب وانتهاك وتعدٍّ وحشي، لا يفرق بين شاب وكهل وعجوز، وإنسان معافى أو مريض.
شهادات مسلجة للتعذيب
وقبل عدة أعوام نُشر تسجيل صوتي للمتهم رقم 11 في قضية معتقلي “إصلاحيي جدة”، والذين اعتقلوا بعد قرارهم تأسيس جمعية لحقوق الإنسان، واقتراح تعديلات على صيغة النظام السياسي للبلاد، والتسجيل هو للمتهم عبدالله الجندلي الرفاعي، وهو يصرح بتعرضه لإيذاء نفسي وجسدي أثناء فترة التحقيق وضرب ضربًا مبرحًا من قبل المحقق، مما أدَّى إلى إصابته بعاهة وعطب في كلتا أذنيه.
كما تداول نشطاء ومغردون مقطع فيديو لشهادة زوجة وأخت أحد المعتقلين في القصيم عما يلاقيه زوجها من ضرب وتعذيب أثناء التحقيق.
شهادات ووقائع التعذيب المسربة من داخل السجون السعودية كثيرة ومتنوعة؛ حيث توضِّح أن التعذيب ليس حكرًا على المواطنين فقط، بل امتدَّ ليشمل المقيمين داخل المملكة سواء بصورة شرعية أو غير شرعية؛ حيث حكى الكويتي ناصر الهاجري، عن اعتقاله تعسفيًا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات في المملكة العربية السعودية، ذاق خلالها صنوفًا بشعة من العذاب الجسدي والنفسي، دون توجيه أي اتهام له، أو عرض على محكمة بحسب أقواله، وأصيب خلال فترة الاعتقال بسرطان الجلد، وتم إهمال علاجه أو عرضه على طبيب، مما أدَّى إلى تفاقم حالته وانتشار المرض في أنحاء جسده.
مطالبات بالتحقيق بلا فائدة
وفي إطار الضغوط الحقوقية الدولية على المملكة لوقف الانتهاكات في البلاد، أصدرت “منظمة هيومن رايتس ووتش” بيانًا طالبت فيه السلطات السعودية، بالتحقيق الفوري في إساءة معاملة معتقلي فندق الريتز كارلتون بالرياض في ضوء تقارير عن تعذيب بعضهم حتى الموت، ووصفت تكتيكات المملكة في محاربة الفساد بأنّها تبدو استهزاء بالقانون.
وفي بيان نشرته في موقعها الإلكتروني الأربعاء 14 مارس 2018، حثت المنظمة السلطات السعودية على محاسبة الضالعين في إساءة معاملة الأشخاص الذين اعتقلوا في نوفمبرالماضي في إطار ما سمي حملة لمكافحة الفساد، والمعتقلون كانوا أمراء ووزراء ورجال أعمال.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، في البيان الذي نشرته المنظمة اليوم إن سوء المعاملة المزعوم في فندق الريتز كارلتون يشكل ضربة خطيرة لمزاعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنَّه إصلاحي عصري.
فيما أكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي 2016 – 2017، أنَّ السلطات السعودية تتبع أساليب وحشية للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة لانتزاع اعترافات من المحتجزين لاستخدامها دليلًا ضدهم في المحاكمة. وأنها كثيرًا ما أدانت متهمين استنادًا إلى اعترافات مطعون فيها، أُدلِيَ بها خلال الاحتجاز السابق للمحاكم.
كما رصد التقرير شهادات للعديد من المحتجزين الذين أُكرِهُوا على الاعتراف، ومنها شهادة الناشط المعني بحقوق الإنسان سالم المالكي، والذي تم القبض عليه وتوقيفه بطريقة تعسفية، بعد أن بث على موقع «تويتر» لقطات مصورة بالفيديو لحرس الحدود وهم يقومون بإخلاء سكان قبليين من منطقة جيزان قرب الحدود السعودية مع اليمن، واحتُجِزَ بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تزيد على الأسابيع الستة الأولى، وأُخضِعَ للحبس الانفرادي فتراتٍ طويلة.
ورغم تعدّد البيانات الحقوقية التي تدين الانتهاكات الجسيمة والتعذيب القذر في سجون السعودية، إلا أنه وحتى الآن لم تبدأ السعودية في تنفيذ أي إجراءات إصلاحية حقوقية تتعلق بالسجناء في المملكة، وتغض الطرف عن أي بيانات تنتقد انتهاكاتها الجسيمة.
اضف تعليقا