الإجراءات القانونية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد ضد عدد من الشخصيات البارزة، خاصة السياسيين منهم، منذ يوليو/ تموز الماضي، أصبحت أمرا مقلقًا ومثيرًا للمخاوف حول حرية التعبير.

تحت هذه الكلمات قالت صحيفة “لاكرو” الفرنسية إن الاتهامات الخاصة بـ “إهانة الرئيس” أو استهداف الجيش”، تطال كل المعارضين في تونس، منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي، عندما سيطر الرئيس قيس سعيد على جميع السلطات ورفع الحصانة عن النواب.

وأوضحت أن الرئيس السابق منصف المرزوقي دفع الثمن مؤخرًا، حيث حكم عليه غيابيا بالسجن أربع سنوات بتهمة “انتهاك أمن الدولة والإضرار بمصالح تونس في الخارج”، لدرجة أنه تم إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه، وهو يعيش الآن في فرنسا.

واستنكرت أميمة جبنوني، من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (LTDH)، محاكمة المرزوقي التي كانت “قصيرة للغاية وتكشف عن محاولة لاستغلال العدالة”، معربة عن قلقها من المحاكمات العديدة التي استهدفت سياسيين ونشطاء بسبب تعليقات بسيطة ضد السلطات أو الشرطة.

 

“محاكمة عادلة”

وأكدت أن منصف المرزوقي “له الحق في محاكمة عادلة، إنه مبدأ أساسي ندافع عنه، كونك سياسيًا سابقًا يفاقم الوضع: يكونوا مستهدفون”.

ودعت الرابطة يوم السبت 25 ديسمبر/ كانون الأول خلال اجتماع مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، إلى إنهاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وأعربت عن قلقها من رؤية قضايا قديمة تعود إلى الظهور فجأة.

 

وأشارت الصحيفة كذلك، إلى الحكم الذي صدر ضد بشرى بلحاج حميدة، النائبة السابقة والمعارضة للرئيس، خلال المحاكمات الغيابية التي جرت يوم الجمعة 24 ديسمبر/ كانون الأول، حيث حكم عليها بالسجن ستة أشهر بسبب تصريحات ضد وزير سابق.

وعلقت النائبة السابقة بالقول إنها “فوجئت” بأن هذه القضية عادت إلى الظهور بعد أن نسيها الوزير نفسه وسحب الشكوى.

من جهتها استنكرت منظمتا “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” بجانب الاتحاد الوطني للصحفيين التونسيين

هذا التعجيل في رفع الدعاوى ضد الشخصيات.

وتقول منظمة العفو الدولية: إن عدد المدنيين الذين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية منذ يوليو/ تموز الماضي، يفوق عدد المدنيين الذين حوكموا بين عامي 2011 و2018.

وبالنسبة للخبير السياسي إلياس غانمي، هذه “حملة قضائية” نفذتها سلطة غير متوازنة، ففي ظل نظام استبدادي يترسخ، سيكون هناك دائمًا قضاة يبذلون قصارى جهدهم لإرضاء السلطة الحاكمة. يكون الأمر أسهل عندما يتعلق الأمر بإدانة الشخصيات غير المعروفة”. 

وتنوه الصحيفة الفرنسية بأن حالة النائب ياسين العياري هي خير مثال على ذلك فقد وجه المدعي العام الاتهام إليه بسبب تعليقات نُشرت على فيسبوك في يوليو / تموز زُعم أنه أساء فيها إلى الرئيس والتشهير بالجيش، بعدما وصف في رسائله الإجراءات التي اتخذها الرئيس بأنها “انقلاب عسكري بعد عقد من إخفاقات النخبة السياسية”.

ويوم 25 يوليو/ تموز أعلن سعيّد في خطوة مفاجئة تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد، بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير في حالة “خطر داهم مهدد لكيان الوطن”.

قوانين قمعية

ويؤكد إلياس غانمي أنه في الوقت الحالي “يخضع للمحاكمة أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم كانوا أقوياء “.

ومن جهتها تؤكد أميمة جبنوني استمرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في مراقبة الاعتداءات والانتهاكات القانونية، بغض النظر عن المعسكر السياسي أو وضع الشخص المتهم.

ودون الذهاب إلى حد الحديث عن القمع، تلقي المدافعة عن حقوق الإنسان باللوم على “الممارسات القضائية السيئة المدعومة بقوانين قمعية تعود إلى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وتضيف “نخشى قبل كل شيء الهجمات على الحريات المتزايدة في يناير/ كانون الثاني في وقت تتكاثر فيه المظاهرات عادة “. خاصة وأن الوضع الاجتماعي الاقتصادي يزداد سوءًا مع ما يترتب على ذلك من انخفاض في شعبية قيس سعيد.

يشار إلى أن الرئيس كان أصدر أيضًا تدابير “استثنائية” بأمر رئاسي في 22 سبتمبر/ أيلول، أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدًا لتغيير النظام السياسي البرلماني في البلاد الذي نص عليه دستور 2014.

كما أنه في 29 من الشهر ذاته، كلّف سعيد الأستاذة الجامعية المتخصصة في الجيولوجيا وغير المعروفة في الأوساط السياسية نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة، وهي إجراءات انتقدتها منظمات تونسية ودولية وأعربت عن خوفها إزاء الحقوق والحريات العامة.

ومنذ ذلك الحين تواصل العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان استنكارها لـ “حملات الاعتقال وحظر السفر والإقامة الجبرية” التي طالت عشرات الأشخاص والبرلمانيين ورجال الأعمال والقضاة وغيرهم، معربين عن خشيتهم من عودة تونس إلى تصدر مشهد الاستبداد بالعالم العربي.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا