العدسة – ياسين وجدي:
لم تصبح مؤشرات الإطاحة بالأمير القاتل محمد بن سلمان ، أمنيات لدى خصومه ومعارضيه ، بل الأمر بات مطالب لدى أبرز حلفائه ، وهو ما جسدته تصريحات السيناتور الجمهوري صاحب النفوذ في مجلس الشيوخ ليندسي جراهام عندما اتهم بن سلمان بقتل الكاتب الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي، داعيا إلى إقصائه عن الحكم في المملكة ومؤكدا أنه “لا يمكن أن يكون قائدا عالميا ولابد من رحيله”.
“العدسة” يستشرف تأثيرات الإطاحة المحتملة بولي العهد السعودي على الشرق الأوسط وخاصة في فلسطين، ومصر، واليمن، وليبيا ، وتركيا، وقطر، والإمارات وسوريا .
احتفاء فلسطيني
تشكل الإطاحة بولي العهد السعودي ، نقلة مهمة بحسب مراقبين للشعب الفلسطيني الذي اتهمه كثيرا بقيادة مخطط صهيوني تآمري للإطاحة بالثوابت الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني، وهو ما قد يؤثر سلبا على تمرير صفقة القرن المشبوهة.
وفي أبريل الماضي وصل الغضب الفلسطيني للذروة ، عندما أحرق المتظاهرون في فعاليات مسيرة العودة الكبرى صور محمد بن سلمان وأبيه احتجاجاً على اعترافه بحق “اليهود” في إقامة دولة في فلسطين المحتلة .
الأمر بطبيعة الحال ، قد يتخطى الشعب إلى رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس ، الذي تعرض لتعنيف شديد من بن سلمان في وقت سابق ، عندما طالبه بحسم مواقفه والتنازل أو الصمت للأبد ، وهو ما دفع منابر السلطة إلى الانضمام إلى منابر حركات المقاومة والحديث عن دور “بن سلمان” المشبوه في صفقة القرن.
حركات المقاومة الفلسطينية ستكسب جولة مهمة برحيل بن سلمان كذلك ، خاصة أنه زعم أن حركة حماس تنظيما يشكل خطرا على السعودية، وهو ما رفضته حماس و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”حركة الجهاد الإسلامي” ، وشنوا هجوما حادا ضده .
تغيير مصري
وفي القاهرة ، قد يساهم رحيل محمد بن سلمان بحسب،توقعات رائجة في أوساط المعارضة ، في ظهور مشهد مغاير في مصر لصالح المصالحة وضد رأس النظام الحاكم الحالي بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يلقى دعما مباشرا من “بن سلمان”، بجانب توافقهما على المواجهة المفتوحة مع جماعة الإخوان المسلمين .
بعض المحللين يرى غياب “بن سلمان” هو غياب للسيسي سواء على مستوى قريب أو بعيد ، سواء في السياسيات أو في الشخص ذاته ، في ظل الحديث الواسع عن محاولات متكررة للانقلاب ضد السيسي من داخل مؤسسات الدولة أو من خارجها والتي وصلت لمحاولات اغتيال مباشرة لازالت المحاكم المصرية تنظر بعض فصولها.
وتعد الإطاحة بولي العهد السعودي خبراء سارا للمعارضين في مصر وفي مقدمتهم الإخوان ، والذين شنوا حملات ضده واتهموه بالتسبب في قتل الآلاف منذ الانقلاب العسكري في العام 2013 ، خاصة في مذبحتي رابعة العدوية والنهضة ، واحتلال جزيرتي تيران وصنافير.
وفيما يبدو أن المصالحة السياسية في مصر ، قد تعود للواجهة بحسب محللين ، في حال غياب الطرف المتشدد الضاغط على المؤسسات في مصر ، خاصة مؤسسة الجيش ، والذي يراه كثيرون متمثلا في بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ، وهو ما تحدثت عنه شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية في فبراير الماضي.
يمن وليبيا جديدان
رحيل “بن سلمان” ، خطوة كذلك في صالح إقرار التسوية السياسية في اليمن وليبيا ووقف الحرب التي يقودها بنفسه في اليمن بمشاركة الإمارات، وتجميد الدعم السعودي لقائد الانقلاب الليبي خليفة حفتر وتيسير التسوية السياسية هناك.
وقد اعترف ولي العهد السعودي بأخطائه في الحرب اليمنية مؤكدا في آخر تصريحات عن الأزمة اليمنية أنه يأمل أن تنتهي في أقرب وقت ممكن عبر التفاوض والتوصل إلى اتفاق ، وبرحيله قد ينفرط عقد التحالف السعودي الإماراتي في ظل الرغبة السعودية داخل الأسرة المالكة في وقف الحرب وعدم التورط في المزيد من الدماء.
في اليمن وليبيا ، سيكون الارتياح سيد الموقف في المشهد السياسي بحسب التقديرات المرصودة وفقا للتصريحات السابقة لقيادات إصلاحية يمنية ووزراء وقيادات ليبية شنوا هجوما كاسحا ضد السعودية ووصفوها بالعدو الأول .
ويرجح أن يكون شعور الانتصار هو سيد الموقف في الجانب الحوثي الذي كثيرا ما هاجم بن سلمان واعتبره أحد أسباب الأزمة ومجرم حرب، وفي الجانب الليبي الموالي للثورة الليبية الذي اعتبره نموذج مشابهه لسيف القذافي يدق المسامير الأخيرة في نعش حكم آل سعود.
فك الحصار عن قطر
وبرحيل ولي العهد السعودي ، يرجح كثيرون، سقوط الحصار عن قطر.
وصنف مراقبون دوليون “محمد بن سلمان” كأحد العقبات الرئيسية في حل الأزمة الخليجية ، وفك الحصار عن قطر ، رغم تدخل دول عربية كالكويت في الحل والمصالحة، وقال موقع “هيل تايمز” الأمريكي في وقت سابق : “شروط إنهاء الحصار على قطر قاسية جدا ، ويقف وراءها محمد بن سلمان “.
نهج الحكمة في التعامل مع الأزمة قد يسود عقب الإطاحة بمحمد بن سلمان ، ما يرشح الجميع في الدخول في حوار لحل هذه الأزمة، وهو ما سبق وأن حث عليه وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن.
رحيل “بن سلمان” يطيح كذلك بخطته طويلة الأمد ضد قطر ، والتي كشفها موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأميركي البارز والتي تحاكي الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا عقوداً عديدة.
تفكك إماراتي
الضربة المحتملة للأمير محمد بن سلمان قد تؤثر كثيرا على وضع الإمارات وموقف حليفه محمد بن زايد بحسب البعض.
ويعزز ذلك أن هناك خلافات تاريخية وحدودية بين السعودية والإمارات ، بحسب مراقبين ، قد يستغلها القادم في حال الإطاحة بالنظام القائم ، خاصة أن الأمير محمد بن نايف الذي أطيح به في وقت سابق من منصب ولاية العهد ، في حاله عودته أو أحد المتعاطفين معه كان لديه خصومات مع محمد بن زايد.
وقد يساهم التغيير الدرامي في السعودية ، إن حصل ، وفق أقل المؤشرات ، في حدوث تغيير سريع في الإمارات ، قد يصل إلى الانقلاب والإطاحة بولي العهد الإماراتي لدخول مرحلة جديدة، خاصة وأن محاولات الانقلاب مستمرة منذ فترة في الإمارات.
وفي هذا الإطار جاء لجوء الأمير الإماراتي المنشق راشد بن حمد الشرقي، لقطر ، والذي كان من المفترض أن يصبح وليا للعهد في الفجيرة، ومنعه ولي عهد أبو ظبي من ذلك، حيث ليكشف بحسب البعض بيت العنكبوت الإماراتي الذي ينتظر دوره في أي وقت في ظل خلافات كثيرة.
تقارب مع الأتراك
التقارب مع الأتراك قد يكون السيناريو الأبرز في حالة الإطاحة بمحمد بن سلمان مع بقاء أبيه أو حتى اختيار ولي عهد جديد أو حدوث انقلاب لصالح أمير آخر.
محمد بن سلمان وفق ، المراقبين ، كان السبب الرئيسي في توتر العلاقات السعودية التركية ، وبرزت في ذلك تصريحاته في مارس 2018 ، والتي هاجم فيها تركيا، ووصفها بأنها عضو مثلث الشر الذي يريد الخلافة باستخدام جماعة الإخوان المسلمين.
ويستند هذا السيناريو إلى تصريحات مهمة للملك سلمان في اتصاله الهاتفي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف الشهر الجاري ، حيث أكد العاهل السعودي، “حرص المملكة على علاقاتها بشقيقتها تركيا والذي يتزامن مع حرص تركي لافت على التعامل مع قضية مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول بحكمة حرصا على عدم قطع أوصال التعاون مع الملك نفسه بعيدا عن نجله التي تقف ضده الإدارة التركية موقفا حازما رفضا لإجراءاته في المنطقة.
تنفس سوري!
رحيل “بن سلمان” قد يجعل المشهد الثوري السوري يتنفس قليلا بعد أن أجهض الأمير المراهق كثير من طموحاته وفي مقدمتها رحيل بشار الأسد.
وبحسب المحللين ساهم مؤتمر الرياض الذي رعاه “بن سلمان” في تمرير كتلة سورية معارضة مضرة للثورة ، انتقلت من الرياض إلي سوتشي الروسية ، حاولت أن تجعل الكتلة الكبرى للمعارضة الظاهرة دولياً هي الكتلة التي لم تعد ترى برحيل الأسد شرطاً أساسياً في سوريا، خاصة مع وجود منصتي القاهرة وموسكو، المحسوبتين على النظام السوري.
كما من المتوقع أن تسقط برحيل “بن سلمان” أطروحاته عن قبوله برئيس النظام السوري بشار الأسد في منصبه وبقاء الاحتلال الأمريكي والروسي في سوريا على المدى المتوسط، فضلا عن الإسراع بوضع حل سياسي شامل وعادل.
اضف تعليقا