العدسة – ياسين وجدي:

نبشت الماضي، واستحضرت المقارنة، بالتزامن مع تقارير أمريكية تتحدث عن ظروف اعتقال والدها وهجوم حكومي عليه لعلها تداعب مشاعر الشعب العراقي المكلوم.

إنها رغد ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين التي أطلقت في بث خاص ثنائية مقارنة بين عهد والدها وما بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد ، وذلك بمناسبة الذكرى 12 لإعدام والدها، التي توافق تاريخ الثلاثين من ديسمبر من كل عام.

أنصار “الرئيس الشهيد” كما يحبون أن يسمونه لازالوا يرددون ما رددته ابنته من حيث أنه الأفضل والأقل تكلفة للعراقيين ، لكن لازال خصومه الذين يصفونه بالطاغية يرون أن رحيله كان أفضل الخيارات للعراق.

بين هؤلاء وهؤلاء ، يقف العدسة، ليرصد مآلات الأحوال في العهدين ، لعل الإجابة تهتدي طريقها في ظل العراق الجريح الذي عانى ولازال الويلات تلو الويلات.

رحلة معقدة ودامية !

شهد شهر ديسمبر توقيف “صدام حسين ” وإعدامه ، بعد عشرين عاما معقدة ودامية جلسها صدام حسين على عرش العراق، أطاحت به حروبه وعدواته وأخيرا الغزو الأنجلو أمريكي في العام 2003 ، ليفاجأ العالم بالرئيس صاحب القصور في حفرة تحت الأرض.

 

 

 

انضم صدام في شبابه إلى تنظيم حزب البعث، وفي عام 1959 شارك في محاولة اغتيال الزعيم العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم، وهرب إلى سوريا ثم إلى مصر حتى عام 1963 عندما عاد إلى العراق بعد انقلاب 8 فبراير الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم، وبعد ما سمي “الثورة البيضاء”في 1968 بزغ نجم “صدام حسين ” وبات نائب الرئيس في عهد أحمد حسن البكر، ثم وصل بعد عام أو أقل إلى رأس السلطة حيث أصبح رئيسا للعراق في 1979، بعد حملة تصفيات جسدية بعد لقاء قاعة الخلد الشهير.

وفي عام 1980 دخل صدام حربا مع إيران استمرت 8 سنوات، وقبل أن تمر الذكرى الثانية لانتهاء الحرب مع إيران غزا صدام الكويت في 2 أغسطس عام 1990، ما أدى إلى نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991، وفرض حصار اقتصادي دولي استمر حتى الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بحكم صدام في 20 مارس 2003 ، وأحيل للمحاكمة الذي انتهت إلى إعدامه فجر يوم عيد الأضحى، 30 ديسمبر 2006.

دراويش “صدام”!

رغد صدام حسين كانت في مقدمة المذكرين بفضل الراحل ، وألقت باللائمة في تدهور حال العراق على الغزو الأمريكي للبلاد سنة 2003 والجماعات الإرهابية المتطرفة ، وذكرت أن العراق تحت قيادة والدها كان الحارس الأمين للبوابة الشرقية الحامية للأمة العربية من الأطماع التوسعية الإيرانية ، وبيّنت أنه لم يكن أحد يتجرأ على أن يتجاوز سيادة البلد وكرامة شعبه، بينما تغيرت الأمور مقارنة بعد 2003 حيث “ضاعت كل القيم الإنسانية والأخلاقية ونُشرت الأفكار الغريبة ووصل الأمر إلى حد استغلال الدين كغطاء لتمرير الأفكار المريضة لأحزاب كثيرة”بحسب وصفها.

 

 

 

وأضافت في تسجيل صوتي أن العراق مرّ بالكثير من الأزمات منذ الاحتلال الأميركي، وقد عانى شعبه التهجير والقتل والطائفية والاجتثاث وتردي كل أنواع الخدمات الإنسانية، فضلا عن ممارسات الجماعات “الإرهابية المتطرفة التي أدمت تاريخ الوطن وحضارته”.

محمد منيب عضو فريق الدفاع عن صدام حسين، قال فى تصريحات سابقة له  أن الأمة العربية خسرت بإعدام صدام حسين، رغم أنه كان ديكتاتورا،  ومن وافق دفع الثمن إما بالطرد خارج بلاده أو بالانتزاع من فوق الكراسى أو الهرب والدخول فى السجون أو المزيد من الانبطاح أمام الأمريكان والانتشاء أمام الشعب العربي.

ويستند محبو “صدام” إلى تقارير موثقة حول جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق ، خاصة أن رئيس الوزراء البريطانى السابق “ تونى بلير” نفسه أقر فى مقابلة حديثة بأن غزو العراق كان له دور فى ظهور تنظيم داعش ، والتقارير التي نشرت الجنود الأمريكيين وهم يتلذذون بتعذيب وتعرية سجناء عراقيين ومعاملتهم كالكلاب وجرهم بحبال ربطت بأعناقهم وسراويلهم التحتية ملفوفة على وجوههم ، فضلا عن نهب المتحف العراقي الوطني في بغداد في أكبر عملية سرقة في التاريخ.

 

 

 

 

“صدام كان أفضل” هكذا يقول محبوه ، وهم يستندون إلى تقرير “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”  فوفقا للهيئة المذكورة، فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا في العراق حتى شهر يوليو من عام 2010 يتراوح ما بين 97461 و106348 شخصا، فيما كان الشهر الذي وقع فيه غزو العراق، أي مارس من عام 2003، أكثر الفترات دموية، إذ تقول “هيئة إحصاء القتلى العراقيين” إن 3977 مواطنا عراقيا عاديا قضوا في ذلك الشهر، و3437 قُتلوا في شهر أبريل من ذلك العام، فيما أشارت تقارير غير رسمية إلَـى أن عددَ الاشخاص الذين قُتلوا خلال الحرب بـ 1.3 مليون شخص ، وهو ما دفع البعض للمطالبة بمحاكمة قادة الحرب الأمريكان كمجرمي حرب.

كما يشير هذا الفريق إلى تقديرات المنظمة العالمية للهجرة، والتي وثقت أن حوالي 1.6 مليون عراقي أُبعدوا عن ديارهم داخل العراق في الفترة الممتدة ما بين عامي 2006 و2010، ويشكِّل هذا العدد 5.5 في المئة من عدد سكان البلاد بسبب أعمال العنف الدامي المستند إلى بعد طائفي ، وهي أرقام يرونها في صالح عهد صدام.

الاغتصاب الممنهج للنساء العراقيات ، كانت أحد الأوراق الرابحة لمحبي صدام حيث يذكرون أن الاغتصاب الأمريكي لنساء العراق بدأ بعد أقل من 40 يوما من سقوط بغداد وإعلان نهاية الحرب ووثقه اتهام لجنة حقوق الإنسان في العراق لقوات الاحتلال الأمريكي والبريطانية باغتصاب الآلاف من نساء العراق، منهم الفتاة (نادية) التي باتت أيقونة لفضح الجرائم الأمريكية والتدليل على الفارق بين عهد صدام والاحتلال ومابعده.

جرائم داعش ، كذلك هي أحد الأوراق المهمة في يدي أنصار “صدام “، خاصة بعدما استولى تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل العراقية في وقت سابق ويستذكر هؤلاء مجزرة كوجو شمال العراق إحدى أبشع الجرائم التي ارتكبها إرهابيو داعش بحق الأزيديين، حيث قتل المئات منهم رميا بالرصاص فيما تم دفن النساء المسنات وهن أحياء وتم سبي الأخريات.

خصوم صدام

وبينما كانت ابنة “صدام” وأنصاره يذرفون الدموع على “القائد الشجاع” ، كان  مجلس النواب العراقي الاثنين، 24 ديسمبر الجاري يقيم معرضاً لاستذكار جرائم صدام حسين ، وتضمن المعرض استعراض الآلات المستخدمة في تعذيب المعتقلين إضافة إلى مقتنيات المؤنفلين والسجناء السياسيين إلى جانب لوحات ووثائق تثبت الممارسات التي تعرض له الضحايا.

 

التعذيب كان ورقة خصوم صدام الدائمة والمؤثرة في الرأي العام الدولي ، وقد كشفت صحيفة “تليجراف” البريطانية في الإطار عن أن الرئيس العراقى الأسبق كان لديه غرفة تعذيب سرية شيدت فى قبو البعثة العراقية لدى الأمم المتحدة فى نيويورك.

ويستحضر خصوم “الطاغية” كما يحبون أن يسموه 5 جرائم رئيسية له ، مؤكدين أنه لم يسلم أحد من شره، وتسبب في ثلاثة حروب إقليمية وأرواح حوالي مليون إنسان، سواء في الحروب أو السجون أو حملات التطهير العرقية والدينية بجانب اختفاء أكثر من مائتي ألف عراقي في سجون صدام حسين دون أثر فضلا عن التعذيب وانتزاع الأظافر، وتقشير العيون، والإغراق بالدلو، واغتصاب زوجات وبنات السجناء لإجبارهم على الاعتراف بكل ما يحلو له، وفق تقارير منسوبة لمعارضيه.

تطهير حزب البعث أول الجرائم المنسوبة لعهد صدام ، حيث شهد عام 1979 بإعدام المئات من زملائه ، وتدمير قرية الدجيل وتقتيل أهاليها إبان محاولة اغتياله سنة 1982 هناك وهي الجريمة التي كانت أولى القضايا التي حوكم بسببها، وحملة الأنفال  في كردستان العراق وتعد أحد أبرز حملات الإبادة الجماعية في النصف الثاني من القرن العشرين ومن أكثرها بشاعة، حيث يقدر عدد ضحاياها بـ182 ألف قتيل وإعدام أكثر من 140 عراقياً شيعياً، واستعمال الغازات السامة في بلدة حلبجة.

رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي يقف في هذا المعسكر المعادي لصدام ، وطالب الاثنين 24 ديسمبر بتعويض المتضررين من نظام صدام حسين ، وقال في تصريحات صحفية : “لولا هذا الظلم الذي وقع لما وصلنا إلى ما نحن عليه حاليا”.