فيما تعيش الأراضي الفلسطينية اليوم على وقع ما يمكن وصفه -بحسب شهادات المقدسيين والغزيين- بأعنف حملة انتقامية من الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني منذ حرب 1967، أبدت الصحف السعودية ردود أفعال باهتة تجاه القضية وتداعياتها، فيما جاءت التغطية الإماراتية -كما هو متوقع- مساندا بشكل صريح وغير مخبوء للاعتداءات الإسرائيلية، في ظل تبني رواية الاحتلال وترويج كذباتها.
وبينما تتصدر فضائية “الجزيرة” الناطقة بالعربية والتي تبث من الأراضي القطرية، وبعض المنافذ الإعلامية العربية الأخرى التي تبث من تركيا وبعض دول المغرب العربي، أو المبادرات الإعلامية الصادرة من قطاع غزة نفسه، فإن الدور الذي كان مرجوا من الإعلام العربي تجاه الأحداث كان محوريا ومفصليا للشعب الفلسطيني القابع تحت اعتداءات الاحتلال، حيث كان يُنتظر من المنصات العربية الأخرى أن تتحول إلى منابر إعلامية لنقل معاناة الفلسطينيين إلى الشعوب العربية وبقية شعوب العالم الحرة.
ومن بين المنصات الإعلامية العربية، فإن الانتشار الأوسع يأتي من نصيب الإعلام المصري، الذي ربما ولأول مرة منذ سنوات، يُمسك أذاه عن الفلسطينيين، حتى وإن لم يناصرهم بشكل علني، لكن مجرد التوقف عن مهاجمة الفلسطينيين وتشويههم في الإعلام المصري في حد ذاته مكسبا للشعب الفلسطيني، الذي ظل على مدار سنوات في مرمى نيران الإعلام المصري المدعوم خليجيا.
وبالحديث عن الخليج، فإنه إن كان الانتشار من نصيب الإعلام المصري، فإن الإمكانيات القوية تأتي بلا شك في حقيبة الإعلام الخليجي الذي يمتلك مقومات ربما لا تتوفر لكبرى المنصات الإعلامية العالمية، والتي كان من المنتظر توظيفها لخدمة القضية الفلسطينية ودعم موقفها في تلك اللحظات العصيبة، لكن وبالنظر إلى خريطة التغطية الإعلامية الخليجية -باستثناء المنصات التي تبث من الكويت والدوحة- فإن النتائج صادمة بشكل غير مسبوق.
الإعلام السعودي، في مجمل تغطيته، اكتفى بنشر بيانات رسمية عن الأحداث لا أكثر، بما فيها من مصطلحات محايدة ومجردة، ليجد القارئ نفسه أمام شعور بأنه يطالع وكالة أنباء دولية تُبث من تورنتو وليس صحف عربية خليجية يديرها أشقاء للفلسطينيين وشركاء في القضية وحماية المسجد الأقصى من اعتداءات الاحتلال الذي يسعى بكل طريقة ممكنة لوأد الوجود العربي في فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر.
صحيفة الرياض نشرت خبرا أوليا بعنوان: “مجلس التعاون يرحب بقرار وزراء خارجية الدول العربية بشأن العدوان الإسرائيلي على القدس”. وفي عنوان آخر، قالت الصحيفة: “رابطة العالم الإسلامي تدين وتستنكر بشدة الاعتداءات السافرة على حرمة المسجد الأقصى والمصلين”، ونقلت الصحيفة دعوة الرابطة لـ”المجتمع الدولي لوضع حد لمخاطر هذا العنف، وحفظ حق الشعب الفلسطيني، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين، وضمان حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، إضافة إلى وقف كل الانتهاكات والاعتداءات وكافة أشكال العنف”.
وفي مقال رأي، كتب علي بن حمد الخشيبان تحت عنوان: “هل ما يجري في القدس يصب في عملية سلام منتظرة؟”: “ليس بهذه الطريقة يمكن لإسرائيل أن تقدم نفسها كراعية سلام في المنطقة، وليس بهذه الطريقة يمكن للشعوب العربية أن تتقبل السلام مع إسرائيل التي استنكرت أعمالها منظمات دولية ودول عالمية وعربية وإسلامية”.
وأوردت صحيفة الوطن السعودية بيانا آخر بعنوان: “العفو الدولية: إسرائيل تستخدم القوة غير المشروعة في القدس”. وتحت عنوان: “الاحتلال الصهيوني يوسع حملته العسكرية، وينتهك حقوق الإنسان”، كتبت تحدثت الصحيفة عن “مواجهات حادة في مجمع المسجد الأقصى بالقدس في المدينة المتنازع عليها وفي أنحاء الضفة الغربية”.
أما صحف الإمارات، فحدث ولا حرج، إذ لا يشعر القاريء بأي فارق بين الأخبار المنشورة في صحف الاحتلال أو على الأقل الوكالات الرسمية الدولية المحايدة، فقد اقتصرت التغطية الإماراتية على عدد محدود من الأخبار المنقولة عن وكالات الأنباء، إضافة إلى عدد من المقالات والافتتاحيات التي تبرر موقف الإمارات، دون أن تدين صراحة اعتداءات الاحتلال.
ففي افتتاحية لصحيفة الاتحاد تحت عنوان “لا للعنف والكراهية”، قالت الصحيفة: “لا بدّ من إنهاء الاعتداءات والممارسات التي تؤدي إلى استمرار حالة التوتر والاحتقان في القدس الشرقية المحتلة، ووقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك”. وقالت: “لا يولد العنف إلا العنف، ولا يمكن حل أيّ معضلة من خلال العنف والدماء، وإنما من خلال التهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس. والإمارات من هذا المنطلق تساند أيّ تحركات تؤدي إلى وقف التصعيد”.
وفي مقال رأي للكاتب محمد حسن الحربي، تحت عنوان “أحداث فلسطين وفوضى الخِلافَة”، حمل الكاتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسؤولية ما يجري. وكتب قائلا: “يُدرج العارفون بالشأن الفلسطيني ما يحدث في سياق “فوضى الخِلافة”، التي أثارها قرار الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية المقررة في 21 مايو الجاري. فهل كان أبو مازن مدركا لنتائج قراره؟ ولماذا التأجيل؟ ولمصلحة من؟”. وأضاف: “لهذا كان لا بد من تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر أن يخوضها 1400 مرشح، 39 في المئة منهم في عمر الأربعين فما دون. برلمان كهذا كان سيعجّل ويسهِّل، وفقا للمحللين، ترتيب عملية الخلافة في رام الله”.
لكن الوجه الأكثر قبحا لصحف الإمارات جاء في صحيفة “الخليج” الإماراتية التي اعتبرت أن القصف الإسرائيلي على غزة هو رد على الصواريخ التي انطلقت من القطاع! وكتبت الصحيفة تحت عنوان: “30 فلسطينيا ضحايا الغارات.. وصواريخ غزّة تمطر المدن الإسرائيلية”: “تجدد تبادل القصف العنيف، الثلاثاء، بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث قتل 30 فلسطينيا منذ الاثنين في الضربات الإسرائيلية التي جاءت ردا على إطلاق صواريخ من القطاع الفلسطيني، في تصعيد دراماتيكي أشعلته المواجهات في القدس الشرقية المحتلة”!
اضف تعليقا