على الرغم من العقوبات الأمريكية التي شلت اقتصادها، تمكنت السلطات الإيرانية من بيع جزء من نفطها بطرق مختلفة للالتفاف على الإجراءات المفروضة من قبل الولايات المتحدة.

تحت هذه الكلمات قالت صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية: تغير الوضع في غضون أشهر قليلة، فمع بدء المحادثات بين واشنطن وطهران في أبريل/ نيسان الماضي، كان هناك أمل بالتوصل إلى اتفاق بين الجانبين للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (جاكوب)، لكن الآن هناك خيبة أمل. 

وأضافت “توقفت المحادثات بين الجانبين، ويبدو أن احتمال العودة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 – الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من جانب واحد عام 2018 – بعيدًا جدًا”.

وأشارت إلى أن احتمال العودة إلى هذا الاتفاق كان سيضع حداً لمختلف العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، خاصة الإجراءات التي تنفذها الولايات المتحدة بهدف تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى “الصفر”.

وبحسب ديفيد جليلفاند، الباحث في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة والمتخصص في الشأن الإيراني بمركز أبحاث “أورينت ماترز” ببرلين “من الواضح أن صناعة النفط الإيرانية تأثرت بشدة بالعقوبات الأمريكية التي تسببت في انهيار الصادرات، والعثور على منافذ وأسواق للنفط هو الآن من أولويات طهران”.

وأضاف “هذه الأولوية تسير جنبًا إلى جنب مع هدف إبقاء إنتاج النفط عند الحد الأقصى، لأن العديد من حقول النفط قديمة نوعًا ما ويمكن أن تتضرر إذا توقف الإنتاج”، مشيرًا إلى أنه في هذا السياق تم تطوير التكرير المحلي “لإيجاد بديل لاستخدام البترول” و “تقليل الحاجة إلى استيراد البنزين وتوسيع سلسلة القيمة الوطنية “.

ووفقًا للإحصاءات الرسمية، بلغت الصادرات الإيرانية من الذهب الأسود مطلع عام 2018 قرابة 2.5 مليون برميل يوميًا.

ويقول سكوت لوكاس، أستاذ في السياسة الدولية بجامعة برمنجهام: إن “آثار العقوبات الأمريكية خفضت هذه الصادرات بنسبة 80 إلى 95 بالمائة”، ففي عام 2011، تلقت إيران أكثر من 119 مليار دولار من صادرات النفط، وانخفض هذا الدخل، وفقًا لمسؤولين إيرانيين في عام 2019، من 8 إلى حوالي 9 مليارات دولار.

وفي الوقت الذي لم يتم فيه التوصل إلى اتفاق لإعادة تفعيل “جاكوب”، كان بعض الخبراء يراهنون على زيادة في إنتاج وبيع الذهب الأسود ليكون مماثلا لتلك الأرقام المسجلة في اليوم التالي لتوقع الاتفاقية، التي انسحبت منها أمريكا بعد ثلاث سنوات.

لكن في ظل الاستراتيجية الإيرانية الحالية، تلعب الصادرات إلى الصين دورًا حاسمًا، فوفقا للوكاس في نهاية عام 2020، لوحظت زيادة كبيرة في الصادرات الإيرانية الرسمية، بسبب زيادة الواردات الصينية بشكل حصري تقريبًا.

واعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تراوحت التقديرات من 415 ألف برميل يوميًا إلى 1.2 مليون برميل للصادرات الإيرانية إلى الصين ودول أخرى، كما أنه في مارس/ أذار 2021، قال محللون إن الصين تستورد ما يصل إلى 900 ألف برميل يوميًا.

ومما لا شك فيه أن بكين هي اليوم الزبون الرئيسي للجمهورية الإيرانية، وذلك بفضل تطوير نظام يتكيف مع استيراد النفط الإيراني، قليل الانكشاف على النظام المالي العالمي، على عكس دول أخرى تتأثر بهذه العقوبات، مثل فنزويلا وسوريا التي تتواجد فيها إيران عسكريًا وسياسيًا.

 

من سفينة إلى أخرى

حتى لو كان من الصعب تقدير كميات الذهب الأسود التي تبيعها طهران في “السوق السوداء”، فإنها تظل مهمة لقدرة الدولة على وضع استراتيجيات للتحايل. 

والحلقة الأخيرة في ذلك هي تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الخميس 19 أغسطس/ آب، بأن سفينة إيرانية محملة بالوقود كانت على وشك الإبحار إلى لبنان، التي تعاني من نقص شديد في موارد الطاقة.

ويقول جليلفاند “في هذه المرحلة، لا يوجد تأكيد مستقل بأن سفينة محملة بوقود إيراني في طريقها إلى لبنان. قد يكون إعلان حزب الله قرارًا سياسيًا موجه للخارج لتزويد البلاد بالوقود الذي تحتاجه بشدة”.

لكن إذا تم تأكيد تصريحات نصر الله، فإن هناك سؤال: أي طريق ستسلكه السفينة الإيرانية؟ وما هي المخاطر على لبنان؟

 ويجيب جليلفاند “السفينة ستحتاج إلى الوصول إلى البحر المتوسط إما عبر قناة السويس أو مضيق جبل طارق، الأمر الذي سيستغرق وقتًا أطول، وإذا رست السفينة في ميناء لبناني، فإن ذلك سيعرض البلاد مباشرة لتهديد العقوبات الأمريكية، لذلك من الممكن أن تفرغ السفينة حمولتها في سوريا، حيث يمكن نقلها إلى لبنان عن طريق البر”.

وقبل شهر تقريبًا، أعلنت السلطات الإيرانية عن افتتاح محطة نفطية في خليج عمان لتجنب استخدام طريق مضيق هرمز البحري في ظل التوترات الإقليمية الحالية، وتقع بالقرب من ميناء جاسك على خليج عمان، جنوب مضيق هرمز مباشرة، ما سيسمح للسفن بالتوجه إلى بحر العرب وما وراءه لتجنب الطريق الضيق. 

كما أنشأت طهران خط أنابيب بطول 1000 كيلومتر لنقل نفطها الخام إلى المحطة الجديدة جنوب شرق جوره في محافظة بوشهر، فوفقًا للحكومة، من المفترض أن يوفر موقع المحطة الجديدة عدة أيام من الملاحة لناقلات النفط التي تسير في البحر.

ولأن عقوبات واشنطن لا تستهدف الجمهورية الإسلامية فحسب، بل أي كيان يتاجر معها، فقد كانت إيران حذرة للغاية بشأن طبيعة هذه التبادلات. 

ويقول أوميد شكري، مستشار الطاقة في واشنطن: إيران معتادة على ضغوط اقتصادية قوية، لقد نجت من ما يقرب من 40 عامًا من العقوبات الأمريكية، فضلاً عن عقوبات الأمم المتحدة القاسية على برنامجها النووي من 2010 إلى 2015، لذلك فهي تعرف كيف تتجنب العقوبات من أجل بيع نفطها والحصول على المنتجات والمواد الخام اللازمة للحفاظ على اقتصادها.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا