العدسة – معتز أشرف

ما بين يوم وليلة، رفعت بعض الأنظمة العربية التي توصف بالاستبداد والقمع شعارات مكافحة الفساد وسط ضجة كبيرة، وكان الوضع في السعودية ومصر لافتا بدرجة أكبر، بعدما قادت المملكة العربية السعودية لواء الكفاح ضد من أسمتهم ” الفاسدين” وفي بعض الأقوال الأخرى للمحللين “المنافسين”، وهو ما تكرر في مصر بعد أيام من تدشين السباق الانتخابي المقرر لرئاسة مصر مع قيام جهاز الرقابة الإدارية بالقبض علي محافظ المنوفية ورجلي أعمال، حيث تصاعد الحديث عن كفاح النظام المتهم بالفساد في تقارير كثيرة ضد “الفساد “، ما يطرح سؤالا عن الفساد في الوطن العربي ككل، وخاصة في مصر والسعودية، التي يتحدث مراقبون كُثُر عن أن رفع راية مكافحة الفساد فيهما، يستهدف أشياء أخرى بينما المواطنون الذين شاركوا في الربيع العربي وعدد من الدول العربية الأخرى لازالوا يعتقدون أنه لا ثورة تمت، ولا طحين جاء حتى الآن.

مؤشرات اقتصادية

في عام 2014، جاءت 5 دول عربية بين الدول العشر الأكثر فسادا، وفقا للمؤشر التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2014،  وحلت دول مثل العراق في المركز 170، وليبيا في المركز 166، واليمن في المركز 161، وسوريا في المركز 159، ودخلت جميعها بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم، وحصلت السعودية علي المركز 55 عالميا بحصولهم على 49 نقطة، ومصر في المركز 94 .

ويصنف مؤشر الفساد الدول، وفقا لمستويات الفساد في القطاع العام فيها، وضمت القائمة 177 دولة، تحتل فيها الدولة الأكثر فسادا المركز الأخير، والأقل فسادا المركز الأول، وتعد هذه المنظمة غير الحكومية، التي تتخذ من برلين مقرا لها، دليلا سنويا لانتشار الفساد بين الأحزاب السياسية والشرطة والنظام القضائي والخدمات العامة، في جميع البلدان.

وفي عام 2015، كشف مؤشر الفساد العالمي، الصادر عن المنظمة، تراجع مصر إلى المرتبة الـ88، من بين 168 دولة على مستوى العالم، وجاءت السعودية في المركز الرابع عربيا والـ48 على المستوى العالمي، وجاء الأردن في المركز الثالث عربيا، والبحرين خامسا، والكويت سادسا، وفقا لتقرير المنظمة، فيما بيَّن المؤشر تَصَدُّر دولة قطر، وتليها الإمارات، بقائمة الدول العربية الأقل فسادا، حيث احتلت قطر المرتبة الأولى على المستوى العربي، والمرتبة 22 عالميا، حيث تقدمت بأربعة مراكز عن عام 2014، بعد حصولها على 71 درجة، تلتها الإمارات في المرتبة الثانية عربيا والـ23 عالميا .

وفي عام 2016، احتلت ست دول عربية مكانة متقدمة في قائمة الدول الـ10 الأكثر فسادا على مستوى العالم، وفق تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2016، الصادر عن ذات المنظمة الدولية التي تتخذ من برلين مقرا لها، وتراجعت السعودية 14 مركزاً في الترتيب العالمي، واحتلت المركز 62 بـ46 نقطة، فيما كانت في العام الماضي تحتل المركز 48 عالمياً بـ52 نقطة، كما تراجعت مصر بـ20 مركزاً، فيما أكد التقرير أن الوضع في مصر لا يزال سيئا، حيث قالت المنظمة إن الحكومة المصرية تعدت على الهيئات المستقلة، عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي مرسوما رئاسيا بإقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، وإدانته ومحاكمته قضائيا، بعد كشفه لحجم ما تكبدته مصر من خسائر بسبب الفساد، خلال السنوات الأربع الأخيرة.

منافسون أم فاسدون

“هل هي مكافحة للفساد تتم في لسعودية، أم مكافحة المنافسين؟”، هذا هو السؤال الأهم، المستمر منذ انطلاق الخطوة الدرامية والسريعة في أوائل نوفمبر الماضي، باحتجاز العشرات من الأمراء والمسؤولين وكبار رجال الأعمال في السعودية، ومن بينهم ملاك حصص رئيسية في بعض الشركات بوزن رئيس مجلس إدارة مجموعة “بن لادن” السعودية العملاقة للبناء، ذات الملكية العائلية، وأفراد آخرين من عائلة “بن لادن”، في إطار ما أعلنته المملكة من حملة لمكافحة الفساد، وهو السؤال الذي أجابت عنه صحيفة “دويشيه” الألمانية البارزة، حيث رأت في تقرير لها أن “مكافحة الفساد” كانت “لتعبيد الطريق نحو العرش”، مؤكدة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مستمر في تثبيت نفوذه وتشديد قبضته في السعودية، وتعد حملة مكافحة الفساد خطوة متقدمة بحسب مراقبين، على طريق تولي الأمير محمد بن سلمان عرش السعودية، بعد تنحيه منتقديه ومنافسيه رغم ترويج البعض أنها قد تفيد الاستثمار .

وقالت الصحيفة الألمانية في تقريرها: ” إن تتبع مسار حملة الاعتقالات والمجالات التي يعمل فيها المعتقلون، يبين أن الأمير الشاب يريد الانفراد في السيطرة على مراكز القرار المؤثرة عسكرياً واقتصادياً – بل وحتى دينياً – من أجل تمهيد الطريق إلى تنصيبه على عرش المملكة الغنية بالنفط”.

يأتي ذلك خاصة أن الإعلان عن تأسيس اللجنة العليا لمكافحة الفساد في السعودية برئاسة ولي العهد جاء في ظل وجود جهات حكومية مختصة بالدور نفسه، حيث تمتلك  السعودية ثلاثة أجهزة حكومية تقوم بالمهمة نفسها، أحدثها “نزاهة”، والتي تم إنشاؤها في عهد الملك عبد الله لمكافحة الفساد، فضلاً عن ديوان المحاسبة المؤسس في عام 1971، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهو أكد التحليلات التي تتحدث عن أن الحملة تتم لإقصاء منافسي محمد بن سلمان لتسهيل وصوله إلى العرش، كونها أسهل الوسائل لإلباس التهم المعلبة والجاهزة، وإسباغ صفة الفساد على المتهمين، ما يجعل تطلعهم للحكم في مهب الريح.

صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية كذلك، بحسب ما نقلته صحيفة القدس العربي اعتبرت ما حصل تشديداً لقبضة ولي العهد السعودي الحديدية على العائلة الحاكمة، لقمع موجة غضب متصاعدة داخلها، نتيجة تركيز السلطات العسكرية والمالية والإعلامية في يد الأمير محمد بن سلمان، بعد أن كانت موزعة ضمن العائلة، وكذلك لمنع كل المنافسين المحتملين، وهو ما يفسّر على الصعيد المالي، اعتقال الوليد بن طلال وتجميد حساباته، ويفسّر على الصعيد العسكري، إعفاء ثم اعتقال الأمير متعب، الذي كان خلال حكم والده عبد الله، مرشّحا للدور الذي يلعبه ولي العهد الحالي.

فساد مصر للركب

وفي السعودية الوضع هكذا، هكذا وصف الدكتور خالد المحيسن، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالسعودية (نزاهة)، الفساد ببلاده ، بـ” الفساد المركب “، لكن في مصر دشن قبله بسنوات مسؤول حكومي رفيع المستوى في العهد البائد مصطلح ” الفساد للركب” ليصف وضع بلاده، وهو زكريا عزمي، رئيس ديوان الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي حوكم في قضايا فساد وكسب غير مشروع، ووصفت النيابة العامة فساده وصل للرأس، حيث تقدر تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة، بحسب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، خلال العام الماضي، بـ600 مليار جنيه .

الضربة الموجهة بحسب مراقبين لوزارة التنمية المحلية والمحافظين، ممثلة في أحدهم في أهم محافظة، تحسب علي النظام القديم والعسكري، وكذلك لرجال الأعمال يمكن قراءتها في سياق الاستعداد للانتخابات الرئاسية، بتوجيه رسالة مبكرة للأطراف التي تشارك في الإشراف على الانتخابات، والممولين المحتملين لحملة المرشح الرئاسي المحتمل الرئيس الحالي، الذي واجه ولازال مشاكل جمة مع رجال الأعمال بسبب رفضهم سياسية الابتزاز، واستقطاع الأموال التي تبناها النظام الحالي، تحت شعارات وطنية براقة، منها: ” تحيا مصر ” .

جلبة القبض علي محافظ المنوفية ورجلي الأعمال، رافقها للدلالة علي ذاك السيناريو دعم إعلامي واسع، لتسويق الحادث لصالح النظام قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل، تصدرها كالعادة في التوك شو الإعلامي عمرو أديب المحسوب علي النظام الحاكم، خلال تقديمه برنامج “كل يوم” المذاع عبر فضائية “أون إي”، قائلا مادحا نظامه: “هناك قبضة حديدية ويد ثقيلة على الفساد”، بالتزامن مع نشر العديد من وسائل الإعلام الحكومية والمقربة منها تقارير تشيد بأداء الرقابة الإدارية والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وسرعان ما وقف اللواء محمد عرفان، رئيس الهيئة خلال كلمته بافتتاح عدد من المشروعات التنموية بمحافظة المنوفية، اليوم الاثنين، ليستكمل العزف التسويقي لرئيسه، حيث قال موجهًا حديثه للسيسي “حلمك لأبناء الوطن عظيم، وطموحاتك كبيرة، ونحن جميعًا معك، لنحيي الأمل وننجز العمل”.

مآرب أخرى

الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إبراهيم الطاهر، يؤكد لـ”العدسة”، أن الحديث عن الفساد في الأنظمة العربية، حديث متصل وممتد، وتجارب تلك الأنظمة مع حملات مكافحة الفساد غالبا ما يكون لها مآرب أخرى غير الهدف الرئيسي والعنوان المعلن لتلك الحملات، لأنها تكون حملات ممنهجة، ومكافحة انتقائية، أقرب ما تكون إلى الابتزاز والاستيلاء على الأموال.

وأشار إلى أنه، على سبيل المثال في السعودية، فإن الاستيلاء الإداري على مجموعة “بن لادن” العملاقة يؤكد أن حملة مكافحة الفساد التي أعلنت عنها، ممنهجة ضد شركات بعينها، أو رجال أعمال بعينهم، وأن هذه الإجراءات التي اتخذتها المملكة، تمثل رسالة سلبية للمستثمر الأجنبي، وتخلق مناخا طاردا للاستثمارات.

وحول مصر يرى “الطاهر” أن الفساد في مصر فساد شبكي ممنهج، والنظام يرعاه، ولا يحاربه، وإن قام بمحاربته فهي شكلية، والإعلان عن محاكمة بعض الفاسدين هدفها التغطية على عمليات فساد أكبر، قائلا: ” النظام في مصر يتعامل مع المستثمرين ورجال الأعمال بنظرية “شخلل تعدي”، ولكم أن تتخيلوا أن لجان مكافحة الفساد التي تم تشكيلها في مصر بعض أعضائها كانوا متهمين سابقا في عمليات فساد”.

ويتوقع “الطاهر” أن تكون ضجة الرقابة الإدارية الجديدة ذات مآرب أخرى، قائلا: “وقد يتخذ النظام الحالي الانتخابات فزاعة لابتزاز رجال الأعمال والاستيلاء على جزء من أموالهم”، مؤكدا أن الفساد هو أحد أبرز الدعائم التي تعتمد عليها الأنظمة القمعية، وهو شريان رئيسي في دورة حياة النظام المصري الحالي.

من ناحية يرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي أن مكافحة الفساد إن كان الهدف منها القضاء بالفعل على الفساد بدون مجاملات أو استثناءات، فهو أمر إيجابي ويشجع على الاستثمارات المحلية والأجنبية؛ لأن المستثمر هدفه العمل في مناخ استثماري نظيف يضمن فيه الحفاظ على أمواله، ولكن الواقع أن هذه الأنظمة ترعى الفساد وتعتمد عليه، فكيف تحاربها!، بحسب تعبيره .