العدسة – معتز أشرف
في الثلاثين من مارس كل عام تواجه ذكرى “يوم الأرض الفلسطيني” أعباء جديدة تلاحق حرصها على توعية الفلسطينيين، وفي القلب منهم المقدسيون، على مفاهيم القضية وقدسية الأرض المباركة، آخرها المؤشرات المتكررة عن صفقة القرن، التي تستهدف الأرض في المقدمة، فمن ينتصر: أغاريد يوم الأرض أمام أعاصير صفقة القرن التي يراعاها الأمير السعودي الطائش محمد بن سلمان؟، والإجابة نطلّ عليها في هذا التقرير.
تحذير حمساوي!
قبل الاحتفاء الفلسطيني بيوم الأرض، أطلقت حركة حماس الأربعاء تحذيرًا واضحًا برفض ما تم تسريبه حول صفقة القرن والتمسك بكل حقوق الشعب الفلسطيني، وقالت: إن “مشروع “صفقة القرن” الذي أثارته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل شهور، حظي باهتمام سياسي وإعلامي واسع رغم أنَّ مضمونها وتفاصيلها لم تعلن رسميًا بعد، وما صدر بخصوصها حتى الآن تسريبات ومعلومات أوّلية، لكنها تشير في المجمل إلى سقف سياسي منخفض للغاية فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين مقارنة بمشاريع تسوية سابقة، وهذا البعد السلبي وإن كان يشير إلى خطورة كبيرة للصفقة على مستقبل القضية، لكنه في ذات الوقت يزيد من صعوبة تمريرها، ويوفّر فرصة جيدة لنقدها ومهاجمتها، ولخلق رأي عام رافض لها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا”.
حماس التي أطلق ذراعها العسكري القسام مناورات عسكرية لأول مرة تستهدف- وفق البعض- التمهيد للتصدي لأي مخطط من مخططات صفقة القرن، أشارت إلى أنَّ “التعاطي الإعلامي مع “صفقة القرن” ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار قراءة المعطيات السياسية المحيطة بالمشروع، للوقوف على حجم التحديات التي يفرضها، وعلى فرص تعطيله ومواجهته..
ومن تلك المعطيات: المشروع الأمريكي ينسجم مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتشدد، ولم تصدر حتى اللحظة مواقف أوروبية واضحة تجاهه، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، وذلك بسبب عدم إعلان صيغة رسمية للصفقة حتى اللحظة، لكن يرجّح أن تكون مواقف روسيا والعديد من الدول الأوروبية غير مرتاحة للمضامين التي تم تسريبها؛ حيث ما تزال تلك الدول تعلن تمسكها بحل الدولتين، وقد عارضت في مجلس الأمن والجمعية العامة قرار ترامب بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، كما أكدت حماس أن قيادة الحركة تبادر في إطلاق مواقف سياسية قوية ضد توجهات ترامب، وقامت باتصالات سياسية لدعم رؤيتها”، مشيرةً إلى أن “موقف قيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح رافض، حتى اللحظة، للمضامين التي تم تسريبها بخصوص الصفقة ويتخذ منها موقفًا سلبيًا، بل إن مصادر مقربة من محمود عباس حرصت على نشر التسريبات بخصوصها، وفضلًا عن السقف المنخفض للصفقة الذي يبتعد كثيرًا عن الحدّ الأدنى الذي تطرحه السلطة للتسوية السياسية، فإنها تدرك صعوبة تمريرها فلسطينيًا على مستوى الشعب والفصائل، بل حتى داخل أوساط حركة فتح ذاتها، الأمر الذي يجعل قبولها دون إجراء تعديلات مهمة عليها، شكلًا من أشكال الانتحار السياسي، حتى لو تم تبرير ذلك بالضغوط الأمريكية وبالخذلان العربي”.
التحذير الحمساوي جاء في وقت قد يبدو متأخرا؛ حيث تم تكثيف التحركات وإنجاز بعضها، ووفق موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، نقلًا عن مصدر دبلوماسي غربي ومسؤولين فلسطينيين، أن فريقًا أمريكيًا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على “الاتفاق النهائي” الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والذي يعرف بـ”صفقة القرن”، وبحسب الموقع البريطاني، أوضح الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخوَّل بمناقشة الموضوع مع وسائل الإعلام، أن الاتفاق سيتضمن ما يلي: إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ، وب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية، فيما توفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة مع تأجيل القدس وقضية عودة اللاجئين لمفاوضات لاحقة، مع إطلاق مفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية.
خيانات “ابن سلمان”
الأمير الطائش محمد بن سلمان، برزت خياناته في هذه القضية بشكل واضح، ويضعه البعض عضوًا ليوم الأرض الفلسطيني في هذه المرة؛ حيث ثبت تورطه الكامل في تمرير الصفقة، وبحسب التقارير المتواترة، فإنَّ السعودية تحاول إنقاذ نفسها على حساب القضية الفلسطينية، وهو ما يقوم عليه الأمير محمد بن سلمان، وهذا مكمن الخطر ويجب التصدي له، بحسب مراقبين، في ظل التقارب السعودي الإسرائيلي، وهو ما كشفه موقع إيلاف السعودي في مقابلة مع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، وتصريح رئيس المخابرات السعودي تركي الفيصل، في ندوة عقدت في نيويورك مؤخرًا، في حضور مدير الموساد الأسبق أفرايم هاليفي بأنّ الاتصالات السعودية الإسرائيلية تعود إلى فترة السبعينيات”.
وبحسب موقع “ميديل إيست آي” البريطاني فإن جاريد كوشنر المستشار الخاص لترامب ورئيس فريقه لعملية السلام زار السعودية أخيرًا، وأطلع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الخطة كما طلب كوشنر من السعوديين المساعدة في إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الخطة التي سيتم تقديمها رسميًا في أوائل عام 2018، وحسب “ميديل إيست آي”، قال الدبلوماسي الذي كان قريبًا جدًا من الفريق الأمريكي إنَّ بن سلمان التقى عباس في مطلع نوفمبر، ليطلعه على الاقتراح. وطلب ولي العهد من الرئيس الفلسطيني قبول الخطة وإبداء رأي إيجابي بشأنها، وقال الدبلوماسي: “إنَّ بن سلمان متحمس جدًا للخطة”، وأضاف أنه حريص على التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أولًا، ثم بين إسرائيل والدول العربية كخطوة أولى لتشكيل ائتلاف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني”.
وقال الدبلوماسي، إنّ بن سلمان أبلغ كوشنر أنه مستعد لاستثمار كميات ضخمة من رؤوس الأموال في الصفقة، وسيعطي القيادة الفلسطينية الحوافز اللازمة لدفعها للاستجابة الإيجابية، فيما قال مسؤولون فلسطينيون لـ”ميديل إيست آي” إن عباس التقى بن سلمان خلال زيارته الأخيرة للرياض التي بدأت في 8 نوفمبر. وإن هناك عرضًا لزيادة الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية بثلاثة أضعاف تقريبًا من 7.5 مليون دولار شهريًا إلى 20 مليون دولار.
وقال بن سلمان لعباس، إنَّ التهديد الإيراني للدول العربية خطير، كما ذكرت مصادر قريبة من المحادثات، وإن السعودية في حاجة ماسة إلى دعم من الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة “نزاعها الوجودي” مع طهران. ونقل الموقع عن ولي العهد، قوله: “إننا لا نستطيع أن نأخذ إسرائيل إلى جانبنا قبل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، وقال مسؤول فلسطيني: “يعتقد الرئيس عباس أن الخطة يمكن أن تكون جيدة فقط إذا أضفنا إليها عبارة “حدود 1967″. ونحن على استعداد لإعطاء إسرائيل الوقت إذا كانوا على استعداد لإعطائنا الأرض”.
لن تمر!
وبحسب مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات المتخصص في الشأن الفلسطيني، فإنَّ الغموض الجاري مع صفقة القرن أقربُ إلى أن تكون “بالونات اختبار” لاستكشاف ردود الفعل المحتملة، وتجهيز الإجراءات المناسبة للتعامل معها أو لتهيئة الأجواء لاستقبال “المولود الجديد”؟! وفق تعبير د.محسن صالح مدير المركز، والذي أكد أننا أمام محاولة جديدة لتصفية قضية فلسطين، فهي ليست صفقة بين طرفين، بل هي تعبير عن غطرسة القوة الأمريكية/الإسرائيلية، ومحاولة لفرض إرادة الاحتلال الصهيوني وشروطه وتصوراته لإغلاق الملف الفلسطيني، مضيفًا: “أيًا تكن طبيعة التفصيلات الصغيرة؛ فإن هذا النوع من “الصفقات” مهما جرى تزويق عناوينه، فإن مصيره الفشل، وهذه “الصفقة” لن تمر فحتى هذه اللحظة؛ لا يوجد فلسطيني (حتى من التيار الداعم للتسوية) يقبل بصفقة كهذه؛ والحدّ الأعلى الإسرائيلي لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يوافق عليه أي فلسطيني، وما دام الشعب الفلسطيني هو الجهة المعنية أساسًا فلن يستطيع الصهاينة والأمريكان فرض إرادتهم عليه؛ خاصة أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع على مدى السبعين سنة الماضية، وحتى لو وُجد- على سبيل الافتراض- من يدَّعي تمثيل الفلسطينيين ويوافق عليها؛ فإن قضية فلسطين- ببعدها العربي وبُعدها الإسلامي- لا يمكن تصفيتها، وستجد دائمًا من يدافع عنها ويقاتل في سبيلها ويفشل مخططات تصفيتها”.
اضف تعليقا