العدسة _ أحمد فارس
لن يمرَّ قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يناقشه مجلس النواب المصري، بهدوء تام، ولكن يتضح أنه يثير ضجة أكبر خلال الأيام القليلة الماضية، قبل إقراره بشكل رسمي ونهائي.
تصاعدت أزمة القانون “المشبوه” خلال الأسبوع الماضي بشكل ملحوظ، في ظل إصرار النظام الحالي عبر أذرعه في مجلس النواب، الذي تُسيطر عليه الأغلبية المتمثلة في “دعم مصر”– المدعومة من النظام الحالي-، وتأييد الهيئات والمجالس الصحفية والإعلامية لنصوص القانون.
أصداء محاولات تمرير القانون تتسارع في ظل حالة غضب كبيرة في الأوساط الصحفية؛ إذ إن القانون يفتح الباب أمام فرض هيمنة وسيطرة تامة على الصحف والصحفيين في مصر عقب إصداره، بالشكل الذي سيكون حينها حبس الصحفيين- على سبيل المثال- قانونيًا تمامًا.
تمرير سريع!
ظهرت المسودة النهائية لقانون تنظيم الصحافة والإعلام داخل مجلس النواب من أجل تمريره خلال شهر رمضان الماضي، بعد الموافقة عليه في الجلسة العامة لمجلس النواب، وإحالة مشروع القانون لمجلس الدولة لمراجعته.
الدستور يلزم مجلس النواب بأخذ آراء الجهات المعنية عند مناقشة قانون يخصهم، فمثلًا عند مناقشة مشروع قانون يخص مجلس الدولة، لابد من الاستماع إلى رأى المستشارين في هذه الجهة، لتنظيم القانون الذي يتعلق بهم، وهكذا عند نظر قانون يخص الصحفيين، لابد من الاستماع إلى نقابة الصحفيين ومناقشتها في المواد.
ولكن من وحي الأزمة التي ظهرت عقب عيد الفطر بشكل كبير ومستمرة حتى الآن– سنتعرض لها لاحقًا في التقرير- يتضح أن مشروع القانون لم يأخذ وقتًا في المناقشة، بما يضمن حقوق الصحفيين ويُحصِّنهم خلال أداء دورهم.
ويتضح من خلال تصريحات رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، أسامة هيكل، بأنَّ القانون سيمرّ بصورته التي عُرِضت على الجلسة العامة، بما يعني رغبة في سرعة تمريره قبل نهاية دور الانعقاد الحالي، دون الانتظار إلى دور الانعقاد الجديد.
ربما يرتبط هذا الأمر برغبة في إحكام السيطرة على وسائل الإعلام بشكل قانوني، فضلًا عن التضييق على الصحفيين وجعل إلقاء القبض عليهم أمرًا قانونيًا تمامًا.
ملاحظات جوهرية
ويواجه النظام الحالي انتقادات حادة دولية، فيما يتعلق بحرية الصحافة، وسط مطالبات وتنديد بحبس الصحفيين دون مبرِّر وسند قانوني، ومن هنا يمكن أن يكون القانون حلًا سحريًا للنظام الحالي، لمواجهة هذه الضغوط، بدعوى عدم اتخاذ إجراءات إلا في إطار القانون.
وتنصّ المادة “29” من القانون “سيئ السمعة”: “لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد”.
وتعتبر هذه الحالات السابقة التي تجيز الحبس الاحتياطي، بما تحتويه من عبارات “فضفاضة”، هي أساس حبس الصحفيين على مدار السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا من وصول السيسي إلى سدة الحكم.
ومن متابعة الاتهامات الموجهة إلى الصحفيين، فالاتهامات الرئيسية هي “الانتماء لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة”، وثمَّة قضية تحمل رقم 441 حصر أمن الدولة، تخصّ الصحفيين بشكل خاص، ينضم إليها الصحفيون عقب القبض عليهم.
كما أنَّ القانون يفرض على الصحفي الذي يرغب في صناعة مادة في الشارع الحصول على إذن مسبق من الجهات المختصة؛ إذ إنَّ هذه المادة وحدها كفيلة بفرض تضييق غير مسبوق على العمل الصحفي والإعلامي، ولكن ممارسة هذا التضييق ليس جديدًا، فثمة اعتقال لصحفيين جاء بناء على عدم حصولهم على ترخيص للتسجيل والتصوير مع مواطنين، رغم أنه لا يوجد قانون ينص على ذلك.
ويفرض القانون على المؤسسات القومية– المملوكة للدولة- وصاية كبيرة، باعتبار رئيس الهيئة الوطنية للصحافة رئيس الجمعيات العمومية لكل المؤسسات القومية، وهي خطوة تحدث لأول مرة.
وقال محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين: إن المادة “4، 5” من قانون تنظيم “الصحافة والإعلام” في الباب الأول المتعلق بـ”الأعلى للصحافة والإعلام”، تتعارض مع المادة 71 من الدستور التي تنصّ على أن “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية”، والدستور هنا رفض عملية الحظر، فكيف يتم إقرارها في قانون تنظيم الصحافة والإعلام ويتم منح الحق لجهة مشكلة من رئيس السلطة التنفيذية، قائلًا: “في حالة نشر أي صحيفة انتقاد ما، أليس من حق تلك الجهة المعينة من رئيس الجمهورية، وفقًا لما أقره القانون حظرها أو مصادرتها؟”.
وتقنّن المادتان اللتان أشار إليهما “عبد الحفيظ”، مسألة حجب المواقع، التي اتبعها النظام الحالي منذ العام الماضي؛ إذ وصل عدد المواقع المحجوبة داخل مصر وخارجها إلى ما يزيد عن 500 موقع.
أزمة نقابة الصحفيين
عدم الاكتراث الواضح من قِبل رئيس لجنة الثقافة والإعلام أسامة هيكل، وتصريحات كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، بأنَّ كل الأمور تسير بشكل جيد، في إشارة إلى تمرير القانون، أثارت ضجَّة كبيرة في الوسط الصحفي، وتحديدًا داخل مجلس نقابة الصحفيين.
في البداية بدأ عدد من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة بتجميع توقيعات لعقد جمعية عمومية طارئة، لاتخاذ موقف أكثر حسمًا لمنع تمرير هذا القانون، ولكن رأى نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة– المدعوم من النظام الحالي- تأجيل البت في هذا الأمر، لانتظار ما تسفر عنه المناقشات مع مجلس النواب.
ولكن ومع استشعار أعضاء مجلس النقابة بإصرار النظام الحالي على المضي في تمرير القانون، صعدوا الأمر، وطالبوا بالتزام النقيب بالقانون وعقد عمومية طارئة وفقًا لطلب ما يزيد عن 700 عضو، وهو ما يتجاوز النسبة القانونية المقررة لمثل هذه الحالات.
أصداء واسعة لهذا الموقف، خاصة وأنَّ النقيب وعد بالاتفاق حول النقاط الخلافية وتعديلها دون وضوح الرؤية، وربما استشعر الصحفيون وأعضاء المجلس بأن ثمة مماطلة فقط لحين تمرير القانون والموافقة عليه رسميًا.
وأصدر 6 أعضاء في مجلس النقابة بيانًا طالبوا فيه النقيب بالالتزام بالقانون والدعوة لجمعية عمومية طارئة، وسط تلويح بالاستقالة من المجلس.
هذا الأمر كان له حيثية كبيرة بعدما أعلن أبو السعود محمد، عضو المجلس، استقالته عبر صفحته على موقع “فيسبوك”، إذا تم تمرير القانون، نظرًا لعدم اتخاذ مجلس نقابة الصحفيين موقفًا قويًا لمنع إصدار القانون.
وقال أبو السعود: “أشعر أنَّ الحرب ضد الصحفيين وحريتهم في التعبير عن آمال وآلام شعب مصر قد وصلت لنهاية المطاف.. وصولًا إلى المسمار الأخير الذي تريد الدولة أن تضعه في نعش الحريات لتكبيل أيدينا وألسنتنا وعقولنا وضمائرنا بقانون فاقد للأهلية”.
نقيب الصحفيين من جانبه، حاول تهدئة الموقف، بالتأكيد على استمرار جهوده لتعديل نصوص القانون بشكل توافقي مع نواب البرلمان، وفقًا لما هو مكلَّف به من قِبل مجلس النقابة، دون الحاجة إلى التصعيد.
وقال الأعضاء الستة وهم “جمال عبد الرحيم، محمد خراجة، حسين الزناتي، محمد سعد عبد الحفيظ، محمود كامل، عمرو بدر”: “بعد أن صدرت جميع التصريحات من المسؤولين عن التعديلات المطلوبة لتؤكّد أن القانون المشبوه باقٍ بنصوصه الكارثية وأنَّ أي تعديلات ستحدث، إن حدثت، ستكون شكلية وغير مؤثرة، وهو ما يعني عمليًا أننا وصلنا لطريق مسدود بات معه استدعاء الجمعية العمومية للنقابة سبيلًا لا مفر منه”.
وأضافوا: “تأكد لنا وصول القانون إلى البرلمان بعد مراجعته من مجلس الدولة، لاسيما أن مجلس النقابة تلقى طلبًا من 183 زميلًا لعقد جمعية عمومية طارئة، ولم يبت فيه حتى هذه اللحظة”.
هل يمر؟
ولكن السؤال وبعد الضغوط من قبل أعضاء مجلس النقابة، هل يمرِّر النظام الحالي القانون كما هو؟
يبدو من وقائع الأمور أنَّ النظام الحالي لن يتنازل عن جوهر وفلسفة القانون، التي تشير إلى تكريس الهيمنة وفرض الرقابة والوصاية اللصيقة على كل المؤسسات الإعلامية والصحفية.
وما يزيد من تعقيدات الأمر، ما تحدث عنه أعضاء مجلس نقابة الصحفيين حول وصول القانون من مجلس الدولة بعد مراجعته، أي أنه يمكن أن يصدر في أي وقت خلال الأيام القليلة الماضية.
وهنا يمكن رسم سيناريوهات للتعامل مع الأزمة:
أولًا: تمرير سريع: حتى الآن ما يتَّضح من التحركات داخل النظام الحالي أن القانون سيمر مهما حدث خلال الفترة المقبلة، وهنا يمكن النظر إلى الحملات في وسائل إعلام موالية للنظام الحالي، لتشويه أعضاء مجلس النقابة الرافضين للقانون، مقابل تخصيص مساحات لتصريحات المؤيدين للقانون من الموالين للنظام الحالي، لمحاولة إظهار وجود تأييد له.
ثانيًا: تأجيل التمرير: ولكن إذا تصاعدت الأزمة داخل نقابة الصحفيين، ولم تفلح أي ضغوط للتراجع قليلًا عن الموقف الصدامي، يمكن تأجيل القانون لدور الانعقاد الجديد، بعد امتصاص حالة الغضب، لحين الانتخابات داخل النقابة، وربما تطيح ببعض الأعضاء غير المرغوب فيهم من النظام الحالي، وهو ما يسهّل تمريره.
ثالثًا: إدخال تعديلات: ومن غير المتوقع أن يقبل النظام الحالي على تعديل نصوص القانون، بما يجعله يبتعد عن فلسفته، في فرض مزيدٍ من القيود على العمل الصحفي بشكل كبير، بل وتحجيم الصحفيين بشكل ملحوظ خلال الفترة المقبلة، وتقنين ممارسات الجهات الأمنية بحق الصحفيين.
اضف تعليقا