ساعات قليلة تفصلنا عن نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية المرتقب، بشأن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بحسب ما أعلنت وكالة “بلومبيرغ”، بعدما قررت المخابرات الأمريكية رفع السرية عن التقرير بعد المكالمة التي أجراها بالعاهل السعودي.
التصريحات العامة للمسؤولين الأميركيين تشير إلى أن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لم يتخذ قرارا بشأن آلية محاسبة المتورطين في جريمة مقتل خاشقجي حيث إن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أشار إلى ان أميركا تبحث طرقا أخرى لمحاسبة مرتكبي الجريمة على أفعالهم.
قد يكون من بين الخيارات تقليص مبيعات الأسلحة للسعودية وفرض عقوبات، وهذه يعني صورة أو بإخرى ربما إبعاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن دائرة المحاسبة بشكل أو بآخر، وخصوصا أنه تم الإعلان قبل يومين في تقرير المخابرات الأميركية أن الطائرتين الخاصتين اللتين استخدمتهما فرقة الاغتيال كانتا مملوكتين لشركة كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد استحوذ عليها قبل أقل من عام.
وعلى الرغم من أن الاتصال الهاتفي بين الملك السعودي والرئيس الأميركي والذي كان من المنتظر أن يناقش هذا الموضوع بالتحديد تم بين الطرفين مساء الخميس الماضي، إلا أنه لم يتم الإعلان عن فحوى هذا التهاتف المتعلق بموضوع مقتل خاشقجي حيث اكتفى بيان البيت الأبيض بالقول إن بايدن والملك سلمان بحثا الأمن الإقليمي، بما في ذلك الإنهاء السلمي للحرب في اليمن، وهذا ما يؤشر على وجود صفقات معينة ربما من شأنها إخراج ولي العهد السعودي من هذه الورطة مقابل مزيد من الأموال والتنازلات السعودية.
لا شك أن شهر العسل الذي كان يعشه ولي العهد السعودي خلال فترة تولي ترامب الرئاسة الأميركية انتهى، ولكن الحديث يدور الآن عن المقابل الذي يجب أن تدفعه السعودية مقابل الحفاظ على محمد بن سلمان حيث وجه أحد النواب الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي رسالة دعا فيها إلى تخفيف كبير في المساعدة الأمريكية للسعودية إلى أن تظهر المملكة مساءلة حقيقية بشأن حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهذا أيضا يعتبر سيناريو آخر للتعامل مع هذه القضية.
تقليص التعاون النووي الأميركي مع السعودي ايضا طرح من قبل أحد النواب الأميركيين في الكونغرس وذلك في إطار العقوبات التي يتم الحديث عنها كرد على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، حيث دعا النائب الديمقراطي عن ولاية فرجينيا جيري كونولي أيضا إلى تقليص التعاون النووي حتى توقع السعودية اتفاقية لبرنامج مدني يحظر صراحة تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
ولا شك أن الإدارة الأميركية وإن اختلفت وجوهها وأهوائها وطرقها فهي تتعامل مع السعودية من منطلق وهو استنزاف الأموال السعودية لخدمة المصالح الاميركية وإبقاء هذا البلد الغني بالنفط رهين سياساتها وقرارتها وهين تنفيذ سياستها في المنطقة.
إدانة دولية
والعام الماضي، رصدت المقررة الأممية أغنيس كالامارد، في تقريرها لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي نُشر في جنيف، أدلة ذات مصداقية على وجود مسؤولية شخصية محتملة لابن سلمان، في مقتل خاشقجي، في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية.
فقد قالت محققة بالأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي إنه يتعين التحقيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين كبار آخرين في مقتل الصحفي جمال خاشقجي نظرا لوجود أدلة موثوق بها على مسؤوليتهم عن مقتله.
المحققة الدولية كالامار خرجت باستنتاجاتها بعد ستة أشهر من تحقيق دؤوب لما متوفر من آثار وأدلة، خصوصا تلك التي وضعتها تركيا تحت تصرف المحققين الدوليين، وبينها تسجيل صوتي، حيث شمل تقريرها 100 صفحة اتهمت فيه السعودية بتنفيذ “إعدام متعمد ومدبر”، حسب ما جاء في التقرير. وقالت كالامار “هناك أدلة موثوقة كافية تتعلق بمسؤولية ولي العهد تتطلب إجراء المزيد من التحقيق”.
مسؤولية ولي العهد
المحققة الأممية لم توجه تهمة مباشرة لولي العهد السعودي بالضلوع المباشر في عملية الاغتيال السياسي، إلا أنه، وحسب تقرير كالامار، لم يكن ممكنا أن يحدث كل ذلك دون علم الرجل القوي والحاكم الفعلي في المملكة، محمد بن سلمان.
وقالت كالامار إن “كل الخبراء أجمعوا على حقيقة أن هذه العملية لا يمكن تنفيذها دون علم ولي العهد على الأقل”، كما خلصت إلى أن تدمير الأدلة – الذي حدث بعد 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 للتستر على جريمة القتل- لا يمكن أن يحدث دون علمه أيضا”.
ورغم أن كالامار لم تتوصل -بحسب صحيفة واشنطن بوست- إلى استنتاج حول مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو مستشاره السابق سعود القحطاني، فإن تقريرها أفاد بأنه من غير المعقول تنفيذ عملية بحجم قتل خاشقجي دون علم محمد بن سلمان.
من جانبها، دعت صحيفة غارديان البريطانية إلى التحقيق مع ولي العهد السعودي لأن “أدلة موثوقة” بحسب رأيها تشير إلى أنه مسؤول عن القتل، خاصة أن هذا الاستنتاج توصلت إليه وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) في وقت سابق.
لا جديد في الرد السعودي
لكن الرياض رفضت التقرير جملة وتفصيلا ووصفته بأنه “يتضمن ادعاءات لا اساس لها وتطعن في مصداقيته”، حسب ما صرح به وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير.
وقال الجبير في تغريدة على تويتر “لا جديد.. يتضمن تقرير المقررة في مجلس حقوق الإنسان تناقضات واضحة وادعاءات لا أساس لها تطعن في مصداقيته”. ورفض الجبير أي محاولة للتأثير على المحاكمة أو تعليق نظر القضاء السعودي في القضية. وقال الجبير في بيان لاحق نشرته وكالة الأنباء السعودية إن التقرير يحوي “ادعاءات واتهامات زائفة يؤكد بأنها نابعة من أفكار ومواقف مسبقة” لدى كالامار بشأن المملكة.
وتحدد كالامار مسؤولية ولي العهد في نقاط مهمة، حيث قالت كالامار للصحفيين بعد صدور تقريرها: “ما يتعين التحقيق فيه هو إلى أي مدى علم ولي العهد أو كان ينبغي له أن يعلم بما حدث للسيد خاشقجي، وما إذا حض على القتل بشكل مباشر أو غير مباشر… وما إذا كان بإمكانه منع الإعدام عند بدء المهمة وتقاعس عن فعل ذلك”.
كما حثت كالامار دول العالم في تقريرها على وقف تراخيص تصدير تكنولوجيا المراقبة حتى تبرهن السعودية على أن استخدامها يقتصر على “الأغراض القانونية”. كما دعت الولايات المتحدة إلى فتح تحقيق لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) والشروع في إجراءات قضائية داخل الولايات المتحدة. لكن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي رفض التعليق على التقرير.
اقرأ أيضًا: ابن سلمان يوظف “المنع من السفر” للسيطرة على المعارضين
اضف تعليقا