العدسة – مؤيد كنعان:

مساء السبت 4 نوفمبر: أوامر مشددة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمطارات في كافة أنحاء المملكة العربية السعودية بمنع أية طائرات خاصة أو مروحيات من التحليق، وإبقاء الطائرات الخاصة في المطارات تحت حراسة مشددة (محللون: القرار يهدف لمنع الأمراء ورجال الأعمال من محاولة الهرب بعد حملة الاعتقالات المفاجئة والكبيرة نوعيا والتي شنها “بن سلمان” بحق أمراء ورجال أعمال أبرزهم الملياردير الوليد بن طلال، والوليد آل إبراهيم، والأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وشقيقه، وآخرون)

مساء الأحد 5 نوفمبر: الإعلان عن تحطم مروحية بالقرب من سواحل البحر الأحمر بمنطقة تهامة عسير، ومصرع جميع من بداخلها، وهم الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة عسير، ووكيل الإمارة سليمان بن محمد بن سليمان الجريش، والأمين العام للإمارة صالح القاضي، ومدير عام فرع الزراعة فهد بن سعيد الفرطيش، وآخرون.

 

الأمير منصور بن مقرن

الربط بين الحدثين هنا يبدو شديد الأهمية لسببين: الأول توقيت الحادث، بعد ساعات من عمليات الاعتقال الكبرى التي نفذها “بن سلمان” في الرياض، بعد دقائق من تشكيله هيئة عليا لمكافحة الفساد، والحديث عن اعتقالات جديدة لمراكز قوى مهمة في الأسرة الحاكمة بالسعودية، أما الثاني فيتعلق بالمكان الذي شهد الحادث، حيث سقطت الطائرة المروحية بالقرب من سواحل البحر الأحمر، أي بمنطقة حدودية بالمملكة.

أسئلة مهمة

هنا تكون الإجابة عن مجموعة من الأسئلة ضرورية لمحاولة فهم ما جرى واحتمالية علاقته بالساعات العصيبة التي سبقته في الرياض..

السؤال الأول: ما هي المهمة التي  استدعت تجمع نائب أمير عسير ومدير الشرطة ومدير الزراعة في مروحية واحدة؟

تشير الأنباء الرسمية السعودية إلى أن القتلى كانوا في مهمة تفقدية لمحافظة البرك، جنوب غرب السعودية، لكن تلك الرواية لم تشبع النهم إلى إجابات على أسئلة أخرى، أبرزها: ما الذي كان يتفقده القتلى في البرك، فلا أنباء عن مشروعات مهمة في ذلك المكان ليذهب إليها هؤلاء في مروحية في هذا المكان الحرج أمنيا، لقربه من الحدود الجنوبية السعودية في جازان.

تبقى فرضية محاولة الهروب قائمة، حيث سقطت المروحية على بعد كيلومترات قليلة من ساحل البحر الأحمر، وهو ما يمكن تفسيره بأن المروحية كانت في طريقها للخروج من المملكة بشكل سريع، ولم يكن يعرف وجهتها، لكنها بالتأكيد كانت ستذهب إلى أقرب مكان خارج البلاد، نظرا لطبيعة المروحية التي لا تحلق لمسافات طويلة لأسباب تقنية.

 

 

فرضية الهروب تقودنا إلى السؤال الثاني.. وهو: ما هي طبيعة العلاقة بين القتيل منصور بن مقرن بن عبد العزيز والملك سلمان ونجله؟

في 29 أبريل 2015 أصدر الملك سلمان قرارا مفاجئا بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز (والد القتيل منصور) من منصبه كولي لعهد المملكة، حينها تحدثت تقارير عن أن “مقرن” فوجئ بالقرار، حيث لم يطلبه ولم يتم إخباره بنية الملك من الأساس.

الأسباب التي ساقتها التقارير كانت تشير إلى أن مقرن دفع هذا الثمن لمعارضته حملة عاصفة الحزم على اليمن، والتي شنها محمد بن سلمان وكان عرابا لها، ولا يزال.

من هنا قد نستطيع فهم احتمالية وجود علاقة عداء شديدة بين نجل مقرن ونجل سلمان، حيث يرى الأول أن والده تم التضحية به وإهانته بسبب “بن سلمان”، وبناء على هذا فإن الثاني يرى في الأمير منصور أحد أبرز خصومه من الشباب داخل الأسرة الحاكمة، ويعد توليته منصب نائب أمير إمارة متطرفة جغرافيا كـ “عسير” دليلا على هذا التوتر.

استهداف حوثي

السؤال الثالث: هل استهدف الحوثيون مروحية الأمير منصور بن مقرن ورفاقه؟

لا يجب استبعاد هذه الاحتمالية، نظرا لقرب منطقة سقوط الطائرة من الحدود الجنوبية للمملكة في جازان، وهذه المنطقة شديدة الالتهاب أمنيا، وسط تقارير بتطور كبير في قدرات الحوثيين الصاروخية وتشكيلهم خطرا فعليا على القوات السعودية في جازان وعسير.

وقبل حوالي 7 أيام من الحادث، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا صغيرا على محافظة ظهران الجنوب في عسير، مما يعني أن عسيرا تقع في مدى ضرباتهم بأريحية، علاوة على تقارير أشارت إلى نجاحهم في الوصول إلى التسلل من الحدود اليمنية والوصول إلى عسير وحدوث معارك بينهم وبين القوات السعودية هناك.

شواهد داعمة

ما يدعم هذا الاحتمال هو أمران: الأول إعلان التحالف العربي إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية مع اليمن، عقب واقعة إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا على الرياض، والثاني هو رصد المملكة مكافآت مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات تسهل الوصول إلى قيادات الحوثيين، أبرزها 30 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى عبد الملك الحوثي، زعيم الميليشيات.

أخطر ما في تلك الاحتمالية، أنه في حال صحتها، فإن ذلك يعني أن طرفا نافذا داخل المملكة يمد الحوثيين بمعلومات ميدانية مهمة أدت إلى معرفتهم بالصيد الثمين الذي على متن المروحية المحلقة بالقرب من سواحل عسير، والمبادرة إلى ضربها، وهو ما يعني اختراقا فادحا في الخطوط السعودية لصالح الحوثيين.

ومن المعروف أن قائمة أعداء “بن سلمان” طالت وكثرت، وقد يكون إفشال عملية “عاصفة الحزم” هدفا في حد ذاته لخصوم ولي العهد الشاب داخل المملكة، فهذه الحرب كان من المخطط أن تكون بوابته الذهبية لدخول التاريخ والجلوس على عرش المملكة أخيرا، وفي هذه الحالة سيكون بطلا منتصرا، من هنا تبقى هزيمته في تلك الحملة هدفا في حد ذاتها، لذلك قد ينظر إلى احتمالية الاختراق الحوثي بقوة وفق هذا التصور.

 

 

حساسية التوقيت

في النهاية سقطت مروحية “منصور بن مقرن” بينما كان محمد بن سلمان ينافح في جهتين: الأولى ضد خصومه من أساطين الأسرة الحاكمة ومراكز قوتها المؤثرة، والثانية ضد إيران وأذرعها الحوثيين وحزب الله، لذلك يظل التوقيت هو البطل في محاولة فهم أسباب الحادث.

ولأن كل الاحتمالات مفتوحة، يجب ألا نستبعد شيئا، وبالتأكيد لا يستطيع “بن سلمان” نفي التهمة التي تلاحقه بالمسؤولية عن سقوط المروحية في فضاءات التحليل والبحث والتوقع، وفرضية القضاء والقدر البحت بالطبع قد تكون مطروحة، لكن هذا القضاء والقدر جاء في وقت شديد الحساسية يجعل بحتية هذه الفرضية أمرا مستبعدا.