العدسة – معتز أشرف:

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استعداده لأية احتمالية، ولأي سيناريو كائنًا ما هو، من جانب إيران، في مواجهة الكيان الصهيوني، ورغم أن السيناريو الأسوأ الذي ينتظره نتنياهو مرتبط بحرب عظمى -بحسب المراقبين- إلا أنه يجد فيه متنفسًا بين الحين والآخر للتخلص من ضغط الداخل ومغازلة ديار الأمير المتصهين محمد بن سلمان.

نرصد أصداء التهديدات المتبادلة وموقع نيتياهو في المشهد، في ظل وجود السعودية بين الخصمين اللدودين.

مستعدون للمواجهة

تصريح صهيوني حاد يتزامن مع كثرة التوقعات والتحليلات في الآونة الأخيرة، حول إمكانية اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، قد تكون على الأراضي السورية واللبنانية، وسط التصاعد الملحوظ لوتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف إيرانية في الداخل السوري، كان آخرها على مطار التيفور العسكري، حيث توجد هناك قواعد لميليشيات إيرانية.

ومن وسط مشاكله الداخلية أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامن نتنياهو” تصريحات لاذعة تؤكد استعداد تل أبيب للرد على أي تحرُّك من قبل طهران، معتبرًا أن إيران تسعى لتدمير إسرائيل، وزعم في تصريحات خلال حضوره لقاءً لأعضاء هيئة أركان الجيش ووزير دفاعه “أفيغدور ليبرمان”، ورئيس هيئة الأركان العامة “غادي أيزنكوت”: “سمعت اليوم الأقوال التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني، الذي يتهم إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، هذا هو وزير خارجية دولة ترسل الطائرات المسيَّرة المسلحة إلى إسرائيل، وتطلق الصواريخ على السعودية”.

وأضاف: “سمعت أيضًا أقواله المعتدلة وهناك فجوة هائلة بين هذه الكلمات وبين أفعال الحرس الثوري الذي يرسل جيشًا ضد إسرائيل وهدفه المعلن هو تدمير دولة إسرائيل، هذه الكلمات لا تؤثر عليّ، أثق بهذا المنتدى وبجيش الدفاع الإسرائيلي، المستعد لأية احتمالية ولأي سيناريو كان”.

وكان وزير الخارجية الإيراني، أحمد جواد ظريف، قال في مقابلة مع قناة “سي بي إس” الأمريكية: “لا أعتقد أننا سائرون باتجاه حرب إقليمية، ولكن إسرائيل، للأسف، مستمرة في خرقها للقانون الدولي، وتأمل أن تفعل ذلك بلا عقاب بفضل الدعم الأمريكي، وتبحث عن ستار للتخفي وراءه، ولكن ذلك الستار لن يجدي بعد الآن”، واتهم ظريف إسرائيل “بتصعيد التوترات” بخرقها الأجواء السورية، لقصف مواقع زعمت أنها قواعد إيرانية.
يأتي هذا بينما يؤكد الحرس الثوري الإيراني حضوره وجاهزيته لمواجهة أي عدوان إسرائيلي، ويشدد على أن الحرب المقبلة ستؤدي إلى زوال إسرائيل، أما تل أبيب في المقابل فتنصح من جانبها طهران بعدم اختبار قدرات الجيش الإسرائيلي، وتؤكد أنها جاهزة لكل الاحتمالات بما في ذلك حرب متعددة الجبهات.

بوادر حرب

وتلوح في الأفق -بحسب مراقبين- بوادر مواجهة بين الخصمين اللدودين، منذ العاشر من فبراير الماضي، عندما أعلنت إسرائيل أن طائرة إيرانية مسلحة دون طيار انطلقت من قاعدة بسوريا واخترقت أراضيها، وأسقطت إسرائيل الطائرة، ولكنها فقدت طائرة من طراز إف-16 بنيران المضادات الأرضية السورية خلال غارة انتقامية، وفي التاسع من أبريل الجاري قتلت غارة جوية سبعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني في القاعدة السورية، وألقت طهران باللوم على إسرائيل، وتوعدت برد لم تكشف النقاب عنه، ما دفع إسرائيل إلى توجيه تهديدات مضادة بتوسيع نطاق الهجمات على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، فيما أعلن سلاح الجو الإسرائيلي أن الضربات التي شنتها إسرائيل في سوريا تعد الأكبر منذ 1982.

التصريحات الصهيونية غير مطمئنة بالمرة، برغم النفي، خاصة أنها صادرة من الصقور، ففي حين أكد أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن سياسة حكومته التي تقضي بألا يكون لإيران وجود راسخ في سوريا، وقال خلال مقابلة في الإذاعة الإسرائيلية: “مهما كان الثمن، لن نسمح بوضع طوق حول رقبتنا”، لكن “ليبرمان” قال عندما سئل عما إذا كان ذلك يعني أن الحرب وشيكة: “آمل لا، أعتقد أن دورنا الأساسي هو منع الحرب، وهذا يتطلب ردعًا ملموسًا وحقيقيًّا بالإضافة إلى الاستعداد للعمل”، كما أشار إسرائيل “كاتس” وزير المخابرات الإسرائيلية إلى أن القوى الكبرى قد تتدخل للحد من نشاط إيران في سوريا، دون توضيح لماهية التدخل.

الأمر يزداد قلقًا، بحسب صحيفة “التايمز” التي نشرت مقالًا تحليليًّا على مساحة صفحتين داخليتين فيها بشأن الحرب في سوريا والأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط، تحت عنوان “خصومات تدفع بالشرق الأوسط إلى حربه المقبلة”، توقعت فيها قيام “حرب بين إيران وإسرائيل ستغير الشرق الأوسط”، حيث يرى المقال، الذي كتبه محرر الشؤون الدبلوماسية بالتايمز روجر بويز، أن الصراع السري بين إيران وإسرائيل بات الآن مفتوحًا وعلنيًّا، ولا أحد يعرف أين سينتهي ما يسميه صراع “الجبابرة” في الشرق الأوسط، كما يضيف أن الحرب الدائرة في سوريا استمرت لثلاثين شهرًا أكثر من الحرب العالمية الثانية، ومازالت مستعرة في صراع غيّر طبيعة الحرب الحديثة، وسيعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن المواجهة ستكون بين إيران التي تدعم بشكل مباشر بقاء الأسد في السلطة وتقاتل من أجل تحقيق تفوق وهيمنة إقليمية، وإسرائيل التي تعد التوسع الإيراني تهديدًا لوجودها.

تراشق محسوب!

صحيفة “صندي تايمز”، من جانبها نشرت مقالا مهما في هذا السياق، لأستاذ علوم الحرب في كلية كينجز كوليج، البروفيسور لورنس فريدمان، أكد فيه أن المواجهات بين إسرائيل وإيران ستتواصل، إلا أن الطرفين يعلمان أن حربًا شاملة ليست من صالحهما، وقال في تحليله المطول: “إيران وإسرائيل تشجبان بعضهما منذ وقت طويل، وعلينا الملاحظة أنهما ليستا عدوتين طبيعيتين، وبينهما مسافة 600 ميل، فلا توجد هناك نزاعات حدودية، وعندما يتم الحديث عن مستقبل بشار الأسد فكلاهما متفق على بقائه في الحكم، وهناك مخاوف مما سيحصل بعدما ينهار نظامه”، فيما يشير الكاتب إلى أن “إسرائيل وإيران أقامتا في أيام الشاه تحالفًا إستراتيجيًّا قائمًا على عدم الثقة بالدول العربية، فلم تطرد إيران اليهود، كما حصل مع دول عربية أخرى، وتدهورت العلاقات بعد الثورة الإسلامية عام 1979، التي التزم فيها النظام الجديد بالقضية الفلسطينية”.
ولفت “فريدمان” الانتباه إلى توزان القوى بين الاثنين، حيث إن “طهران عثرت على طرق عدة لإظهار قوتها في الشرق الأوسط، أولًا من خلال دعم وتمويل حزب الله في لبنان، ومن ثم العراق وسوريا، والأخطر في هذه النشاطات كلها هي مواصلتها البرنامج النووي”، فيما تمتلك إسرائيل برنامجًا نوويًّا تعده رادعًا لأعدائها، ولن يكون له أثر لو استطاع واحد من أعدائها مساواة ترسانتها النووية، ولهذا السبب، فإنها قامت بعمليات وقائية، وضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981، والسوري عام 2007، وهي مستعدة لفعل الأمر ذاته مع إيران، ومشروع الأخيرة أكبر وتتوفر له حماية مشددة”، فيما دعا البروفيسور إلى عدم الخلط بين الخطابات النارية والتقدم نحو الحرب، مشيرًا إلى أن مواجهة واسعة ستحمل معها مخاطر عظيمة لكل من إسرائيل وإيران، مؤكدًا أن “المسألة هي إن استمر الطرفان في عمليات الانتقام والعين بالعين، وإظهار أنهما لن يتراجعا، فإن الوضع قد ينفجر بطريقة خارجة عن السيطرة”.

مبررات التصعيد

تصريحات نتنياهو التصعيدية يمكن قراءتها بحسب مراقبين في سياق التحقيق الذي يخضع له في 4 ملفات، هى: الملف 1000 و2000 و3000 و4000، ويتضمن الملف رقم 1000 اتهامات لنتنياهو وزوجته سارة بتلقي أموال ورشاوى من قبل رجال أعمال كبار لتسهيل مهام تجارية لهم، أما القضية 2000، فتخص صفقة المقايضة بين نتنياهو وبين صاحب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حول الحد من عمل صحيفة «إسرائيل اليوم» المنافسة مقابل تغطية أفضل من «يديعوت»، ويشتبه بتورط نتنياهو في ملف 3000 المتعلق بشبهات فساد في شراء غواصات ألمانية، أما التحقيق مع نتنياهو في الملف 4000، متعلق بشبهات فساد في عمل شركة اتصالات إسرائيلية منحت تسهيلات مقابل تغطية إعلامية أفضل في موقع يملكه صاحب الشركة، وبحسب مراقبين، فقد زادت التحقيقات مع نتنياهو من الضغوط عليه في وقت يهدد ائتلافه الحكومي بالانهيار، كما تقف العلاقات الصهيونية السعودية المتصاعدة بقوة، بحسب كثيرين، وراء ظهور نتنياهو بموقف انفعالي مدافعًا عن السعودية، وبحسب جوناثان ماركوس محرر الدفاع والشؤون الدبلوماسية في “بي بي سي”، فإن هناك تحالفًا فعليًّا بين السعودية وإسرائيل في الصراع ضد نفوذ إيران المتنامي في المنطقة أفرز علاقة متطورة وشديدة الحساسية في نفس الوقت.