مرة أخرى تواجه السعودية انتقادات وتهماً بتسييس الحرمين المقدسين لدى المسلمين، بعد أن قررت اتخاذ إجراءات أمنية ومرورية واسعة في مكة المكرمة ومحيط الحرم المكي المكتظ خلال رمضان؛ تزامناً مع انعقاد 3 قمم دعا إليها الملك سلمان بن عبد العزيز.
الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، أخذ على عاتقه الدفاع عن سلوك السلطات فدعا قاصدي بيت الله الحرام إلى “الإسهام في إنجاح القمم الخليجية والعربية والإسلامية التي ستُعقد في مكة خلال الأيام القادمة”، في حين طلب مسؤول أمني سعودي من جميع الزوار التعاون أيضاً.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة (السديس): إنه “على المعتمرين والزوار التخفيف من الزحام على بيت الله الحرام في أيام انعقاد القمم الثلاث؛ إسهاماً في إنجاح مؤتمرات هذه القمة التي تنعقد بشكل شبه متزامن”.
وأضاف السديس في دعوته المثيرة لمئات الآلاف من المعتمرين الذين قدِموا من بلدان شتى لزيارة المسجد الحرام، أن ذلك “من يُسر الشريعة، حيث إن مساجد مكة المكرمة على الصحيح من قولَي العلماء تُضاعف فيها الصلاة في منطقة الحرم”.
ورغم اكتظاظ مكة بالزوار والمعتمرين خلال رمضان في الأيام العشر الأخيرة منه تحديداً، اختار العاهل السعودي المدينة المقدسة مكاناً لعقد قمتين سياسيتين ينتظر أن تحضرهما شخصيات عربية بارزة، “من أجل التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة”.
ويتطلب عقد القمتين بهذا الحجم إجراءات أمنية ومرورية مشددة كان الأولى أن تحصل في العاصمة الرياض، حيث ضيقت تلك الخطوات على زوار البيت الحرام في هذه الأوقات من رمضان.
ويأتي عقد القمتين الخليجية والعربي بالتزامن مع انعقاد القمة الإسلامية، المقررة في 31 مايو الموافق 26 رمضان، في مكة أيضاً.
ويأتي انعقاد القمم في وقت تشهد فيه منطقة الخليج توتراً بين واشنطن وطهران، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط، وسط معلومات استخباراتية تفيد برصد استعدادات إيرانية لتنفيذ هجمات محتملة تستهدف القوات أو المصالح الأمريكية في المنطقة.
كما تعرضت قبل ذلك سفن سعودية لهجمات قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، ووصلت هجمات مليشيا الحوثي اليمنية إلى قلب السعودية واستهدف عملاق النفط أرامكو ومطار جيزان.
تسييس الشعائر الدينية
وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها السعودية على تسييس الحرمين وجعلهما ساحة للندوات أو الخلافات السياسية، فقد سبق أن ضغطت من خلالهما على دول سعياً لتنفيذ رغباتها.
إذ سبق وشددت من إجراءاتها على سفر الحجاج القطريين إلى الديار المقدسة، في انتهاك جديد لحقوق الإنسان وتسييس الحج الذي ترفضه مؤسسات حقوقية وإسلامية دولية، عقب الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017 وحصار قطر، من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
ومنذ يوليو 2018، رفعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية شكوى إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنيِّ بحرية الدين والعقيدة، بشأن التضييقات السعودية على حجاجها ومعتمريها.
وأبدت قطر قلقها الشديد “إزاء تسييس الشعائر الدينية، واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، في انتهاك صارخ لجميع المواثيق والأعراف الدولية، التي تنص على حرية ممارسة الشعائر الدينية”، حسبما جاء في بيان لها.
وتقول اللجنة إن المملكة منذ بدء الحصار اتخذت حزمة من الإجراءات والتدابير، من شأنها إعاقة سفر المواطنين القطريين لأداء شعائر الحج والعمرة.
وتضيف: إن “السعودية سمحت للقطريين بالدخول إلى أراضيها عبر مَنفذَين جويين فقط، وتنطبق هذه القرارات على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر، حيث يتعين عليهم العودة إلى الدوحة ثم الدخول إلى الأراضي السعودية لأداء الشعائر الدينية عبر المَنفذين المحددين”.
ليست قطر فقط من وُضعت أمام مواطنيها عراقيل أداء مناسك الحج والعمرة؛ بل شملت أيضاً مواطني دول أخرى رغم الصعوبات الإنسانية التي تعيشها.
ففي اليمن، وبسبب الخلافات والحرب التي تخوضها السعودية فيها، واحتدام المعارك على الأصعدة كافة مع الحوثيين، فرضت الرياض مجموعة من القيود على حجاج اليمن، ومنعت إعطاء تصاريح لهم لأداء مناسك الحج.
ومؤخراً اتهمت وزارة الأوقاف التابعة للحوثيين في اليمن السعودية بمنع دخول أبناء المحافظات اليمنية الشمالية التي يسيطرون عليها لأداء مناسك العمرة للموسم الجاري.
وقالت الوزارة: إن “السلطات السعودية منعت دخول المعتمرين اليمنيين من أبناء المحافظات الشمالية، وتعمل على إرجاعهم من منفذ الوديعة رغم حصولهم على التأشيرة اللازمة للعمرة، بذريعة أنهم من مناطق تحت إدارة المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني”. بحسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التابعة للحوثيين.
وقال وكيل الوزارة إسماعيل ضيف الله: إن “تسييس مناسك الحج والعمرة أمر مرفوض، ومن حق كل مسلم أن يحج بيت الله الحرام أو يعتمر، ولا يحق لأحد منعه أو حرمانه من زيارة بيت الله”.
أما الفلسطينيون فقد أصدرت السلطات السعودية في العام 2016 قراراً يحظر على المقيمين منهم بالدول العربية تأدية مناسك الحج والعمرة، مبرِّرة القرار بأنه صدر لمنع دخول عناصر “إرهابية” إلى المملكة.
كما حرمت السعودية الليبيين من أداء شعيرة الحج، ما لم يكونوا حاصلين على جواز السفر الإلكتروني.
وقالت وزارة الأوقاف الليبية الرسمية، إنها خاطبت وزارة الحج السعودية وطلبت منها إعفاء الحجاج الليبيين من هذا الشرط، إلا أنها ردَّت بالرفض، معلِّلة ذلك بأن القرار مطبَّق على كل الحجاج، وأشارت تقارير إعلامية إلى أن سلطات المملكة اعتقلت معتمرين ليبيين وسلَّمتهم إلى قوات خليفة حفتر (مناهضة للحكومة المعترف بها دولياً)، ويقبعون في سجن “قرنادة”.
استياء من الاحتكار
احتكار السعودية وتحكمها بالحرمين الشريفين وفق هوى حكامها، حدا بعدة دول إلى السخط والمطالبة بإنهاء هذا الاحتكار المسيس.
أبرز هذه الخطوات جاءت في يناير 2018 عندما أبدت عدة دول إسلامية عدم ثقتها بإدارة الرياض للمناسك الإسلامية؛ إذ أُعلن في ماليزيا إنشاء هيئة دولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين والمشاعر المقدسة، وضمن ذلك المواقع التاريخية الإسلامية.
وقالت الهيئة حينها إنها تسعى لمنع استخدام الأراضي المقدسة لأغراض سياسية، وإلى وقف أعمال طمس الهوية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالتوسع العمراني الذي تقوم به المملكة.
وحسب الملف التعريفي للهيئة، فهي تسعى أيضاً إلى منع استفراد السعودية بإدارة المشاعر المقدسة بصورة تؤثر في سلامة الحجاج والمعتمرين، وضمان عدم إغلاق المشاعر أمام الزوار لأسباب غير مقنعة.
وستعمل الهيئة أيضاً على التأكد من أن المملكة توزع حصص الحج والعمرة على الدول الإسلامية بصورة عادلة، وأنها لا تُسيِّس العبادات الدينية.
وقالت الهيئة إنها ستقوم بتحقيقات دورية في استخدام السعودية الأراضي المقدسة على مدى 100 عام لأغراض سياسية، ورصد الانتهاكات الميدانية، وتقديم النصح للمملكة
اضف تعليقا