في نهاية مارس 2021، أعلنت تركيا الموافقة على خطط إنشاء قناة إسطنبول، التي ستربط البحر الأسود شمال إسطنبول ببحر مرمرة جنوباً، بتكلفة تقدر بنحو 75 مليار ليرة (9.2 مليار دولار). سيكون هذا أحد أكبر مشاريع البنية التحتية ليس فقط في تركيا، ولكن على مستوى العالم أيضًا.
قال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عادل قرايسمايل أوغلو: “ستعمل قناة إسطنبول كممر مائي دولي يكمل القوة اللوجستية والبنية التحتية لتركيا من خلال أداء وظيفة مهمة في التجارة البحرية العالمية”.
ومن المخطط بناء القناة التي يبلغ طولها 45 كيلومترًا (31 ميلًا) غرب وسط المدينة على الجانب الأوروبي من اسطنبول، مما يقسم المدينة التي يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة. بعمق 20.75 مترًا (68.1 قدمًا) وعرض 360 مترًا (1180 قدمًا) على السطح وعرض 275 مترًا (902 قدمًا) في الجزء السفلي، كما أنه من المتوقع أن تبلغ سعة الممر المائي الضخم 160 سفينة في اليوم. إنه يتجاوز مضيق البوسفور المائي، والذي غالبًا ما يكون مزدحمًا ويشكل تهديدات بيئية على اسطنبول.
- وجهة نظر الحكومة..
يذكر عدد من الخبراء أن خطة قناة اسطنبول هي الأكثر طموحًا في سلسلة من مشاريع البنية التحتية التي غيرت المضيق التركي منذ تولى حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان. السلطة عام 2003.
وأكدت الحكومة التركية أن القناة ستخفف العبء عن حركة الملاحة البحرية على مضيق البوسفور، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم ، كما أنها ستمنع حوادث مماثلة للحادث الأخير المتعلق بجنوح سفينة في قناة السويس المصرية.
فيما يتعلق بالطلب الهائل على الممرات المائية التركية ، أوضحت ناشيونال جيوجرافيك: “تشكل الآلاف من ناقلات النفط جزءًا من 53000 سفينة مدنية وعسكرية عبرت مضيق البوسفور في عام 2017، مقارنة بحوالي 12000 سفينة عبرت قناة بنما، و17000 قناة السويس “.
في حديثه في المكتبة الوطنية الرئاسية في أنقرة يوم الأربعاء، ادعى الرئيس أردوغان أن مشروع قناة اسطنبول الضخم سيؤدي إلى مزيد من راحة البال للأمة التركية. ونقلت وكالة الأناضول عنه قوله: “إننا نحقق العمل الذي من خلاله نحقق استقلالنا وسيادتنا إلى أقصى حد”.
ومن المتوقع أن يوفر المشروع نحو 20000 فرصة عمل جديدة أثناء الإنشاء وبعد الانتهاء من القناة. وبحسب مديرية الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، فإنها ستجلب مشاريع عملاقة جديدة، من شأنها توفير أجواء مشجعة للمستثمرين، وحل الازدحام المروري وإنهاء المخاوف البيئية. ومع ذلك، هناك العديد من منتقدي المشروع، مثل رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي يقول إن لديه 15 سببًا لمعارضة مشروع قناة أردوغان.
- وجهة نظر المعارضة التركية..
وأكد إمام أوغلو أن “قناة إسطنبول ليست مشروع خيانة ، لكنها مشروع قتل”. وأضاف “أنه مشروع كارثي يهدد وجود 16 مليون (نسمة في اسطنبول) وأمن 82 مليون (مواطن تركي)”.
وأوضح أن أحد أسباب معارضته هو النقص المحتمل في المياه الذي يمكن أن تسببه القناة. وأوضح إمام أوغلو أنه “إذا تم تنفيذ المشروع ، فستفقد اسطنبول مصادر المياه الموجودة تحت الأرض وفوق الأرض. ناهيك عن الأسباب الأربعة عشر الأخرى، فإن هذا السبب في حد ذاته كافٍ لتعليق المشروع”، حسب قوله.
كما أكد أن القناة قد تؤدي إلى خطر حدوث زلزال في المدينة، ولها عواقب اقتصادية على المواطنين، حيث ستؤدي إلى مزيد من الضرائب.
وقال إن من بين الأسباب الأخرى أن مشروع القناة سينتهك اتفاقية مونترو التي “تحمي تركيا والدول المطلة على البحر الأسود”، ويشير إلى أن تأثيرها سينتهك سبع اتفاقيات دولية أخرى.
- رد الحكومة على المعارضة..
يرى بعض الخبراء أن المشروع قد يكون له عواقب بيئية خطيرة. يقول جيهان بايسال، الأكاديمي الذي يدرس التنمية الحضرية في تركيا وعضو في مجموعة الدفاع عن الغابات الشمالية: “نحن في الواقع نطلق على هذه مشاريع” الإبادة البيئية “.
لكن يبدو أن كل هذه المخاوف المزعومة تنبع من خلافات سياسية، بين الأشخاص أو الساسة أو الأحزاب الذين أثاروها، وبين الحزب الحاكم في تركيا.
حيث أوضح المسؤولون الأتراك أن جميع المخاوف التي أثارها المعارضون وغيرهم، تمت معالجتها وبحثها خلال أكثر من عقد من المداولات والدراسات من قبل خبراء ومختصين.
وحسب الصحفي التركي المقرب من الحكومة، حمزة تكين، فقد عمل نحو 204 من الخبراء والعلماء الأتراك على الاستشارات والتخطيط والاستعدادات للمشروع. وقال: “في 27 آذار 2018 طرح المشروع للنقاش من قبل 507 مؤسسات حكومية وخاصة ، وجميعهم أبدوا رأيهم فيه قبل أن يصدروا قرارا نهائيا بالتوصية بتنفيذ هذا المشروع السيادي”.
كما صرح وزير البيئة التركي، مراد كوروم، بأن وزارته وافقت على المشروع، مؤكدًا: “اقتربت الوزارة من الهواء والماء والغابات والتربة والمساحات الخضراء والبحيرات والبحر والتوازن البيئي في اسطنبول باستراتيجية لحماية البيئة والتوازن البيئي”، وأكد أن الأكاديميين والمتخصصين في مجال البيئة والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية قدموا آراءهم واستشاراتهم في هذا الشأن.
وحول فوائد المشروع للبيئة، أضاف تكين: “سيوفر المشروع 4.67 مليون متر مربع من الغابات و86.7 متر مربع من المساحات الخضراء والحدائق والساحات والملاعب الخضراء”.
أما فيما يتعلق بانتهاك اتفاقية مونترو والاتفاقيات الدولية الأخرى، أوضح المسؤولون الأتراك أن مشروع القناة لا يهدف إلى المساس باتفاقية مونترو. وبالرغم من ذلك، فإن هذه الاتفاقية لا تتناول بشكل كامل حقوق تركيا المتعلقة بمضائقها ، فضلاً عن عدم احترام سيادتها.
ويؤكد أردوغان أن “مشروع قناة اسطنبول، الذي لا علاقة له باتفاقية مونترو، سيجلب لتركيا مزيدًا من الراحة والسلام”. مضيفًا: “إننا نحقق العمل الذي سنحقق من خلاله استقلالنا وسيادتنا إلى أقصى حد”.
- هل ينسحب أردوغان من اتفاقية مونترو؟
لكن من ناحية أخرى، لم يخف أردوغان وحزبه نية حل الاتفاقية. وهو ما برز حين سأل أحد المراسلين رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنتوب، عما إذا كان أردوغان “قد يحل اتفاقية مونترو”، فأجاب “من الناحية الفنية ، نعم”.
وبشأن قضية حل الاتفاقية ، قال أردوغان: “إذا ظهرت مثل هذه الحاجة في المستقبل، فلن نتردد في مراجعة كل اتفاقية لتقديم اتفاقية أفضل لبلدنا ، وسنفتحها للمناقشة الدولية”.
وبالرغم من الجدل المستمر حول هذا المشروع وعدم الاستقرار الذي أصاب الليرة التركية، إلا أن الاقتصاد التركي لا يزال مستقرًا ولا يقوم على الثروات المسروقة أو ممتلكات الدول الأخرى، مثل العديد من القوى العظمى الأخرى حول العالم.
قناة اسطنبول هي جزء من سلسلة من المشاريع الكبرى التي نفذها حزب العدالة والتنمية، والتي حولت تركيا من دولة مدينة إلى دولة دائنة، ورفعت نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 4760 دولارًا في عام 2003 إلى 9126 دولارًا في عام 2019. وهو ما يثبت أن حلم أردوغان ليس حلمًا شخصيًا ، لكنه حلم وطني.
اقرأ أيضًا: يصل البحر الأسود ببحر مرمرة.. تعرف على قناة إسطنبول الجديدة التي تنوي تركيا إنشائها
اضف تعليقا