مخططات التهجير وقناة بن غوريون 

منذ اندلاع الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة، تتكشف معالم مشروع خطير يستهدف ليس فقط تصفية القضية الفلسطينية، بل يمتد ليضرب الأمن القومي المصري في الصميم. 

خطة تهجير الفلسطينيين التي يسوّق لها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تتبناها حكومة الاحتلال الصهيوني، ليست مجرد محاولة لتفريغ القطاع من سكانه، بل هي خطوة أساسية في مشروع أوسع لشق قناة بن غوريون، التي تهدف إلى ضرب قناة السويس وإضعاف مصر استراتيجياً واقتصادياً، فضلاً عن كونها خط دفاع حصين لإسرائيل في أي مواجهة مستقبلية مع مصر.

تقوم الفكرة الأساسية لمشروع “قناة بن غوريون” على شق ممر مائي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر صحراء النقب وقطاع غزة، ما سيخلق ممراً بديلاً لقناة السويس، التي تُعَدُّ شرياناً اقتصادياً رئيسياً لمصر، وتعتمد عليه في جزء كبير من دخلها القومي. 

هذه القناة، التي ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ستحرم مصر من عائدات المرور الدولي، مما يشكل ضربة قاصمة للاقتصاد المصري، الذي يعاني بالفعل من أزمات متلاحقة بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة للنظام الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي.

الأخطر من ذلك، أن هذه القناة لن تكون مجرد مشروع اقتصادي، بل ستشكل حاجزاً مائياً يفصل غزة عن باقي فلسطين، ما يجعلها بمثابة “خندق دفاعي” لإسرائيل ضد أي تهديد عسكري مصري مستقبلي. 

ففي حال نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، سيكون من الصعب على الجيش المصري تنفيذ أي عمليات عسكرية برية باتجاه العمق الفلسطيني بسبب هذه القناة، التي ستحوّل غزة إلى جزيرة معزولة تماماً عن محيطها العربي.

انبطاح السيسي.. خيانة تتجاوز التطبيع

في الوقت الذي تسير فيه إسرائيل قدماً في تنفيذ هذا المخطط، يلتزم النظام المصري صمتاً مريباً، بل ويوفّر الغطاء اللازم لإنجاح هذه المشاريع التوسعية، من خلال تعاونه الأمني والعسكري مع الاحتلال. 

فمنذ انقلاب 2013، لعب السيسي دوراً محورياً في خدمة المصالح الإسرائيلية، سواء عبر تشديد الحصار على غزة، أو عبر التنسيق الأمني المباشر مع الاحتلال لضرب المقاومة الفلسطينية، أو من خلال صفقات الغاز التي جعلت مصر مستورداً للغاز الإسرائيلي رغم امتلاكها احتياطات هائلة في البحر المتوسط.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن النظام المصري ساهم بشكل أو بآخر في تمرير المخططات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة نحو سيناء، رغم النفي الرسمي.

فالمعابر المصرية التي يُفترض أن تكون المتنفس الوحيد للفلسطينيين في ظل الحصار، أصبحت أداة ضغط بيد إسرائيل والنظام المصري، يتم فتحها وإغلاقها وفقاً للمصالح السياسية، بما يخدم أجندة الاحتلال في تفريغ القطاع من سكانه.

خريطة “إسرائيل الكبرى”.. الدور القادم على مصر؟

مع تسارع الأحداث، ظهرت معطيات خطيرة تشير إلى أن المخطط الصهيوني لا يتوقف عند غزة فقط، بل يمتد ليشمل مصر نفسها، فقد نشرت وسائل إعلام صوراً لجنود إسرائيليين في غزة وهم يحملون خرائط لخطة “إسرائيل الكبرى”، التي تشمل أجزاء من سيناء والأردن وسوريا. 

هذه الصور تكشف بوضوح أن تل أبيب لا ترى في مصر مجرد جار، بل تعتبرها جزءاً من أطماعها التوسعية، وأن أي استقرار لمصر هو عقبة أمام تنفيذ هذه المشاريع.

التاريخ يثبت أن إسرائيل لم تتخلَّ أبداً عن فكرة السيطرة على سيناء، بل حاولت مراراً وتكراراً فرض واقع جديد عبر دعم جماعات مسلحة في المنطقة لزعزعة الأمن هناك، إضافة إلى الضغط الدبلوماسي المستمر لإبقاء سيناء منطقة منزوعة السلاح وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد. 

واليوم، مع حكومة يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، تعود هذه المخططات إلى الواجهة بقوة، مدعومة بتواطؤ إقليمي ودولي، وسط صمت رسمي مصري يثير الكثير من التساؤلات.

مصر.. بين خيارين لا ثالث لهما

ما يجري اليوم ليس مجرد مؤامرة على غزة، بل هو تهديد مباشر لمصر نفسها. فالقناة التي تخطط إسرائيل لشقها، والمخططات التوسعية التي بدأت تتكشف، ليست مجرد مشاريع اقتصادية أو عسكرية، بل هي إعلان غير مباشر بأن إسرائيل تسعى لفرض هيمنتها الكاملة على المنطقة، ولو كان ذلك على حساب دول بحجم مصر.

السؤال الآن: هل تدرك القيادة المصرية خطورة الموقف؟ وهل ستكتفي بالصمت والتخاذل كما فعلت في قضايا سابقة، أم أن مصر ستتحرك لحماية أمنها القومي قبل فوات الأوان؟

إن لم تتحرك مصر الآن، فقد تجد نفسها في المستقبل القريب محاصرة بواقع جيوسياسي جديد، تكون فيه قناة السويس مجرد ذكرى، وسيناء في مهب الريح، والاحتلال الإسرائيلي على حدودها الشرقية يهدد وجودها ذاته.

الكاتب 

معتز السيوفي

اقرأ أيضًا : يوم السبت.. هل ينكسر جنون ترامب أمام صمود غزة.. أم ينكسر العالم بانكسارها؟