العدسة – معتز أشرف:

أكاذيب تلو أكاذيب بشأن دعم ديكتاتور الإمارات محمد بن زايد لحقوق الإنسان، نسفها نسفًا الحكم على الناشط الإماراتي البارز أحمد منصور بالسجن لمدة 10 سنوات مع غرامة مالية قدرها مليون درهم  بتهمة التشهير بحكومة الإمارات العربية المتحدة على شبكات التواصل الاجتماعي، ليفتح بن زايد النار على نفسه، ولهذا أسباب نرصدها:

فضيحة المحاكمة!

بعد رحلة طويلة من المحاكمة المناهضة للقانون وحقوق الإنسان بحسب الحقوقيين، قضت محكمة استئناف أبو ظبي الاتحادية على المدافع عن حقوق الإنسان الحقوقي البارز أحمد منصور بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة قدرها مليون درهم، بعد “إدانته بتهمة التشهير بالإمارات عبر قنوات التواصل الاجتماعي”، مع إخضاعه للمراقبة لمدة ثلاث سنوات بعد قضاء العقوبة.

وأمرت المحكمة بمصادرة جميع أجهزة الاتصال المستخدمة فيما وصفتها “الجرائم”، وحذف البيانات وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في “الجرائم”. وهو ما يؤكّد أن تهمة منصور هي التعبير عن الرأي الذي تقدّمه أجهزة الأمن على أنها تهمة “أمن دولة”، وتم إدانته باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر، فيسبوك، إلخ، لنشر “معلومات كاذبة، وشائعات وأكاذيب حول دولة الإمارات، وتعزيز المشاعر الطائفية والكراهية التي من شأنها الإضرار بالوئام الاجتماعي والوحدة في الإمارات”، وذلك بحسب اتهامات نيابة تقنية المعلومات التي تم تشكيلها في مارس 2017 وقبل اختطاف منصور بأسبوع واحد، ما يشير إلى توليف هذه القضية والاتهامات للناشط الحقوقي، بحسب مراقبين.

رسميًا زعمت صحيفة جلف نيوز التي يمتلكها أحد شيوخ أبوظبي، أنَّ منصور “لم يتوقف عن أنشطته وواصل بنشاط أكبر لاستغلال منصات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيس بوك) للإساءة إلى قادة الإمارات. وقد كتب مقالات لنشر مزاعم كاذبة تشوه صورة البلاد وتعرض مصالحها وعلاقاتها مع دول الخليج الأخوية للخطر”، على حد قولها.

 هذه جرائمه!

نشاط بارز للحقوقي “أحمد منصور“، بحسب رصد المراقبين، هو كل جرائمه، فهو عضو المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان وعضو المجلس الاستشاري لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ”هيومن رايتس ووتش”، وكان من أبرز الموقِّعين على عريضة الثالث من مارس 2011، التي توصف بأنها محطة فارقة في العمل الوطني الإماراتي، وكان أيضًا من أوائل من عوقبوا عليها،  في القضية المعروفة إعلاميًا “المعتقلون الخمسة” حيث حُكم على منصور في هذه القضية 3 سنوات قبل أن يُفرج عنه وزملاؤه بعفو رئاسي، وأبرز مطالبه إصدار جواز السفر الإماراتي الموحَّد للإماراتيين كافة، دون الإشارة إلى إمارة حامله، كون ذلك ينطوي على جملة من مظاهر التمييز وعدم المساواة بين الإماراتيين.

“منصور” صعَّد حملته في السنوات الأخيرة وتحدث عن محاولات السلطات الإماراتية التجسس على الإماراتيين، وكشف جنسيةَ شركة إسرائيلية قال إنّ الأجهزة الإماراتية الأمنية اشترت منها برنامج تجسس جديدًا، اعتبره ضمن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ووُجِّهتْ له اتهامات بالإساءة للإمارات ودشنت ضده حملات تشهيرحكومية واسعة حتي اعتقاله، في إطار حملة قمع واسعة طالت أطيافًا كثيرة منها (جمعية الإصلاح) القريبة من جماعة الإخوان التي طالبت بتفعيل برلمانٍ حقيقي في ورقة أَرسَلَت بها إلى حاكم أبو ظبي، إلا أنه جرَى اعتقال كافة أعضاء الجمعية ومنهم شخصيات هامة من إمارة الشارقة.

وفي الأسابيع التي سبقت اعتقاله، استخدم منصور” تويتر للدعوة إلى إطلاق سراح الناشط أسامة النجار، الذي لا يزال في السجن، على الرغم من أنه قد أنهى عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات في مارس 2017 بسبب أنشطته السلمية على تويتر، فضلًا عن الأكاديمي والناقد البارز الدكتور ناصر بن غيث، الذي اعتقل في أغسطس ٢٠١٥ وحكم عليه بالسجن لمدة ١٠ سنوات بسبب تغريداته على تويتر، واستخدم منصور أيضًا حسابه على تويتر للفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مصر واليمن.

ووقع أيضًا رسالة مشتركة مع نشطاء آخرين في المنطقة يطالبون القادة في القمة العربية الذين اجتمعوا في الأردن في مارس 2017 بالإفراج عن السجناء السياسيين في بلدانهم، كما أن لديه أيضًا مدونة كان يكتب فيها عن مواضيع مختلفة، بما في ذلك مقالات عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها بسبب أنشطته السلمية، وكذلك حول حالة حرية التعبير وسجناء الرأي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتكريمًا له ولنشاطه الذي تعتبره سلطات الإمارات، منحت منظمة “مراسلون بلا حدود” وقناة TV5-Monde “منصور” جائزة حرية الصحافة لعام 2017 للمدافع عن حقوق الإنسان في الإمارات، عن فئة “الصحفي المواطن”، فيما حصل على جائزة مارتن إينال للمدافعين عن حقوق الإنسان للعام 2015.

تحدٍّ للجميع

بقرار المحكمة دخلت سلطات الديكتاتور محمد بن زايد في تحدٍّ مع قطاعات أممية وحقوقية دولية بارزة، لا يستهان بها وقد تصعد في الفترة المقبلة ضده؛ حيث تحرك مقررو الأمم المتحدة المعنييون بالمدافعين عن حقوق الإنسان منذ اللحظة الأولى لاعتقاله وإخفائه قسريًا وطالبوا حكومة الإمارات إلى  الإفراج عنه على الفور، ووصفت اعتقاله بـ “الاعتداء المباشر على العمل المشروع للمدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات”، مؤكدين أن “عمله المتميز في حماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، إضافة إلى تعاونه الشفاف مع آليات الأمم المتحدة، له قيمة كبيرة للإمارات وللمنطقة بكاملها”.

كما ساندت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قضية “منصور” في محافل كثيرة، وعبر حملات متعددة، وبيانات متضامنة، وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش في وقت سابق: “يظهر بوضوح أن الاتهامات المنسوبة إلى أحمد منصور مخالفة لحقه في حرية التعبير، وإذا كانت الإمارات قلقة على سمعتها فعليها الإفراج عنه فورًا. اعتقال حقوقي بارز بهذه الاتهامات هو مثال آخر على انعدام التسامح مع المعارضة السلمية في الإمارات”.

كما طالب تحالف من 20 منظمة حقوقية، السلطات الإماراتية الإفراج فورًا عن منصور، بالتزامن مع تضامن واسع من أعضاء في مجلس العموم البريطاني مع “منصور”؛ حيث أثاروا قضية اعتقاله مع حكومة تيرزا ماي، وندد النائب البريطاني أندي سلوتر بانتهاكات أبوظبي في احتجاز “منصور”.

توقعات بالمواجهة!

ويتوقع بحسب مراقبين أن يفتح الحكم بسجن “أحمد منصور” النار على انتهاكات محمد بن زايد مجددًا؛ حيث يشكل فضيحة جديدة كثيرًا ما حاولت الإمارات إخفاءها، خاصة مع توقيع الإمارات على العديد من التوصيات الأممية التي تزعم بها حمايتها لحقوق الإنسان ومنها:  حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأقليات الدينية من التمييز أو المضايقة أو التخويف بما في ذلك حرمانهم من الجنسية تعسفًا، والقيام بتعزيز وحماية جميع العمال الأجانب من خلال اعتماد تشريعات تتماشي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان بما يضمن امتثال أرباب العمل على النحو الواجب للتشريعات الوطنية ومواصلة تعاونها مع البلدان الأصلية لهؤلاء العمال الأجانب، وكذا توفير المزيد من الحماية لخَدَم المنازل وتحسين ظروفهم المعيشية والتحقيق الفوري وبنزاهة في جميع ادعاءات التعذيب، ومقاضاة المسئولين عن الأمر بالتعذيب أو سوء المعاملة أو عن تنفيذه أو عن الموافقة عليه وإطلاق إليه المراقبة الوطنية التي تتيح تقديم شكاوى إلى القضاء.

وبحسب تقرير حديث مطلع هذا العام لمنظمة “كوميتي فور جستس ” ومقرها جنيف قبيل الانعقاد الدوري رقم 37 لمجلس حقوق الإنسان الدولي فإنَّ “الإمارات ترزح تحت سياط انتهاكات حقوق الإنسان”، حيث قامت بانتهاك الكثير من المعايير والالتزامات الدولية في العديد من القضايا وبحق العشرات من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والعمال وواصلت حتى مطلع العام ارتكاب انتهاكات داخل البلاد وخارجها في مقدمتها الإخفاء والتعذيب وإساءة معاملة المحتجزين وانتهاك استقلال القضاء وحرية التعبير واضطهاد الصحفيين والتمييز ضد المرأة.

من جانبها تصف سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش أوضاع التلفيق الإماراتية بدقة قائلة: “تحاول الحكومة وشركات العلاقات العامة المتعددة التي تمولها رسم الإمارات كدولة حديثة سائرة في طريق الإصلاح، ولكن ستظل هذه الرؤية الوردية خيالية طالما رفضت الإمارات إطلاق سراح الناشطين والصحفيين والمنتقدين الذين سُجنوا ظلماً مثل أحمد منصور، وكلما أشادت الولايات المتحدة وغيرها بالإمارات لدعمها الحاسم في مكافحة الإرهاب في أماكن مثل اليمن، فإنَّ ذلك يغطي واقعًا أكثر قتامة يسوده الإخفاء والتعذيب وإساءة معاملة المحتجزين، ويؤكد تواطؤهم المحتمل في هذه الانتهاكات”.