العدسة – معتز أشرف

قوائم الترهيب غير الأخرى المخصصة للإرهاب، وهي قوائم بحسب المراقبين والحقوقيين تصدر هنا وهناك، لتصنف شخصيات سياسية بارزة أو معارضين سلميين للأنظمة التي توصف بالاستبداد والقمع في الشرق الأوسط، أو مقاومين للاحتلال الصهيوني، أو حتى لاعبي كرة كانت لهم آراء وطنية في مرحلةٍ ما من عمر أوطانهم، ولها أسباب باتت رائجة في المنطقة العربية، خاصة في مصر والإمارات والسعودية، فضلا عن الكيان الصهيوني الذي بات متوافقا في كثير من الأحيان من تلك الدول الثلاث، ما جعل أصحاب الحقوق إرهابيين في دقائق معدودة قد لا تتجاوز مدة 4 دقائق مدة توقيع القرار، وهو ما يستحق التوقف عنده خاصة مع المطالب الدولية والأممية بتضييق التعريف القانوني للإرهاب .

معارضة النظام

معارضة الأنظمة المستبدة، كان أحد أهم الأسباب التي قد تضع مواطنا في السعودية والإمارات ومصر في قوائم تعلن تحت لافتة الإرهاب، لكنها في حقيقة الأمر للترهيب، بحسب وصف المراقبين والحقوقيين، ففي أبو ظبي أكد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان في تقرير له، أن إقرار الإمارات قانونا جديدا في شأن مكافحة الجرائم الإرهابية، بتاريخ أغسطس 2014، يعد سابقة في صيغته العقابية المتشددة والإفراط والتساهل في أحكام الإعدام والسجن المؤبد، موضحا أن  بعض مواد القانون حادت عن هذا الهدف، لتصبح تجريما للمعارضة السلمية وإبداء الرأي المجرد، ولكل من يدافع عن حقوق الإنسان، موضحا أن المواد 9 و10 و11 و12 و15 من القانون الاتحادي، وضعت للتنكيل بالمعارضة السياسية والجمعيات الحقوقية، تحت مظلة مكافحة الإرهاب، حيث تجيز عقوبة الإعدام أو المؤبد لكل من شرع أو قام بالاعتداء على سلامة رئيس الدولة أو نائبه أو أحد أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد أو أولياء عهودهم أو نوابهم أو أفراد أسرهم، بينما يعاقب بالسجن المؤقت كل من يعلن بإحدى الطرق العلنية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها، وقد يعتبر نشر بيان معارض لسياسة الحكومة أو فيه انتقاد لرئيس الدولة أو أي نوع من المعارضة السلمية شكلا من أشكال “العداء للدولة ونظام الحكم”،  وهو ما أثبتته منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2018، مؤكدة أن الإمارات ارتكبت انتهاكات داخل البلاد وخارجها عام 2017، وسط عمليات قمع روتينية ضد المعارضة.

وفي الرياض يُستَخدم قانون مكافحة الإرهاب السعودي، وسلسلة من القرارات المتصلة به، في تجريم مجموعة واسعة من الأعمال التي تُعتبر “إرهابية”، ومنها تعمد “الإساءة إلى سمعة الدولة”، و”الإخلال بالنظام العام”، أو “الدعوة للفكر الإلحادي”، كما استمر ولي العهد الشاب محمد بن سلمان في قمع النشطاء المطالبين بالإصلاح والمعارضين السلميين تحت لافتة مقاومة الإرهاب، وأدين العشرات بتهم تتعلق بأنشطتهم السلمية، وحُكم عليهم بفترات سجن مطولة، وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن المملكة تستخدم محكمة الإرهاب وقانون مكافحة الإرهاب في ملاحقة مدافعين عن حقوق الإنسان، وكُتاب ومنتقدين سلميين، دون وجه حق، وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “على الملك سلمان أن يعفو فورا، ويُطلق سراح كل شخص مسجون لمجرد تعبيره عن آرائه بشكل سلمي، في سياق مكافحتها للإرهاب داخل حدودها، على السعودية إشراك النشطاء الحقوقيين وتمكينهم من مقاعد على طاولة الحوار، وليس أسرّة في الزنازين”

ولم تكن القاهرة أحسن حالا من الرياض وأبو ظبي، حيث وضعت الآلاف من قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي كانت حتى وقت قريب في سدة الحكم في مصر، في قوائم تعرف بقوائم الكيانات الإرهابية  التي ضمت كذلك يساريين ولاعبين مشهورين بالأخلاق والتميز، كاللاعب محمد أبو تريكة، فضلا عن إنشاء دوائر للإرهاب في القضاء، تحاكم صحفيين ومدونين وسياسيين علي معارضتهم للنظام الحالي بوصفه انقلابا أو استبدادا، وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2018، إن حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال العام 2017، تخطت حدودا عديدة بقمع جميع أشكال المعارضة دون رادع، واستخدمت السلطات قوانين مسيئة لمكافحة الإرهاب لإدراج مئات الأشخاص على قوائم الإرهاب وتجميد ممتلكاتهم، بناء على صلات مزعومة بجهات إرهابية دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وهو ما دفع  17 منظمة حقوقية، في عام 2015، لدعم تحركات نقابة الصحفيين الرافضة لمواد حبس الصحفيين في قانون مكافحة الإرهاب الجديد، “نظرًا لتعارضه مع المادة 71 من الدستور المصري، ولما يمثله هذا المشروع من إعادة للقيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وهو النضال الذي توُج في دستور 2014″، وقال بيان مشترك للمنظمات: “نضم صوتنا لرأي مجلس القضاء الأعلى في رفضه لعدد من مواد القانون باعتباره يهدر حقوقًا أساسية في التقاضي وحقوق الدفاع، وإنشائه لمحكمة “خاصة” لنظر قضايا الإرهاب. كما تضم صوتها لعدد من كتاب الرأي الرافضين للتضحية بحقوق الإنسان ودولة القانون في سبيل مواجهة الإرهاب”.

مقاومة الاحتلال

ومقاومة الاحتلال الصهيوني بات أحد أدوات الانضمام إلى قوائم الترهيب، وهو ما وصفه به مراقبون مثل ما حدث مع السيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهو ما عبر عنه فصائل المقاومة الفلسطينية بعبارات متشابهة كان منها ما قاله عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الشيخ نافذ عزام، الذي أكد أن هذا القرار يأتي استكمالاً لقرارات سابقة في ذات الشأن، حيث أدرج عدد من قادة المقاومة الفلسطينية على قوائم الإرهاب، دون أن الاستناد إلى أي أسس أخلاقية، وبعيدة كل البعد عن العدالة والإنصاف، مشددًا على أن هذه القرارات تأتي خدمة للسياسة الإسرائيلية الظالمة، وتتضح فيها ازدواجية المعايير للإدارة الأمريكية، حيث إنها تتغاضى عن مجازر الاحتلال، والذين يهزءون بقرارات الأمم المتحدة، وتتفرغ لتصنيف المدافعين عن حقوق شعوبهم ضمن قوائمها ومصطلحاتها غير المقبولة.

وسبق إدراج السيد “هنية” إدراج الولايات المتحدة الأمريكية لثمانية قادة فلسطينيين على قوائم الإرهاب، لفرض عقوبات اقتصادية عليهم، مع وضعهم على قوائم الانتظار لإلقاء القبض عليهم، وهم: رمضان عبدالله شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، ونائبه زياد النخالة، ومسؤول الجناح العسكري في حركة حماس محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس فتحي حماد، والقيادي في حركة حماس أحمد الغندور، وأخيراً رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

كذلك تعرضت حركات مقاومة أخرى للوضع علي قوائم الترهيب، ومنها حزب الله في نسخته المقاومة، والتي ألحقت هزيمة بالعدو الصهيوني في حرب 2006، والتي أثارت قرارات وضعه علي قوائم الإرهاب وقتها رفضا كبيرا، تعرض للانسحاب والانزواء بعد التجاذبات الحالية التي تعرض لها، بسبب دوره السلبي في دعم الديكتاتور السوري بشار الأسد، حيث وضعت  حكومات الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية حزب الله مجددا علي قائمة الاتحاد للمنظمات الإرهابية، وهو ما رحبت به دولة الكيان الصهيوني “إسرائيل”، خاصة أنها كانت تدعو إليه منذ أعوام، وأدانه ما يسمى “تحالف قوى المقاومة الفلسطينية” معتبرًا القرار” خدمة للكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية، وإرضاء لحكام السعودية”.

وهكذا، وجدت نظم الحكم العربية ضالتها في تقييد حقوق الإنسان، بدعاوى حماية الأمن ومكافحة الإرهاب، التي جاوزت الإرهابيين لتنال في بعض الأحيان من المعارضين السياسيين والإعلاميين والحقوقيين والنقابيين، ولا عزاء لحقوق الإنسان.