ترجمة عن مقال للسيدة سهام بن سيدرين – الرئيسة السابقة لهيئة الكرامة
الجميع تابع خطاب قيس سعيد ضد المهاجرين أصحاب البشرة السمراء وتصريحاته العنصرية والتمييزية التي أطلقها بلا استحياء، في الواقع، هذه الخطبة تترجم بصورة واضحة هجومه الأوسع على الديموقراطية في كافة المجالات ووأده للحرية في مهد الربيع العربي: تونس.
خطبة قيس سعيد شجعت الشرطة على فعل ممارساتها القمعية التي تتميز بها مؤخرًا واستخدام العنف بارتياح شديد ضد هؤلاء المهاجرين، الأمر لم يقف عند هذا الحد، لكن وحشية الشرطة تطال أولئك الذين يمدون يد العون لهؤلاء العمال المساكين، لذلك لم يتصل بي “هيرفي” -أحد المهاجرين الذي كان يساعدني في بعض الأعمال المنزلية- لفترة من الوقت خوفًا من أن يوقعني في المشاكل مع الشرطة.
منذ 21 فبراير/شباط المنصرم أصبحت الأجواء مسمومة في تونس، كان هذا تاريخ خطبة قيس سعيد في اجتماع لمجلس الأمن القومي، والتي اتهم فيها هؤلاء المهاجرين بأنهم وراء “انعدام الأمن” في البلاد، وزعم أن “الموجات المتتالية من الهجرة غير الشرعية” كانت جزءًا من مؤامرة سرية لتمييع الهوية العربية الإسلامية لتونس وتحويلها إلى “دولة أفريقية بحتة”.
وتابع سعيد “وُضع مخطط إجرامي منذ بداية هذا القرن لتغيير التركيبة السكانية لتونس وحصلت جهات معينة على أموال طائلة لتمكين المهاجرين غير الشرعيين من جنوب الصحراء في تونس”.
الوتر الذي لعب عليه قيس سعيد مستوحى من “نظرية الاستبدال العظيم”، وهي نظرية مؤامرة عنصرية متطرفة تدعي أن غالبية السكان البيض يستبدلون عمدًا بالمهاجرين غير الأوروبيين، بكل أسف إنه أمر محبط للغاية يدمر انتصارات تونس الأخيرة فيما يتعلق بالمساواة.
كانت تونس أول دولة عربية تحظر العبودية في القرن التاسع عشر، لكن لا يزال من الممكن رؤية إرثها في الإهانات العربية التي تشير إلى السود على أنهم عبيد، لكن ثورة 2011 أعطت الفرصة أخيرًا لسماع هذه الأقلية المضطهدة والصامتة.
في العقد الماضي، أجرينا انتخابات حرة ونزيهة أشرفت عن دستور تقدمي، وبنينا مجتمعًا مدنيًا مزدهرًا، كل هذا يتعرض للخطر الا٣ن بسبب اعتداءات سعيد المستمرة على الديمقراطية.
لماذا تسيطر هذه الكراهية العنصرية على نبرة قيس سعيد؟ جزئياً، تتمثل استراتيجيته في تحويل الانتباه عن المشاكل الاقتصادية المتزايدة في تونس، بل وصل الأمر أن بعض السياسيين التونسيين أصبحوا يلومون الأفارقة على نقص الأرز وسرقة الوظائف.
لكن هناك سبب آخر وهو اتفاق البلاد مع إيطاليا، والذي منح تونس بين عامي 2011 و2022 مبلغ 47 مليون يورو للسيطرة على حدودها وتدفقات الهجرة.
أثناء حديثي عبر الهاتف مع “هيرفي”، سألته عن تصاعد موجة التعصب، وبكل أسف أخبرني عن قصص لا تنتهي عن التعصب والعنف الذي لا يوصف ضد مجتمعه، وأرسل لي مقاطع فيديو توثق هذه الاعتداءات، في موقف أخجلني أنا شخصيًا.
بعد يومين من حديثنا، عرض هيرفي تنظيف منزلي، كان يعلم أنه لن توافق أي سيارة أجرة على اصطحابه، خوفًا بوضوح من انتقام رسمي من السلطات للتعامل معه، في النهاية وافقت سيارة أجرة مشتركة على “تهريبه” – كما لو كان لاجئًا يعبر الحدود- بالطبع مقابل أموالًا مضاعفة.
للأسف هذه التغيرات لا تفاجئ أي شخص شهد اختطاف سعيد للبلاد- أو بالأحرى للديموقراطية في البلاد- منذ صيف 2021 عندما علق البرلمان وتدخل في عمل القضاء وأخرس الصحافة وسجن خصومه، أصبحت مقاليد الحكم كلها في يد شخص واحد: قيس سعيد.
أنا شخصيًا تعرضت لهذا الاضطهاد بصورة مباشرة: في الشهر الماضي، استدعاني قاض وأخبرني أنني ممنوعة من مغادرة البلاد.
خلال 18 شهرًا، أضرم النيران في كل مؤسسة ليبرالية بناها التونسيون بشق الأنفس في 11 عامًا منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لقد بنى دكتاتورية في مهد الربيع العربي، في المقابل: صمت العالم يصم الآذان.
إن هذه الديماغوجية الدنيئة ليست مجرد إهانة لحقوق الإنسان، بل إنها تضر أيضًا بسمعة تونس الدولية واقتصادها، في فبراير/شباط، ألغى الاتحاد الأفريقي مؤتمرا كان من المقرر أن يُعقد في تونس، كما أعلن البنك الدولي أنه سيوقف المحادثات مع تونس بسبب خطابات العنصرية.
مرت الأيام وانقطع الاتصال مع “هيرفي”، لم يرد على مكالماتي، كنت قلقة من الاعتقاد بأنه قد تم القبض عليه أو ما هو أسوأ، أخيرًا، اتصل في صباح أحد الأيام وأخبرني: “أنا في المطار… سأعود إلى الوطن إلى أبيدجان… تونس لم تعد تريدنا بعد الآن”
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا