بعد أكثر من ستة أشهر على تعليق مجلس النواب، يواصل الرئيس التونسي، قيس سعيد، تعزيز سلطته. حيث حل مجلس القضاء الأعلى، وهو هيئة مسؤولة دستوريًا عن ضمان استقلال القضاء، وشكل هيئة قضائية جديدة بدلًا منه، الأمر الذي أثار غضب القضاة وأدى إلى احتجاجات من قبل القضاة أنفسهم وآلاف التونسيين.

على خلفية هذه التطورات، فإن عملية التشاور حول الدستور عبر الإنترنت، والمعروفة باسم “الاستشارة الإلكترونية”، فتحت أبوابها لمشاركة التونسيين منذ 15 يناير/ كانون الثاني ومن المتوقع أن تحدد نتائج العملية محتوى الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه في 25 يوليو/ تموز 2022.

والاستشارة الإلكترونية هي عبارة عن منصة مجانية للمواطنين تدعي الرئاسة التونسية أنها “للتعبير عن الآراء” حول محتوى الدستور المقترح، وذلك بعد تسجيل الدخول إلى الموقع باستخدام بطاقات الهوية الوطنية. 

ثم يُطلب من التونسيين تقديم إجابات لأسئلة على طريقة “الاختيار من متعدد” في ست فئات وهي: الشؤون السياسية والانتخابية، والشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون الاجتماعية، والتنمية والتحول الرقمي، والصحة ونوعية الحياة، والشؤون التربوية والثقافية. 

وانطلاقًا من شعار “رأيك قرارنا”، يزعم قيس سعيد أن هذه العملية بمثابة الوفاء بوعده بمزيد من “الديمقراطية المباشرة”. ومع ذلك، فإنه من المشكوك فيه بقوة أن عملية التشاور ستضع إطارًا لدستور شامل ودائم يؤسس لحياة ديمقراطية سليمة.

 

مشاركة شعبية ضعيفة للغاية

ومنذ البداية، كانت هناك مشاكل في الاستشارة الإلكترونية، حيث كان لدى الحكومة وقت قصير جدًا لإعداد المنصة منذ إعلان سعيد في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021 حتى إطلاقها في 15 يناير.

فعلى الرغم من حملات الترويج لها على وسائل التواصل الاجتماعي الحكومية، وتقليص الحد الأدنى للسن الذي يحق له المشاركة من 18 إلى 16، شارك 2.5٪ فقط من المواطنين الذين لهم الحق في المشاركة، ولم يتبق سوى ما يزيد قليلًا عن أسبوعين حتى الموعد النهائي في 20 مارس/ آذار.  وكما هو واضح، فإن هذه نسبة منخفضة بشكل كبير، حتى مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن حوالي 30 في المائة من التونسيين لا يستخدمون الإنترنت في الأساس.

وبالإضافة إلى ضعف المشاركة، هناك تفاوتات واسعة في نوعية المشاركين بين المناطق الساحلية التي تم تطويرها تاريخيًا، والمناطق الداخلية التي تم تهميشها. حيث إن نسبة المشاركة مرتفعة نسبيًا في تونس العاصمة وأريانة وبن عروس، ومنخفضة في ولايات الجنوب والداخل مثل تطاوين وجندوبة وقبيلي. كذلك يوجد شكل آخر من أشكال عدم المساواة وهو الجنس، حيث إن ما يقرب من 74 في المائة من المشاركين حتى الآن هم من الذكور.

 

أسئلة موجهة

أضف إلى ذلك أن الأسئلة ذاتها موجهة بشكل خبيث. على سبيل المثال، في الوقت الذي يتجنب فيه أي سؤال حول مسؤوليات الرئيس، يسأل الاستطلاع: “في رأيك، ما هي أهم مشكلة تجدها فيما يتعلق بالقضاء؟” وبالطبع، فإن هذا السؤال يدفع المشاركين إلى الاعتقاد بأن القضاء، بشكل افتراضي، يعاني من مشاكل متعددة تستدعي التدخل.

وبنفس المنطق، تركز الأسئلة حول مصادر الصعوبات الاقتصادية بشكل مكثف على الديناميكيات التي لها علاقة بالشعب على حساب الديناميكيات التي تخص الخطة الكلية للحكومة.

وأخيرًا، فإن كتابة الدساتير في طبيعتها تكون من الشعب إلى الحكومة وليس العكس. لكن في هذه الحالة تطلب الاستشارة من المستجيبين اختيار ثلاثة من سبع أولويات وطنية محددة مسبقًا من قبل قيس سعيد، ما يعني أن الرئيس هو الذي حدد الأولويات بعيدًا عن الشعب، ثم هو يستخدم هذه الاستشارة الإلكترونية كتحصيل حاصل، فقط لإبداء شرعية مزيفة على استبداده.

 

رفض عام لمخرجات الاستشارة

وبعد مرور 7 أشهر على فرض سعيد إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة وتعيين أخرى جديدة، ينظر المواطن التونسي إلى حصاد هذه المدة، فلا يجد إلا استبدادًا متزايدًا يصحبه فشل ذريع. 

في هذا السياق، اتفقت معظم أحزاب تونس على رفض الاستشارة الإلكترونية، مؤكدين أنها تعمق للاستبداد. حيث اتهم، أحمد الشابي، عضو المكتب السياسي في حركة أمل قيس سعيد بالإعداد لمبايعته عن طريق الاستشارة الوطنية. وشكك الشابي في طريقة  المشاركة في الإستشارة ، قائلًا انها “ستذهب لمبايعة  وهو أمر مرفوض”. وطالب الشابي بالتوجه نحو الحوار حول خيارات  أساسية ويتم التوجه بها للشعب والشعب يختار.

كما اعتبر صاحب فكرة المشروع السياسي “تقدُّم” عادل اللطيفي أن نتائج الاستشارة الوطنية ماضية نحو فشل تام وهو ما تكشفه أرقام المشاركين فيها قائلًا “وبالتالي إذا بنى الرئيس خارطة طريق على استشارة فاشلة فما يبني على فشل لا يمكن أن يكون إلى الفشل”.

كذلك أكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس، عبير موسي، أنّ حزبها تقدم بدعوى قضائية ضد القائمين على الاستشارة الإلكترونية، التي أطلقها سعيد، بتهمة التدليس وإهدار المال العام. وقالت موسي إنّ الاستشارة الوطنية تشوبها شبهة التدليس، مؤكدة أنه تمت معاينة ذلك من خلال ”عدل تنفيذ“، وتم رفع الأمر إلى القضاء وسيتم متابعة الموضوع.

وأضافت موسي أن حزبها سيتقدم بدعوى إلى القضاء من أجل ”التدليس“ و”استعمال المال العام وموارد الدولة من أجل السطو على إرادة الناخبين، معتبرة أن القائمين على الاستشارة، أيقنوا أنّها ستواجه فشلًا ذريعًا، فلجؤوا إلى التدليس من خلال تسجيل أكبر عدد ممكن من المواطنين على المنظومة الرقمية الخاصة بالاستشارة وبرقم الهاتف نفسه، رغم اختلاف أرقام بطاقات الهوية؛ الأمر الذي يعتبر فسادًا وتدليسًا للحقائق.

وحذرت موسي من استعمال المعطيات الشخصية للمواطنين، وقالت إن ”وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية وصناديق الضمان الاجتماعي، وأرقام بطاقات هويات التونسيين كلها تقع اليوم تحت تصرف رئيس الجمهورية، وبإمكانه توظيف كل ذلك من أجل خدمة مشروعه وتقديم الرقم الذي يريده لإظهار أن هذه الاستشارة شرعية وممثلة لمواقف وآراء التونسيين“.