العدسة – باسم الشجاعي

لا يتعدى البرلمان المصري المشكل بأغلبية مؤيدة لقائد الانقلاب”عبد الفتاح السيسي”، كونه مجرّد “ختم مطاطي” في النظام المصري، لتمرير القوانين التي يريدها.

وبدا ذلك واضحًا مؤخرًا؛ حيث أقر البرلمان بأغلبية الثلثين على تعديل إحدى مواد قانون العقوبات المعمول به منذ عام 1937، والخاص بحيازة المفرقعات أو مواد متفجرة.

ونص التعديل على أنه “يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع مفرقعات أو مواد متفجرة أو ما في حكمها قبل الحصول علي ترخيص بذلك وتكون العقوبة الإعدام إذا وقعت الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي”.

وتضمن التعديل معاقبة ”كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع بغير مسوغ أجهزة أو آلات أو أدوات تستخدم في صنع المفرقعات أو المواد المتفجرة أو ما في حكمها أو تفجيرها“ بالسجن المؤبد أو المشدد.

تعديل القانون يحمل في طياته الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن قوات الجيش والشرطة تشن عمليات عسكرية منذ نحو ما يقرب من خمس سنوات في شمال ووسط شبه جزيرة سيناء ضد متشددين موالين لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بعد الانقلاب على الرئيس الأسبق “محمد مرسي”، فما الذي يرمي له “السيسي” من هذا التعديل، وما هو سر التوقيت الآن.

“عوار” دستوري

قبل الخوض في تفاصيل المشروع وما يرمي له قائد الانقلاب “عبدالفتاح السيسي”، وحكومته من خلف التعديلات، فإنه يواجه “عوارا” دستوريا كبيرا؛ حيث إن الدستور المصري الحالي ينصّ في المادة 40 أن “المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلاّ بحكم قضائي”.

بينما ينصّ القانون الجديد على “إلزام” المحاكم بأن تقضي في حالات الإدانة بمصادرة الأراضي والمنشآت محل ارتكاب الجريمة، وهو ما يتناقض مع النص الدستوري الذي يجعل المصادرة بديلاً من البدائل المتاحة للعقاب أمام المحاكم، كما يتناقض مع أحكام سابقة للمحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المواد القانونية التي تلزم القاضي بتوقيع عقوبة محددة من دون إعطائه خياراً لعدم تنفيذها وفق رؤيته الشخصية لظروف كل حالة على حدة.

التعديل مخالف للدستور أيضا لعدم تناسب العقوبة مع الفعل المجرم، فتوقيع عقوبة الإعدام لا تتناسب مع جريمة حيازة أو تصنيع المفرقعات رغم إضافة ظرف مشدد، هو كونها لأغراض إرهابية، هذه الأغراض التي قد تنفذ أو لا تنفذ، فلا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على فعل مرتبط بجرائم مستقبلية قد تقع أو لا تقع، وذلك بحسب ما أكدت “هدى نصر الله“، المحامية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في تعقيبها على التعديل.

لماذا أقره البرلمان رغم عدم الدستورية؟

مِن المؤكد أن تعديل القانون له مآرب أخرى وهو ما دفع مجلس النواب المصري لإقرار التعديلات رغم عدم دستوريتها؛ حيث كشف موقع “العربي الجديد”، عن وقوف جهازًا سياديًا في البلاد كان وراء توجيه نواب البرلمان لتعديل القانون، وحذف عبارة تعفي والد ووالدة وزوجة وأبناء المتهم من واجب الإبلاغ عن حيازته للمتفجرات أو تصنيعه لها، وتطبيق عقوبة التستر والاشتراك في الجريمة عليهم حال معرفتهم بها، وذلك كله بهدف تمكين الجيش والشرطة من وضع يدهما على المزارع والمباني التي تستخدمها العناصر الإرهابية كأماكن لتخزين وتصنيع المتفجرات والذخيرة لشنّ العمليات الإرهابية.

وبتطبيقه على بعض الحالات التي تمّ اكتشافها مؤخرا في مصر، والتي تبيّن وجود بها مخازن للأسلحة والذخائر والمفرقعات، يوجد أكثر من 50 مزرعة وأرض فضاء مملوكة لمواطنين.

ومن المقرر أن يسيطر عليها قوات الجيش والشرطة بعد إخطار السلطات القضائية في النيابتين العامة والعسكرية، باتخاذ إجراء احترازي بوضع يدها على المزارع في محافظات “شمال سيناء والوادي الجديد ومطروح وأسيوط”.

كما أنه من المتوقع أن يستغل التعديل للضغط على أسر وعائلات وقبائل المتهمين الرئيسيين الهاربين وخاصة في شمال سيناء لتسليم أنفسهم، مقابل تبرئة ذويهم من تهمة التورط والاشتراك في الجريمة، أو التستر عليها.

هل له علاقة بـ”الشريط العازل” و”صفقة القرن”؟

للوهلة الأولى، ستكون الإجابة، “نعم”؛ حيث تعمل السلطات المصرية لإخلاء السكان من مساحات واسعة في مناطق رفح المصرية وبلدة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، تحت غطاء نيابي، وترويج إعلامي يفيد بأهمية القيام بتلك الخطوة للقضاء على العناصر التكفيرية في سيناء.

وكانت مصر قد أعلنت، في أكتوبر 2014، إقامة منطقة عازلة، بطول 13.5 كيلومترًا وعمق 500 متر على الحدود مع قطاع غزة، في أعقاب هجوم دموي استهدف قوات الجيش وأسفر عن مقتل نحو 30 جنديًا، قبل أن تقوم القاهرة بتوسيع تلك المنطقة لتصل إلى عرض كيلومتر في ديسمبر من العام نفسه.

وعقب تلك التوسعة قامت القوات المسلحة المصرية بتوسعة ثالثة للمنطقة العازلة، لكن من دون الإعلان عن ذلك، وسط سخط عارم بين أهالي سيناء الذين تضرروا من عمليات التهجير القسري، بعد هدم منازلهم، إذ أوضحت الإحصاءات أن المرحلتين الأولى والثانية شملتا هدم نحو 2000 منزل.

أما فيما يتعلق بصفقة القرن، فيأتي ذلك القانون في وقت مناسب لوجد ذريعة قوية لإخلاء رفح والشيخ زويد من السكان، لتمرير الصفقة التي يسعى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بالتعاون مع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، وقائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” لتمريرها، والتي ستفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها، فضلا عن تنازل مصر عن جزء من سيناء، ضمن ما كشف عنه.

ووفقا لما أعلن رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق “إيغورا أيلاند”، فإن التصور الخاص بصفقة القرن يشمل نقل مصر إلى غزة مناطق مساحتها 720 كم، وتشمل هذه المنطقة جزءًا من الشريط الممتد على شاطئ البحر المتوسط بطول 24 كم، من رفح حتى العريش، أما الضلع الثاني فيمتد جنوبا من كرم أبو سالم بطول 30 كم، وإقامة ما يسمى “دولة غزة الكبرى” يعيش فيها فلسطينيو غزة والضفة والفلسطينيون من أصول غزاوية الذين يعيشون في الأردن.

ولن يكون سهلا نقل الفلسطينيين إلى سيناء في ظل الكثافة السكانية الموجودة؛ فكان ضروريا نقل الحرب على الإرهاب غربا إلى الشيخ زويد ثم العريش، لتمرير هذا التصور.

كما أن تعديل القانون تزامن مع بدء خطة “المجابهة الشاملة”، التي انطلقت في 9 فبراير الماضي والمستمرة حتى الآن، تحت عنوان “سيناء 2018”.

وتستهدف الحملة التي تواجه انتقدات دولية ومحلية لمواجهة مسلحين بسيناء ودلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، عبر تدخل جوي وبحري وبري وشرطي.

وأسفرت الحملة، استنادًا إلى البيانات العسكرية التى أعلن عنها الجيش المصري، لمقتل 22 عسكريًا و157 مسلحا، ووصل عدد الموقوفين إلى 3177 شخصا.