إبراهيم سمعان

سلط المحلل العسكري الإسرائيلي “عاموس هارئيل” بصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، الضوء على الدوافع وراء إسقاط مقاتلة إسرائيلية بعد قصفها مواقع قوات تدعمها إيران في سوريا، مشيرًا إلى أن الحادث وضع لأول مرة إيران وإسرائيل في مواجهة كاملة مسرحها الأراضي السورية.

 

 

“تسلل طائرة بدون طيار إيرانية، إسقاط طائرة إسرائيلية مقاتلة”، هذا كل ما نعرفه على التصعيد الإسرائيلي-السوري الأخير، والذي تحول حاليا لمواجهة بين إسرائيل وإيران، لتدخل كلا البلدين للمرة الأولى في مواجهة عسكرية كاملة على الأراضي السورية، وهذا هو التطور الأكثر أهمية بالنسبة لما يجري في الشمال من قتال.

فحتى لو انتهت جولة المواجهة الحالية بسرعة، لكنها ستؤدي -على المدى البعيد- إلى بتغيير الوضع الاستراتيجي، وستضطر إسرائيل للتعامل مع مجموعة من الظروف الصعبة والشائكة، وذلك بسبب أن هناك رغبة إيرانية في التحرك ضد تل أبيب، وأيضا الثقة الآخذة في التزايد الذي بدأ يحظى بها نظام الأسد، هذا بجانب الأمر الأكثر خطورة وإثارة للقلق، وهو الدعم الروسي الجزئي للسياسة العدوانية التي ينتهجها الحليفان الآخران سوريا وإيران.

فخلال سبع سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، حظيت إسرائيل بحرية واسعة من العمل في السماء السورية، وعندما استعاد النظام السوري عافيته، تم تحديدها كتهديد لمصالحها الأمنية.

حكومات بنيامين نتنياهو المتعاقبة من جانبها، حافظت على الخطوط الحمراء التي رسمتها (أولا وقبل كل شيء، منع تهريب الأسلحة المتطورة إلى حزب الله)، وبصفة عامة، انقادت عبر السياسية السورية التي تحلت بالمسؤولية والحساسية، ومنعت إسرائيل من الانجرار أكثر من اللازم في الحرب.

ولكن في العام الماضي، تغيرت الأوضاع، وبمجرد أن اتضح انتصار “الأسد” في الحرب الأهلية، استأنفت سوريا محاولة إسقاط الطائرات الإسرائيلية التي هاجمتها، كما بدأت إيران في تعزيز مصالحها الخاصة، ونشر مليشيات شيعية في جنوب سوريا، والضغط على دمشق للسماح لقواتها بإنشاء قواعد بحرية وجوية، ومع ذلك لم تتغير طريقة عمل إسرائيل في الشمال، حتى سقطت يوم السبت، في فخ إستراتيجي ربما يكون كمينًا متعمدًا من ثلاثة أطراف (روسيا – إيران- سوريا).

وفي خلاصة موجزة، أرسلت إيران طائرة بدون طيار إلى إسرائيل وسقطت طائرة هليكوبتر تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وبعد ذلك دمرت إسرائيل جناح المراقبة للطائرة التي تقع على قاعدة سورية بالقرب من تدمر جنوبي سوريا، ومن المحتمل أن تكون الضربة تسببت للمرة الأولى بقتل جنود أو مستشارين إيرانيين متواجدين في سوريا.

ورد الجيش السوري بإطلاق أكثر من عشرين صاروخا مضادًّا للطائرات، ويبدو أن أحدها أصاب طائرة إف -16 إسرائيلية، وأجبر طاقمها على القفز فوق الجليل، ثم ردت إسرائيل بالهجوم على 12 هدفا سوريًّا وإيرانيًّا، وهو الهجوم الذي وصف بأنه الأكبر منذ عام 1982، وهو أيضا كان آخر مرة أسقطت فيها طائرة مقاتلة إسرائيلية بواسطة مضادات الطائرات.

وحققت إسرائيل عدة عمليات ناجحة، يوم السبت، حيث أسقطت طائرة إيرانية بدون طيار، في مكان مناسب يسمح لإسرائيل باستعادة الأجزاء، وهذا يفترض أن يقدم دليلا على المسؤولية الإيرانية، كما دمرت إسرائيل جناح مراقبة، خلال هجوم معقد، وضربت عدة أهداف أخرى.

ولكن في العصر الحالي الذي تنجح فيه “حروب الصور”، فكل ما قامت به القوات الإسرائيلية من عمليات ناجحة، سوف يطغى عليه إسقاط الطائرة الإسرائيلية وإصابة طاقمها، وبالفعل قام العرب بتسويق ذلك كانتصار عظيم، لإحراج إسرائيل.

وسيتعين على القوات الجوية الإسرائيلية التحقيق في كيفية اختراق صاروخ قديم نسبيا، الدفاعات الجوية الإسرائيلية، كما سيتحقق من سلوك الطاقم، وهل كانت الطائرة تطير على مستوى مرتفع جدا ومكشوف، ولهذا أصابها الصاروخ السوري، فيما نجحت طائرة أخرى من تنفيذ مراوغة وعادت بسلام.

وقد استغلت إيران بالفعل الواقعة لإعلان أن إسرائيل لم تعد قادرة على المواجهة، فيما أصدرت روسيا بيانًا مثيرًا للقلق، دعت فيه إسرائيل إلى احترام السيادة السورية، في الوقت الذي تجاهلت فيه تماما تسلل الطائرات الإيرانية بدون طيار، إلى إسرائيل، وقد تستمر الأطراف في الملاكمة المتبادلة، لبعض الوقت، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى اعتبارات الفخر والإحراج العام لبعضها.

وفي يناير 2015، كان نتنياهو حكيما بما فيه الكفاية، عندما واجه ظروفًا مماثلة، وأنهى المسألة ثم اتهمت إسرائيل باغتيال جنرال إيراني وناشط في حزب الله (جهاد معنية) في مرتفعات الجولان السورية.

وبعد حوالي 10 أيام توفي جنديان إسرائيليات في كمين نصبه حزب الله على هاردوف، لكن إسرائيل امتنعت الثأر ومرت خطورة الحرب.

واليوم وعلى غرار ذلك هناك خطوات دبلوماسية يمكن اتخاذها، مثل نقل التهديدات عبر واشنطن وموسكو، قبل مواصلة الانزلاق الخطر إلى الحرب .

داخل إسرائيل، وكالمعتاد، ظهرت أسئلة حول العلاقة بين التصعيد الأمني والتحقيق مع نتنياهو، ومن المتوقع أن تصدر الشرطة، الأسبوع المقبل، توصيات حول ما إذا كان سيتم توجيه الاتهام إليه أم لا، لكن وسائل التواصل الاجتماعي كانت تتباهى، يوم السبت، بالصحفيين والنشطاء السياسيين وغيرهم، ممن اتهموا رئيس الوزراء بأن التصعيد كان مؤامرة منه لتحويل انتباه الجمهور عن الأمور الهامة.

وكل من لا يوافق على هذا التفسير للتصعيد يوصم، على الفور، بأنه متعاون مع نتنياهو، على الرغم من أن هؤلاء المحللين لم يفسروا أبدا إذا ما كان الإيرانيون الذين سيروا الطائرات بدون طيار، كانوا أيضا جزءا من المؤامرة.

لقد لعبت الاعتبارات الشخصية والسياسية دورا في العديد من القرارات الدبلوماسية والأمنية لرؤساء مجلس الوزراء، لكن اتهام نتنياهو، الذي يتجنب عادة الحرب مثل الطاعون، بالتعمد في زيادة السخونة في تسليح الحدود الشمالية يتطلب دليلا أفضل من التخمين الذي لا أساس له من الصحة.

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة أن رئيس الأركان الفريق “غادي إيسنكوت”، وهو أحد موظفي الخدمة العامة الإسرائيليين، الأكثر استقامة والأشد حذرا، سينصاع لتلك الحيلة القذرة، يعد أمرًا مثيرًا للسخرية، في الواقع اتخذ الجيش خطا خلال مداولات يوم السبت، وأوصى بضربة قاسية ضد الإيرانيين.

ولم يفصح الجيش بعد عن سبب تواجد الطائرة الإيرانية بإسرائيل، وإذا ما كان من المفترض أن تكمل بعض المهام، وترك دون الكشف عنها، ولكن بغض النظر عن الغرض من وجودها، أثبت الحادث أن طهران غير مكتفية بمساعدة نظام الأسد أو تأمين ميناء بحري، لكنها ترى أن انتصار النظام كفرصة للاحتكاك بإسرائيل على طول الحدود.

وعلى الرغم من الجيش لم يظهر سوى جزء صغير من قدراته الاستخباراتية والتشغيلية يوم السبت، سيكون من الأفضل عدم الكشف عن المزيد من تلك القدرات، لكن الأمر الذي يبعث على القلق بشكل خاص، هو أنه حتى الآن ليس هناك أي علامة على أن الكبار المسؤولين في المجتمع الدولي سوف يتدخلون لضبط الأطراف.

ويبدو أن روسيا التي تستضيف نتنياهو كل بضعة أشهر، تنسق مع إيران وسوريا في كل الأمور، حتى في تحركاتهم ضد إسرائيل، وقد ترى إدارة “ترامب” أن التصعيد في الشمال فرصة لكي تدفع إيران الثمن، وبالتالي، تشجيع إسرائيل على مواصلة هجومها، وبالتالي، قد نشهد أزمة خطيرة، حتى تتحول العمليات الحالية لحرب فعلية في المستقبل القريب.