العدسة _ منصور عطية

ضربة جديدة تلقتها دولة الإمارات، ينحسر معها نفوذها الذي قضت سنوات في تأسيسه على سواحل البحر الأحمر شرقي إفريقيا، امتدادًا لضربات سابقة جرحت كثيرًا كرامة أبو ظبي، وأسعدت في المقابل منافسيها الإقليميين.

فبعد خسائر اقتصادية كبيرة، كان موعد الإمارات مع خسارة لنفوذ سياسي وعسكري لن يطول الوقت حتى ينتقل إلى دولة أخرى مؤكد أنها تستعد لفتح ذراعيها.

بعد فضيحة الطائرة

الحكومة الصومالية الفيدرالية أعلنت إنهاء الدور الإماراتي في تدريب القوات الصومالية، وقال وزير الدفاع الصومالي “محمد مرسل شيخ عبدالرحمن”: إن الحكومة ستتولى إدارة القوات التي تدربها الإمارات بشكل كامل، بالتزامن مع مناسبة إحياء الذكرى السنوية للجيش الوطني الصومالي التي صادفت الـ12 من أبريل الجاري.

وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الصومالية “صونا” أنَّ مسؤولية إدارة القوات التي دربتها الإمارات تقع على عاتق الحكومة الفيدرالية، مضيفًا أنه تم إعداد خطة مسبقة بهذا الشأن من أجل ضمّ وإدراج تلك القوات إلى صفوف وحدات الجيش الصومالي ومنحهم رواتب.

المثير أنّ الإعلان يأتي بعد أيام على مصادرة  قوات الأمن الصومالية 10 ملايين دولار في حقيبتين وصلتا على متن طائرة إماراتية خاصة إلى مطار مقديشو.

ومباشرة بعد مصادرتها المبلغ فتحت السلطات الصومالية تحقيقًا حول مصدر تلك الأموال وإلى أين تتجه، إلى جانب دوافع إدخال هذا المبلغ إلى البلاد.

وقال مراسل الجزيرة في مقديشو إنَّ السلطات صادرت الحقيبتين عندما لم تستطع السفارة الإماراتية تقديم توضيحات مقنعة بشأن تلك الأموال، بينما سمحت المخابرات الصومالية للطائرة بالمغادرة.

في المقابل، أعربت الخارجية الإماراتية عن استهجانها للخطوة ووصفتها بـ “غير القانونية”، وقالت في بيان الثلاثاء الماضي، إن السلطات الأمنية الصومالية “استولت على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي والمتدربين.. وتطاول بعض عناصر الأمن الصومالي على بعض أفراد قوات الواجب الإماراتية”.

ضربات متلاحقة

ليست قضية الطائرة أو تدريب القوات فحسب، بل يختلف البلدان بسبب إبرام الإمارات اتفاقا مع “أرض الصومال” التي أعلنت استقلالها دون اعتراف دولي عن الصومال، لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في ميناء بربرة دون موافقة الحكومة الاتحادية الصومالية.

وتسبب ذلك في حث الصومال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ إجراءات ضد بناء تلك القاعدة، ودعا المندوب الصومالي مجلس الأمن في جلسة خُصصت لبحث التطورات في الصومال، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف ما وصفه بالانتهاكات الإماراتية.

وأكد فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الخاصة بالصومال وإريتريا في تقريره السنوي الأخير أن بناء المرافق الجديدة مستمر، وأن إنشاء القاعدة بما يعنيه ذلك من  نقل مواد عسكرية إلى الإقليم سيشكل انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على الصومال”.

وأضاف مندوب الصومال أنَّ “هذه الإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات في الصومال هي انتهاك واضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقواعد العلاقات الدولية والتعاون الدولي. ولذلك فإنّ حكومة الصومال الاتحادية تدعو مجلس الأمن إلى اتخاذ الخطوات اللازمة، وفقًا لولايته للمحافظة على السلم والأمن”.

وبدأت الإمارات بناء القاعدة العام الماضي، بموجب اتفاق مع مسؤولين في أرض الصومال، وهي منطقة شمالية في الصومال أعلنت استقلالها، في عام 1991 في أعقاب حرب أهلية.

وكانت الحكومة الفيدرالية الصومالية قد طالبت بتوسط جامعة الدول العربية في اتفاق بربرة المثير للجدل، خاصة بعدما تدهورت العلاقات بين حكومة مقديشيو وحكومة صوماليالاند، غير المعترف بها.

ومؤخرًا ألغت وزارة الموانئ والنقل البحري في الصومال اتفاقية الشراكة الثلاثية المبرمة في دبي بالإمارات بين شركة موانئ دبي العالمية وأرض الصومال والحكومة الإثيوبية في تشغيل ميناء بربرة.

بدورها، أعلنت جيبوتي إلغاء عقد الامتياز الممنوح لمجموعة موانئ دبي العالمية الذي يقضي بأن تتولى تشغيل محطة “دوراليه” لمدة خمسين عامًا، وقالت إن القرار “لا رجعة عنه”.

انحسار النفوذ

تلك الضربات المتلاحقة مثّلت أضرارًا بالغة للنفوذ الإماراتي في منطقة شرق إفريقيا بما تمثله من أهمية استراتيجية كبيرة، كساحة للصراع بينها وبين قوى إقليمية أخرى منافسة مثل تركيا وقطر.

وتوترت العلاقات بين الصومال والإمارات منذ انفجار أزمة قطر لرفض مقديشو التحيز لأي طرف، فيما ترتبط دول عربية بعلاقات تجارية قوية وتتمتع بنفوذ في الصومال لكن ذلك يقابله ثقل قطر وحليفتها تركيا التي تعد واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب بالبلد الإفريقي.

ووفق تقارير إعلامية بدأ التنافس التركي الإماراتي الناشئ حول الصومال على وجه الدقة في الازدياد بقوة خلال الأشهر الأخيرة، لدرجة حضوره في القلب من انتخابات الصومال الرئاسية أواخر العام الماضي.

واستثمرت أبو ظبي بشدة في عدد من المقربين منها، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق “حسن شيخ محمود” الذي سهل بشكل ما سيطرة الإمارات على الموانئ الصومالية، كما استثمرت في مرشحين آخرين على رأسهم رئيس الوزراء الصومالي السابق “عمر عبد الرشيد شارمارك” المقرب من الإمارة.

فاز عبد الله فارماجو في النهاية بالرئاسة على غير رغبة الإماراتيين، وبدا أن الرئيس الجديد يحمل حساسية أكثر من سلفه تجاه سعي بعض القوى الأجنبية لإضعاف الحكومة الفيدرالية من خلال إبرام اتفاقات خاصة مع الحكومات الإقليمية.

وفيما يبدو أن التحركات الإماراتية السريعة لتعزيز أصولها الصلبة في الصومال قد نجحت في رفع مستوى القلق لدى أنقرة لحده الأقصى ما دفعها لتسريع وتطوير وتيرة البناء في منشأة التدريب العسكرية المعلن عنها قبل عامين والتي افتتحت بالفعل.

وعلى خلاف القواعد العسكرية الإماراتية، ستخصص القاعدة التركية لتدريب الجنود الصوماليين، حيث سيقوم 200 خبير تركي بتدريب ما يصل لـ 10 آلاف من أفراد الجيش الصومالي، في غياب أي خطط لنشر وحدات تركية قادرة على القيام بعملياتٍ عسكرية، وفيما يبدو فإنّ أنقرة قررت تعزيز تواجدها في فضاء تدريب وتشكيل القوات الأمنية الصومالية، بعد أن سيطرت الإمارات على هذا الفضاء بشكل ملحوظ في الأعوام الماضية.

ويتوسع نطاق المنافسة التركية الإماراتية في الصومال من الأمن والسياسة إلى الاقتصاد والتجارة؛ ففي حين تدير شركة البيرق التركية ميناء مقديشو، وقدمت الشركات التركية عطاءات للقيام بنفس الشيء في مدينة كيسمايو على الساحل الجنوبي، فإن شركة “إس كيه إيه” الإماراتية للطيران والخدمات اللوجستية تدير مطار مقديشو.

معهد “ستراتفور” الأمريكي، قال في تقرير له أغسطس الماضي، إنه مع تطوير تركيا والإمارات لعلاقاتهما العسكرية والاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، فمن المرجح أن تشتعل منافساتهما العسكرية والاقتصادية بشكلٍ أكبر.